![]() |
الموجز
مقال يتناول موضوع الغيرة والحسد والعلاج النفسي لهما. يبدأ المقال بتوضيح صعوبة تعريف الغيرة بدقة والارتباك في تحديد البعد العاطفي والفكري فيها. كما يشير إلى أن هذا الارتباك ليس مقتصرًا على الثقافة العربية والإسلامية بل يظهر أيضًا في الثقافات الإغريقية الكلاسيكية والرومانية.
الغيرة تُعتبر عاطفة سلبية تتضمن ثلاثة أفراد: الشخص الذي يشعر بالغيرة، الشخص الذي يُغار منه، والشخص الذي يُفقد لصالح الشخص الذي يُغار منه. أما الحسد فهو عاطفة سلبية أيضًا ولكنها تشمل فقط شخصين: الشخص الذي يشعر بالحسد والشخص المحسود.
المقال يوضح أن مسار الغيرة غالبًا ما يكون خبيثًا ويتضمن احتياجات ناقصة قد تدفع الإنسان نحو تدمير منافسه، بينما مسار الحسد يكون حميدًا في غالبية الأحيان وقد يحفز الإنسان على تطوير نفسه.
فيما يتعلق بالعلاج النفساني، يشير المقال إلى أهمية التثقيف النفسي وفهم الطبيعة التطورية لهذه المشاعر لتقليل الشعور بالخزي وتسهيل آليات التكيف الصحية. كما يقدم استراتيجيات لإدارة الحسد مثل تنسيق محتوى صفحات التواصل الاجتماعي، أخذ فترات راحة، وبناء علاقات في العالم الحقيقي.
من الصعب أحياناً تعريف الغيرة بصورة دقيقة ويحدث الارتباك في تحديد البعد العاطفي أو الشعور والبعد الفكري فيها. هناك أيضاً الارتباك في تعريف الغيرة والحسد عبر الثقافات وتمييز ذلك من التعريف النفساني لها. لا يقتصر هذا الارتباك على الثقافة العربية والإسلامية وإنما تلاحظه في الثقافة الإغريقية الكلاسيكية والرومانية كذلك.
العاطفة من نوعين عموماً:
• الشعور بالسعادة
• الشعور بعدم السعادة
الشعور بالسعادة عموما يتميز بأنه قصير الأمد لأسباب فسيولوجية ولكن الشعور بعدم السعادة يتميز بأنه طويل الأمد وقد يقتل الإنسان أو يقتل من حوله.
الغيرة هي من النوع الثاني وهي عاطفة ولكن عموما يتم استعمالها لوصف الفكرة أيضاً وعدم الشعور بالأمان، الخوف، الحسد، نبذ الآخرين والعزلة وكل ذلك بسبب منافسة الإنسان لغيره. الغيرة لا علاقة لها بالحب كما يتصور الكثير ولكن يتم حصرها في هذا الإطار من قبل الكثير وفي مختلف الاختصاصات.
الغيرة تتضمن دوماً ثلاثة أفراد. هناك الإنسان الذي يشعر بالغيرة وهناك الإنسان الذي تغار منه، ويضاف إلى ذلك عنصر آخر وهو الإنسان الذي يُغَارُ عليه أو بسببه تشعر بالغيرة من آخر. هذا ما يفسر دوماً كثرة ارتباط الغيرة بالعلاقات العاطفية.
أما الحسد فهو الآخر عاطفة سلبية وقد تكون واعية أو غير واعية. ليس من الصعب الاتفاق مع من يقول بأن ليس هناك سبباً مثل الحسد يفسر عدم سعادة الإنسان في حياته. الحسد قد يحفز الإنسان للتفوق على منافسه أو إلى شعور مستمر بالنقص يرافقه طوال عمره.
يتم تمييز الحسد عن الغيرة شموله فقط لكائنين:
• الكائن الأول هو الإنسان الذي يشعر بالحسد
• الكائن الثاني هو المحسود.
