القلق بحد ذاته من ضرورات الحياة، وهناك من يقول بأن القلق صاحب الإنسان منذ القدم، وحافظ على بقائه. الشعور بالخوف والحذر يدفع الإنسان لتجنب المخاطر والبحث عن وسيلة وحل لضمان سلامته. هذه هي القاعدة العامة لقلق الإنسان. استعمال مصطلح "هلع" في جميع اللغات العالمية يعني حالة من الخوف والذعر أو القلق، ورغم كثرة استعمال هذه المصطلح في جميع ميادين الحياة ولكن في الطب النفسي يشير إلى اضطرابات القلق.
اضطرابات القلق شائعة، وما لا يقل عن ٥٠٪ من المرضى لا تراجع الخدمات الطبنفسية. لا يتم تشخيصها إلا إذا كانت تؤثر على أداء الإنسان الوظيفي سواءً في المجتمع أو العمل أو التعليم، كذلك لا بد من الإشارة بأن العتبة التي تفصل ما هو "الطبيعي" و"غير الطبيعي" في القلق غير واضحة تماماً. أعراض القلق متعددة وتشمل جميع أجهزة الجسم. هناك خمسة مصادر تفسر الأعراض كما هو موضحٌ ادناه.
تركيز المريض على مجموعة معينة من الأعراض تدفعه صوب اختصاص طبي دون آخر، وهذا ما يفسر أحياناً كثرة تشخيص القلق في المراجعين لمختلف الفروع الطبية كما هو موضحٌ في الجدول أدناه.
العرض | مصدر العرض | الاختصاص الطبي |
توقع مخيف | تهيج نفسي | طب نفسي |
تهيج | تهيج نفسي | طب نفسي |
حساسية للصوت | تهيج نفسي | طب عام |
ضعف تركيز | تهيج نفسي | طب نفسي |
أفكار مقلقة | تهيج نفسي | طب نفسي |
تململ | تهيج نفسي | طب عصبي |
جفاف الفم | الجهاز المستقل | طب عام |
صعوبة بلع | الجهاز المستقل | جراحة |
إزعاج شرسوفي | الجهاز المستقل | طب معدي معوي |
غازات | الجهاز المستقل | طب عام |
براز سائل | الجهاز المستقل | طب عام |
ضيق صدر | الجهاز المستقل | طب القلب |
صعوبة تنفس | الجهاز المستقل | طب التنفس (الصدرية) |
خفقان | الجهاز المستقل | طب القلب |
ضربات قلب فائتة | الجهاز المستقل | طب القلب |
تبول متكرر | الجهاز المستقل | جراحة بولية |
فشل انتصاب | الجهاز المستقل | طب جنسي |
تضيق وقت الحيض | الجهاز المستقل | نسائية |
رعشة | توتر عضلي | طب عصبي |
صداع | توتر عضلي | طب عصبي |
ألم عضلي | توتر عضلي | طب مفاصل |
دوخة | فرط تهوية | طب عصبي وقلبي |
نخز أطراف | فرط تهوية | طب عصبي |
أرق | اضطراب نوم | طب نفسي |
كوابيس | اضطراب نوم | طب نفسي |
الطريق إلى القلق
كانت مجموعة اضطرابات القلق واسعة إلى عهد قريب، وبدأت تتقلص تدريجياً في السنوات الأخيرة. كانت تضم القلق بأنواعه، الحصار المعرفي (الوسواس القهري)، كرب ما بعد الرضح، والاضطرابات الانفصالية (التفارقية). لكن القلق كواحد من أعراض جميع الاضطرابات النفسية لم يتغير ويمكن القول بأنه موجود في جميع الاضطرابات النفسية.
أثار القلق اهتمام المدرسة التحليلية، ولا يزال تصنيفها الهرمي للقلق من بداية حياة الإنسان يثير اهتمام الكثير، ويتم استعمال النموذج ليس لتفسير قلق الإنسان فحسب وإنما الشعب بأسره مثل القلق الاضطهادي.
