العلاج الكلامي في الاكتئاب1
انخفاض الدافعية والحماية من الألم
انخفاض الدافعية يختلف من إنسان لآخر ويمكن وضعه على بعد من طفيف إلى وسط وبعدها شديد يؤدي إلى اعتزال الآخرين وإغلاق الإنسان لفعالياته المختلفة. هناك حقيقة يجب على المعالج النفساني الانتباه إليها هي أن انخفاض الدافعية يخدم غرضاً في الإنسان المكتئب بصورة خفية والتخلص منه يعرض الإنسان إلى الشعور بالألم العاطفي. هذا هو المدخل إلى الحديث مع المراجع الذي يتميز بعدم المبالاة والتشاؤم بالإضافة إلى انخفاض الاندفاع وهناك الحاجة إلى تشجيع المراجع على دراسته والتمعن فيه لكي يجيب على أسئلة منها: لماذا هذا الخمول؟ وإلى أين يرحل بي؟ عند هذا المنعطف يجب أن ندرك بأن الإنسان الذي يعاني من الاكتئاب أو أي اضطراب نفساني يتجنب الحقيقة، بل ويكرهها ويجد الخمول بحد ذاته حماية له، ولذلك لابد من تحفيزهم بلطف لكي يشعروا بالفضول في دراسة عواطفهم.
في العلاج النفساني يكون الحديث أحياناً عن أجزاء من الذات تم إرسالها إلى المنفى وأجزاء أخرى نحتفظ بها. الإنسان الذي يعاني من الاكتئاب تراه يتوجه نحو الأجزاء التي هي في المنفى والتي بدورها لها إطارها المتميز بمشاعر سلبية مثل الذنب والخزي والعار. الخمول وانخفاض الدافعية يحمي الإنسان من التوجه بسرعة نحو الأجزاء التي أرسلها إلى المنفى متجنباً التعامل معها مع استعمال وظائفه المعرفية، ولكنه بدلا من ذلك يستسلم إلى ما هو أشد من ذلك وهو الاكتئاب بعينه. بعبارة أخرى من خلال الخمول وانخفاض الدافعية يتجنب الإنسان الشعور بالألم بسبب ما تم إرساله إلى المنفى، ولكنه في نفس الوقت يستسلم للاكتئاب الذي يقضي عليه بصورة بطيئة.
من جهة أخرى ترى الاكتئاب يرسل الإنسان صوب أجزائه المنفية أحيانا وبسرعة وعند ذاك ترى المراجع لا يشكو من الخمول، ولكن يتحدث عن الألم ولا يقوى على السيطرة على دموعه. الوصول إلى أجزاء المنفى يعني العودة إلى آلام الماضي والاستسلام لها مجددا، وهذا ما يجب الانتباه إليه في الحديث وجذب انتباه المراجع إلى أن الاكتئاب هو اضطراب البحث عن آلام الماضي وهو ربما إحدى الحالات المتعددة التي تساعدنا على البقاء على قيد الحياة وليس الهروب منها. الإنسان يشعر بالخوف والهلع والحزن والغاية هو البقاء على قيد الحياة. الإنسان يشتاق دوما إلى رعاية أمه وحضنها وحنانها من أجل البقاء على قيد الحياة، والإنسان لا يتوقف عن البحث لدراسة ماضيه وتحسين حاضره من أجل البقاء على قيد الحياة وليس الاستسلام لآلام الماضي.
التعامل مع التفكير المتصلب الاكتئابي
واحد من ميزات التفكير الاكتئابي هو تصلب التفكير من خلال التركيز فقط على الأفكار السلبية. انخفاض الدافعية بحد ذاته يدفع المراجع إلى التركيز المستمر على الأفكار السلبية والتي محتواها دوماً أخطاء الحاضر والماضي على حد سواء. يواجه المعالج النفساني تحدي جمود التفكير الاكتئابي ويسعى دوماً إلى تعزيز المرونة في التفكير. هذا النمط من جمود التفكير الاكتئابي كثير الملاحظة في المراهقين ويتم مواجهته من خلال دفع المراجع إلى القيام بأعمال وفعاليات تساعده على العثور على المرونة في التفكير للتخلص من الاكتئاب.