وبسبب ذلك تنتشر الأساطير عن سوء حظ المحسود من قبل الآخرين في مختلف الثقافات البشرية. كذلك علاقة بين الحسد والعلاقات العاطفية. استعارت المدرسة التحليلية مفهوم الحسد من الثقافة الإغريقية الكلاسيكية وأسرفت فيه إلى حد الإشباع.
مسار الغيرة والحسد
مسار الغيرة مسار خبيث في الكثير ويتضمن احتياجات ناقصة لا يقوى الإنسان على تلبيتها وبالتالي يتوجه نحو تدمير منافسه. الغضب الناتج من الغيرة قد يتم تصفيته بأساليب غير العنف مثل النميمة وبث الإشاعات وخاصة هذه الأيام عبر المواقع الاجتماعية، ولكن هناك من يتجاوز ذلك ويسعى إلى تدمير منافسه. هذا المسار الخبيث للغيرة هو ما نسميه في الطب النفسي وهام الغيرة.
أما مسار الحسد فهو مسار حميد في غالبية الأحيان ولا يشمل سوى عدم الشعور بالرضى والراحة بسبب عدم امتلاك الإنسان لحاجة ما أو صفات شخصية يمتلكها من المحسود. رغم ذلك فإن الحسد قد يكون عامل تحفيز للإنسان لكي يطور نفسه ويتفوق على غيره.
وجهات نظر المدارس المختلفة للعلاج النفسي حول الغيرة والحسد
تتمتع مدارس العلاج النفسي المختلفة بآراء متنوعة حول الغيرة والحسد، حيث تتناول هذه المشاعر من خلال أطر نظرية فريدة. هذه نظرة عامة على كيفية رؤية بعض أساليب العلاج النفسي الرئيسية للغيرة والحسد:
النهج التحليلي النفسي
• الرؤية حول المشاعر: تعتبر الغيرة والحسد مشاعر مهمة يمكن أن تكشف عن صراعات غير واعية. تفسر النظرية الفرويدية الغيرة على أنها تعبير عن مخاوف أعمق من الخسارة (مثل الخوف من فقدان شريك أو حب)، بينما قد يشير الحسد إلى مشاعر العجز والرغبة فيما يمتلكه الآخرون.
• آليات الدفاع: غالبًا ما يستكشف العلاج التحليلي النفسي آليات الدفاع مثل الإسقاط أو التبرير التي يستخدمها الأفراد للتعامل مع الغيرة والحسد.
• التركيز في العلاج: قد تتضمن العملية العلاجية استكشاف هذه المشاعر لكشف القضايا غير المحلولة والخبرات الطفولية التي تسهم في هذه المشاعر.
العلاج السلوكي المعرفي
• الرؤية حول المشاعر: يرى العلاج السلوكي المعرفي الغيرة والحسد كأفكار ومعتقدات يمكن تحديها وتغييرها. يؤكد على الأخطاء المعرفية التي تقف وراء هذه المشاعر، مثل المبالغة أو المقارنة بالآخرين.
• التقنيات العلاجية: قد يُشجع العملاء على تحديد الأنماط الفكرية السلبية، وإعادة صياغة تلك الأفكار، وتطوير استراتيجيات معرفية أكثر صحة فيما يتعلق بتقدير الذات والمقارنة الاجتماعية.
• التركيز في العلاج: الهدف هو استبدال المعتقدات غير العقلانية التي تؤدي إلى الغيرة والحسد بأفكار أكثر عقلانية وتوازنًا.
النهج الإنساني
• الرؤية حول المشاعر: تعترف العلاجات الإنسانية، مثل العلاج المرتكز على الشخص، بأن الغيرة والحسد مشاعر طبيعية قد تنشأ من احتياجات وقيم غير مُرضية. تُرى داخل سياق الخبرات الفردية وتحقيق الذات.
• التركيز في العلاج: يشجع المعالجون العملاء على استكشاف مشاعرهم من الغيرة والحسد لتعزيز الرؤية الشخصية والنمو. التركيز هو على القبول الذاتي وفهم المشاعر بدلاً من الحكم عليها.