ولكن النموذج التحليلي للقلق كثير الفائدة أحياناً في تفسير سلوك الإنسان ونبذه للآخرين وتجنبه مواقف معينة. يمكن حصر ذلك أحياناً بقلق الإشارة والقلق المشوش. قلق الإشارة يولد بسبب تعرض الإنسان إلى صدمات ومواقف يشعر فيها بالخطورة، وبالتالي يحاول أن يتجنبها وتساعده على التكيف في بيئته. لا يقتصر ذلك فقط على الرهاب (أنظر أدناه) ولكن يفسر مواقف الإنسان وآرائه وتعامله مع المقربين والغرباء على حد سواء.
القاعدة العامة في اضطرابات القلق أن الإنسان الذي يعاني من القلق يتم تشخيص أكثر من اضطراب قلق فيه، ويستحسن بسبب ذلك التركيز على القلق كمجموعة واحدة من الاضطرابات الموجودة في الإنسان. لكل إنسان عتبته بالشعور بالقلق ويتم تحديد هذه العتبة من قبل:
١_ عوامل وراثية أو جينات.
٢_ ظروف بيئية منذ الطفول إلى الشيخوخة.
هناك نماذج عدة لتفسير اضطراب الهلع الذي قد يصيب ما يقارب ٢ ٪ من البشر ويبدأ كثيراً في العقد الثالث من العمر. جميع النماذج الحالية تركز على عدم توازن الجهاز العصبي الذاتي Autonomic Nervous System وضعف فعالية ناقلات عصبية كيمائية مثل Gamma-aminobutyric acid GABA وضعف فعالية سيروتونين، زيادة فعالية أدرينالين، وغيرها. هناك نظريات نفسية بحتة، وتقدر الدراسات بأن دور العامل الوراثي والجينات لا يقل عن ٤٠٪.
هناك علاقة قوية بين القلق وبالذات نوبات الهلع والظروف العائلية والبيئية. حرمان الطفل من الأم والأب كذلك في الطفولة يؤدي إلى انخفاض عتبة الإنسان للشعور بالقلق. يضاف إلى ذلك نظام عائلي تسلطي لا يسمح لأعضائه بالتعبير عن مشاعرهم، ويضاف إلى ذلك عزل الطفل عن أقرانه وعدم إعطائه الفرصة للتأقلم مع بيئته وتجاوز ما يخاف منه ويتجنبه. ينمو الطفل وهو يعتمد دوماً على العائلة والأبوين بالذات لمواجهة الخوف.
وجود الأبوين لحماية الطفل بصورة مستمرة تكاد تكون عملية مستحيلة، والكثير يفسر أن المصاب بالقلق يعاني من نوبات هلع مصدرها غضب تم كبته تجاه الوالدين بعدم توفيرهم الحماية الخاصة المستمرة. في نفس الوقت لا يقوى الإنسان على التعامل مع مشاعر غضب تجاههم ويتم كبتها. هذه المشاعر المكبوتة تظهر ويتم تصريفها بين الحين والآخر بنوبات قلق وهلع وهذا ما نسميه "نظرية التثبيط السلوكي لغير المألوف".
النظريات المعرفية السلوكية هي أكثر انتشاراً من النظريات النفسية التحليلية في تفسير القلق. نظريات التكيف أو التعلم التشريطي Conditioning Theories تستند على تعلم الإنسان الشعور بالقلق والرهاب عن طريق التعليم المترابط حيث يمر الإنسان بتجربة ما يشعر فيها بالخوف والقلق، وبالتالي يتعلم الشعور بالخوف في مواقف معينة. العوامل المعرفية وطاقم تفكير الإنسان يحافظ على استمرار القلق والخوف والرهاب. هذه النظريات تساعد في تفسير وعلاج نوبات الهلع والرهاب، ولكنها نادراً ما تفسر القلق المتعمم أو تساعد في علاجه.
تصنف اضطرابات القلق في الطب النفسي إلى ثلاثة أقسام هي القلق النوبي أو اضطراب الهلع والقلق الرهابي ومنه 3 أنواع وأخيرا القلق المتعمم، ويظهر الجدول أعلاه متى تبدأ عادة أعراض كل نوع كما يظهر معدلات الانتشار.
ويتبع >>>>>>: اضطراب القلق المتعمم GAD
واقرأ أيضاً:
اضطرابات الشخصية / سيرترالين Sertraline / الفصام (شيزوفرنيا) (3-3)