ما هو كثير الملاحظة في الجلسات الكلامية مع المراجع المصاب بالاكتئاب هو ظاهرة استمرارية الاكتئاب لأجل غير مسمى حيث لا يصعب سماع مقولة: "سأكون مكتئباً طوال العمر" ويصاحب ذلك الشعور بالذنب ومقولة: "الخطأ يكمن في ... أني على خطأ لأني أصبت بهذا المرض". يتم تحدي هذا التفكير باستعمال ما يسمى استثناءات القواعد مع توجيه أسئلة مثل:
١- متى لا تشعر بالاكتئاب؟
٢- ماذا تفعل الآن وربما يعزز من شعورك بالاكتئاب؟
٣- ما الذي كنت تفعله في الماضي ويجعلك تشعر بالبهجة والسرور؟
٤- ما هي الأشياء التي يمكن عملها الآن وقد تحسن من حالتك المزاجية؟
الجواب على هذه الأسئلة يختلف من ثقافة إلى أخرى، ولكن ليس من الغريب أن تسمع أجوبة كثيرة التكرار. مثل:
١- عندما أفتح المواقع الاجتماعية أميل إلى الشعور بالاكتئاب.
٢- عندما أكون مع أصحابي لا أشعر كثيراً بالاكتئاب.
٣- عندما لا أكون مع أصحابي أميل إلى الشعور بالاكتئاب.
٤- حتى مع وجود أصحابي أميل إلى الشعور بالاكتئاب.
الغاية من هذا الاستجواب في غالبية الحالات الابتعاد عن تكرار تصريحات تكاد تكون عالمية في محتواها مثل: "حياتي كارثة" "لا أحد يحب الخروج والتواصل معي" "لا أحد يهتم بي". هذه التصريحات لا تساعد الإنسان على القيام بأعمال وفعاليات تساعده في رحلة شفائه، ولكن ما يساعده حقاً هو توجيههِ نحو القيام بأعمال وفعاليات لتحدي أفكار الاكتئابية المتصلبة. في نفس الوقت على المعالج النفساني الابتعاد عن توجيه أسئلة تعزز الاكتئاب وبالذات: "حسناً وضح لي كيف يوثر الاكتئاب على مشاعرك؟ أو ما هي مشاعرك الآن؟ لا بأس من توجيه هذه الأسئلة في المرحلة الأولية للتقييم السريري أو العيادي للاكتئاب، ولكن لا فائدة منها بعد دخول الفرد في جلسات علاج نفساني كلامي.
هناك الحاجة للانتباه إلى أن المصاب بالاكتئاب يميل إلى التركيز الداخلي الذاتي وذلك يعني بأنه يفكر فقط بمشاعره وأفكاره الاكتئابية ويتجنب التركيز على ما هو خارج ذاته ومن حوله والمحيط الذي يعيش فيه. الحديث عن المشاعر والمعاناة قد يكون ملائماً مع الأبوين أو الأصدقاء، ولكن المعالج النفساني يسعى إلى عكس ذلك. الاكتئاب يسحب الإنسان إلى الداخل، ولكن مهمة المعالج النفساني سحب تركيز المصاب إلى الخارج بعيداً عن اكتئابه. يمكن التعبير عن ذلك بالإشارة إلى المراجع: "يبدو أنك على اتصال دائم وقوي بما يحدث في داخلك ... ما أطلبه منك الآن أن تعيد اتصالك بالأشياء التي هي خارجك ... تحدث عن تفاعلات اجتماعية ... أحداث الساعة".
سحب المراجع من الداخل إلى الخارج يساعد في تفكيك اتصاله بالاكتئاب وتشجيعه على التفكير برواية ذاتية تتعلق باتصاله بأصحابه، زملائه في العمل، عائلته، وزوجه. هذا السحب للخارج يساعد في تفكيك الاتصال مع مشاعر الاكتئاب الداخلية والأفكار المتصلبة التي تصاحبه.
هناك قاعدة في غاية الأهمية على كل معالج نفساني الانتباه إليها وهي أن المراجع لا يحتاج إلى أفكار جديدة يتم تقديمها من قبل معالجه وإنما هو بحاجة إلى تجربة جديدة في محيطه الخارجي تساعده في توليد أفكار جديدة ومشاعر مضادة للاكتئاب. هذه التجارب يجب أن تتصدر رواية المراجع ضمن العلاج النفساني، ومع كل رواية جديدة هناك فكرة جديدة وفي إطار جديد.
ويتبع>>>>>: العلاج الكلامي في الاكتئاب3
واقرأ أيضاً:
اليقظة العقلية Mindfulness / تعامل الدماغ مع التعلق والصدمات