• الرحمة الذاتية: تعزز الممارسات الإنسانية الرحمة الذاتية والتركيز على النمو الشخصي بدلاً من المقارنات الخارجية.
العلاج السلوكي
• الرؤية حول المشاعر: في العلاجات السلوكية، تُنظر الغيرة والحسد على أنهما سلوكيات مكتسبة يمكن تعديلها. يمكن اعتبار هذه المشاعر سلوكيات غير مرغوب فيها.
• التقنيات: يمكن أن تتضمن التقنيات التعزيز، والنمذجة، أو الاستراتيجيات السلوكية لاستبدال السلوكيات الغيورة أو الحسودة بتفاعلات اجتماعية أكثر صحة.
• التركيز في العلاج: الهدف هو تغيير السلوكيات غير التكيفية المرتبطة بالغيرة أو الحسد، وتعزيز السلوكيات الاجتماعية.
العلاجات التكاملية والانتقائية
• الرؤية حول المشاعر: تجمع هذه الأساليب بين عناصر من مدارس علاجية مختلفة، مما يسمح بفهم أكثر مرونة للغيرة والحسد. تعترف بالجانبين المعرفي والعاطفي لهذه المشاعر.
• التركيز في العلاج: قد تشمل الاستراتيجيات إعادة الهيكلة المعرفية، وتقنيات تنظيم العواطف، واستكشاف الديناميات بين الأشخاص، ومعالجة المعتقدات والدوافع الأساسية.
العلاج السردي Narrative Therapy
• الرؤية حول المشاعر: في العلاج السردي، تُعتبر الغيرة والحسد جزءًا من قصة حياة الفرد. يُشجع العملاء على إظهار هذه المشاعر كمفاهيم منفصلة بدلاً من أن تكون جزءًا من هويتهم.
• التركيز في العلاج: من خلال إعادة صياغة السرد حول الغيرة والحسد، قد يحصل العملاء على رؤى جديدة يمكن أن تؤدي إلى التحول والعلاقات الصحية.
الغيرة والحسد والعلاج النفساني
القواعد التي يتم الاستناد عليها في التعامل مع الغيرة والحسد في العلاج النفساني هي كما يلي
الحسد والانفعال مشاعر طبيعية: يتحدى هذا القسم الوصمة الثقافية المحيطة بهذه المشاعر، مؤكداً أن شعور الشخص بالغيرة أو الحسد لا يدل على فشله الشخصي. بدلاً من ذلك، فإن هذه المشاعر متجذرة في ماضينا التطوري ومقارناتنا الاجتماعية الفطرية.
وجهة نظر تطورية: يُنظر إلى الغيرة والحسد على أنهما استجابات بدائية تتعلق بمكانتنا في التسلسل الاجتماعي. ترتبط الغيرة بالخوف من فقدان الموارد (مثل الحب أو الانتباه)، بينما ينشأ الحسد من الرغبة في الحصول على ما يمتلكه الآخرون. يقارن الدماغ بشكل طبيعي نفسه بالآخرين، مما يؤدي أحيانًا إلى تعزيز مشاعر الحسد.
التثقيف النفسي هو المفتاح: يؤكد هذا القسم على أهمية تعليم العملاء حول طبيعة هذه المشاعر ومرجعها التطوري لتقليل الشعور بالخزي وتسهيل آليات التكيف الصحية.
نتائج الأبحاث:
تؤكد الأبحاث الحديثة أنه على الرغم من أن المشاعر تُختبر بشكل خاص، فإن معناها غالبًا ما يستمد من المقارنة الاجتماعية. من المرجح أن يكون الناس حاسدين لشخص مشابه لهم لديه شيئًا أكثر بقليل مما يمتلكه شخص غني بشكل كبير، لأن الأخير يبدو غير قابل للتحقيق.
