أعراض الرهاب أو الخوف مألوفة جداً. تقترب من شيء أو مكان أو علو شاهق وتشعر بأن دقات القلب تزداد سرعة وقوة٫ والعرق يملأ راحة اليد ويتدفق الدم إلى الوجه ويجف الفم ولا تقوى على الحركة. هناك من يستمر واقفاً على قدميه وهناك من يغمى عليه. هذا ما يحدث مع نوبة هلع تسبق أو تصاحب مواجهة الإنسان لحدث أو مكان أو حيوان يخاف منه. ومع الوقت لا توجد حاجة لأن تواجه ما تخاف منه وإنما يكفي أن تفكر به. رغم استخفاف الكثير من الناس بالمصاب بالرهاب٫ ولكن المخاوف ليس من السهولة التغلب عليها٫ وأصعب ما فيها هو أن على الإنسان تعريض نفسه لما يخاف منه.
ما هي آلية الخوف والرهاب؟
يتميز الدماغ بقدرات استثنائية على التقاط ذكريات معينة وربطها برد فعل الإنسان لها. هناك مستقبلات معينة في الخلية العصبية نسميها NMDA Receptors) N-methyl-D-Aspartate) تتحكم في فولتية الخلية وتصريف الكالسيوم عبر الجدار. هذه المستقبلات تتواجد في ثلاثة مناطق من الدماغ تلعب دورها في الاضطرابات الانفعالية والقلق والاكتئاب وهي:
١- الحصين حيث يتم خزن الذكريات.
٢- اللوزة Amygdala والتي تبعث إشارات إنذار مبكر.
٣- الفص الجبهي Prefrontal والذي ستحكم بفعاليات الإنسان الإدارية.
تزداد فعالية هذه المستقبلات حين يتعرض الانسان لمواقف تتميز بما يلي:
١- متأزمة عاطفياً (انفعاليا) ومعرفياً.
٢- مواقف غير واضحة وغير مؤكدة.
ترتفع فعالية هذه المستقبلات تدريجيا وهذا ما يفسر سرعة شعور الإنسان بالخوف والقلق بمجرد التقاطه إشارات معينة تتعلق بمصدر خوفه. هذه المستقبلات (مستقبلات الن.م.د.ا NMDA ) وفعاليتها تلعب دورها أيضاً في الكثير من الاضطرابات التي تتميز بسلوك متكرر يصاحبه القلق مثل:
١- الإدمان.
٢- تكرار ممارسة الطقوس.
٣- الحصار المعرفي (الوسواس القهري).
٤- الاكتئاب.
وغيرها.
كذلك تفسر فعالية هذه المستقبلات الخوف الذي يتسلط على ضحايا العنف المنزلي وإصابتهم بشلل اجتماعي وشخصي.
علاج الخوف والرهاب
لو تمعنا جيدا في آلية الخوف والرهاب لاكتشفنا بأن هناك مستقبلات واحدة يجب التركيز عليها٫ ولكن العلم ولا يزال يبحث عن العقاقير المثالية لمضادات مستقبلات الن.م.د.ا(1). هذه العقاقير يتم حصرها في إطار مجموعة عقاقير جديدة هي عقاقير التعزيز المعرفي Cognitive Enhancers من أجل استعمالها أثناء العلاج السلوكي أو لوحدها. لكن مثل هذه المواد لا تزال في مرحلة التجارب.
لا يزال العلاج السلوكي تحت إشراف معالج نفسي أو أن يعالج الإنسان نفسه بنفسه هو الأكثر شيوعاً. القاعدة العامة هي أن الدماغ بفضل هذه المستقبلات تم تدريبه على رد فعل معين وبالتالي يجب إعادة تدريبه عن طريق التعرض لمصدر الخوف بصورة هرمية تدريجية.
ملاحظات طبنفسية
الرهاب يتم تصنيفه كاضطراب قلق لأن أعراض المصاب هي القلق لا غير. الرهاب بدوره رد فعل تعلمه الإنسان يتميز بخوف شديد وغير عقلاني من كائنٍ ما أو موقفٍ معين. لا تزال هناك ثلاثة أنواع من الرهاب:
١- الرهاب الاجتماعي.
٢- رهاب الساحة أو الخلاء Agoraphobia.
٣- الرهاب المحدد أو البسيط (من حيوانات أو مرتفع وغير ذلك).
لا يتم تمييز الرهاب كمرض أو اضطراب نفسي إلا إذا كان له تأثيراً على فعالية وأداء الإنسان وحياته بصورة ملحوظة.
العلاج
آلية الرهاب التي تمت الإشارة إليها أعلاه توحي لنا بعدم وجود عقار أو علاج كلامي مثالي للرهاب٫ ويتم تقسيمها كالآتي:
أولاً: المساعدة الذاتية العلاجية تتضمن ما يلي:
١- تغيير نمط الحياة من نشاط رياضي٫ تحسين اللياقة البدنية٫ تناول طعام صحي منتظم٫ النوم ٨ ساعات ٫ التخلص من الكافيين بأنواعه.
٢- تعريض نفسك تدريجياً لما تخاف منه.
٣- تمارين استرخاء يومية والتركيز على عضلات الفك والأكتاف.
٤- تمارين التصور التي تجمع بين الاسترخاء وتقنيات تنفس عميق وبطيء مع تصور الموقف الذي يخشاه الإنسان.
ثانياً: العلاج المعرفي السلوكي:
عن طريق معالج نفسي أو برامج إلكترونية متوفرة بكثرة هذه الأيام.
ثالثاً: مضادات الاكتئاب
يجب الحرص على إشراف طبي حين استعمالها وهناك ما يلي:
· الإيسسيتالوبرام Escitalopram
· السرترالين Sertraline
· الباروكستين Paroxietine
· فينالافاكسين Venlafaxine
· كلوميبرامين Clomipraimne
· الموكلوميبيد Moclobemide
هناك عقاقير يتم استعمالها لمدة قصيرة جداً مثل الدايازيبام Diazepam أو المعروف شعبيا بالفاليوم ومحصر بيتا Beta-Blocker مثل البروبرانولول في المواقف الحرجة.
فعالية العقاقير غير مثالية ولا أمل في نجاح العلاج بها دون الاستعانة بالمساعدة الذاتية والعلاج العرفي السلوكي.
ما هو الاستنتاج
الاضطرابات الانفعالية عموما لها آلية متشابهة عن طريق مستقبلات الن.م.د.ا وما لم يتوصل العلم إلى علاج عن طريق هذه المستقبلات سيبقى علاج القلق والرهاب دون العتبة المثالية(2).
هذه الاضطرابات أمرها شديد ويجب توخي الحذر في إسقاط اللوم على المصاب بها ومد يد العون له ضمن حدود معقولة.
كانت تسمى في السابق باضطرابات نفسية طفيفة أو صغرى ولكنها عكس ذلك تماما.
المصادر
1- Amaral O, Roesler R (2008): Targeting NMDA receptor for fera-related disorders. Recent Pat VCNS Drug Discov. 3(3):166-178.
2- Davies M (2011): NMDA receptors and fear extinction: implications for cognitive behavioral therapy. Dialogues clin Neurosci 13(4): 463-474.