تؤدي وظيفة المقارنة الطبيعية في الدماغ البشري، التي كانت حاسمة للبقاء في الماضي، الآن إلى مقارنات اجتماعية سلبية على الإنترنت. تقدم وسائل التواصل الاجتماعي صورًا غير واقعية للحياة، مما يؤدي إلى مشاعر عدم الكفاءة والحسد. يقدم الناس نسخًا مقننة بشكل كبير عن أنفسهم، والتي لا تمثل الواقع.
يؤدي التمرير السلبي والمقارنة إلى نتائج سلبية للصحة النفسية للشباب. يمكن أن يؤثر الانخراط النشط، مثل المساهمة في المناقشات أو دعم الآخرين، بشكل إيجابي.
استراتيجيات إدارة الحسد:
تنسيق محتوى صفحتك: تابع الحسابات التي تلهمك وترفع من معنوياتك. قم بإلغاء متابعة تلك التي تسبب لك مشاعر سلبية.
خذ فترات راحة: الابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي يسمح بتوفير وجهة نظر أكثر صحة.
بناء علاقات في العالم الحقيقي: تعزيز الروابط خارج الإنترنت لمكافحة مشاعر العزلة والمقارنة.
الوقاية من الانزعاج: يجب على المعالجين أن يعززوا الرغبة في تجنب الانزعاج، مشددين على أن المشاعر لها ارتفاع وانخفاض طبيعي. تساعد تقنيات مثل اليقظة الذهنية العملاء على تحديد وتحمل الانزعاج دون اللجوء إلى التجنب.
اليقظة الذهنية والتقدير: تساعد ممارسات اليقظة الذهنية العملاء على تقدير نجاحات الآخرين دون الشعور بالتهديد. من الضروري زراعة الرحمة الذاتية والتركيز على النمو الشخصي، بدلاً من المقارنات الخارجية.
معالجة جذور الحسد: يجب على المعالجين مساعدة العملاء في تحديد ومعالجة المعتقدات الكامنة التي تعزز الحسد. قد تكون تقنيات مثل اليقظة، والتجربة الجسدية، وعلاج إزالة التحسس وإعادة المعالجة مفيدة.
تظهر الأبحاث وجود علاقة قوية بين الاستخدام السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي (مثل التمرير) وزيادة مشاعر الحسد وانخفاض المزاج. وهذا التأثير لا يقتصر على أي فئة عمرية معينة. تسهم الطبيعة الإدمانية لوسائل التواصل الاجتماعي، المدفوعة بإطلاق الدوبامين في الدماغ وأشكال أخرى من التفاعل، بشكل كبير في هذه المشاعر السلبية والمسار يتوجه صوب هدف واحد: الغيرة والحسد.
مصادر للاطلاع
1. Kernberg, O. F. (1996). Object Relations Theory and Clinical Psychoanalysis. Jason Aronson.
2. Yalom, I. D. (2002). The Gift of Therapy: An Open Letter to a New Generation of Therapists and Their Patients. HarperCollins.
3. Salovey, P., & Rodin, J. (1984). "Some Answers to Questions About Jealousy." Journal of Social Issues, 40(1), 20-25.
4. Bowlby, J. (1982). Attachment and Loss: Volume 1: Attachment. Basic Books.
5. Davis, M. H., & Franzoi, S. L. (1999). "Personality and Individual Differences: The Influence of Gender and Gender Role on the Experience of Jealousy." Personality and Individual Differences, 27(1), 183-193.
6. Hatfield, E., & Sprecher, S. (1986). Observable and Conversational Indices of Jealousy. In Jealousy: Theory, Research, and Clinical Strategies. Springer.
7. Brown, R. P., & Johnson, S. J. (2008). "Exploring the Relationship Between the Pathogenicity of Jealousy and Envy and Emotional Regulation." International Journal of Culture and Mental Health, 1(1), 30-36.
8. Soto, J. A., & Levens, J. S. (2015). "Emotion Regulation: The Role of Jealousy and Envy in Stress Response." Emotion Researcher.
واقرأ أيضًا:
العصابية Neuroticism / آليات الدفاع النفسي1