القرآن يتحدى تأملات في مساحات ومستويات وطرق العلاج به
يؤمن كل مسلم بأن في القرآن شفاءً، وجذور هذا الاعتقاد لديه لها دليلان، أحدهما نقلي من القرآن ذاته، والآخر من التجربة العملية، علاوة على الخبرات التاريخية والمتوارثة لدى أجيال متتابعة من المسلمين وغيرهم، وإن كانت هذه الخبرات حول العالم وعبر الثقافات والعصور تفتقر إلى التوثيق اللائق بكتاب يستحق ذلك، وبحركة تفاعل البشر مع هذا الكتاب، مما يمكن فهمه ضمن إهمال المسلمين لما لديهم، أو سوء تعاملهم معه، ونرجو ألا يكون الوقت قد فات قبل أن ننتبه ونبدأ في العناية والبحث في حقل ما يدلنا عليه القرآن، بل ويدل العالم كله في مجالات الفهم والتطوير والاستثمار لما في الإنسان والكون والحياة من إمكانات، وفي عجالة سنحاول تسليط الضوء على بعض الآفاق المقترحة، والمساحات المرشحة لمثل هذا البحث المبارك.
العلاج النفسي المعرفي
ومن الاتجاهات الحديثة نسبيا في العلاج النفسي ما بات يعرف بالعلاج المعرفي السلوكي الديني (Religious Cognitive Behavioral Therapy (R CBT) (Rajagopal, et al., 2002، وتقوم فلسفته على استخدام الأفكار والنصوص الدينية المعتبرة عند المريض بحسب اعتقاده في تصحيح الأفكار المرضية المغلوطة المساهمة في حصول المرض، والجدير بالذكر أن الأبحاث في هذا الميدان مازالت أنشط أخذا عن التوراة والإنجيل وغيرهما (Hall, et al., 2004)و (Hall, 2006)، بينما ما تزال في البدايات بالنسبة للقرآن، والبحث مطلوب لاستخراج المفاهيم الصحيحة، وتحديد النصوص التي تؤكدها، وبرمجتها في خطط وتقنيات علاجية معرفية.
العلاج بالمعنى Logo therapy
والحقيقة أن معظم أو كلُّ المعلومات التي يفرزها العلم الغربي الحديث تتركزُ حول إثبات أن المادةَ هيَ أساسُ كل شيء وتنبعُ من دراساتٍ تدعي الموضوعية والحياد العلمي، وتأخذُ الدراسةُ وضعها وأهميتها كلما كانت نتائجها قابلةً للتكرار، وشروط الدراسة العلمية الحديثة لا تسمحُ إلا بمثل هذا النوع من الدراسات، والنتيجةُ الحاليةُ هيَ أن لدينا كما رهيبًا من النتائج والمعلومات المقننة إحصائيًّـا ولكنها لا تستطيعُ الإجابةَ عن أبسط الأسئلةِ التي يسألها الشخص العادي لا العالم ولا الطبيب، فبدونِ أن تكونَ هناكَ نظريةٌ مبدئيةٌ عن الكيان الإنساني وعن معنى وجود الإنسان في الدنيا وعن الهدف من وجوده تصبحُ كلُّ المعلومات المتراكمة عاجزةً عن الإجابة على أبسط الأسئلة، ولأضرب هنا مثلاً بالدراسة الدقيقة لنسيج ما من أنسجة الجسد البشري وليكن مثلاً النسيجَ العضلي باستخدام المجهر الإليكتروني وكل وسائل الكيمياء الحيوية المتوفرة لدينا.
إن هذه الدراسةُ تستطيعُ أن تعطيك تفاصيل لا حد لها عن النسيج العضلي ولكنها ببساطة شديدة لا تستطيع الإجابةَ عن ما هيَ وظيفةُ العضلات! وإنما الذي يجيبُ عن هذا السؤال البسيط هوَ معرفتنا بأن الإنسان يستخدم العضلات لكي يحرك أعضاءه ولكي يتحرك جسديا من مكان لمكان ولكي يحرك الأشياء، وهذا بالضبط هوَ حالُ العلم في الطب النفسي الحديث الذي لا ينطلقُ من نظرية عامةٍ تفسر سرَّ وجود الإنسان ووظيفته، اللهم إلا أن الإنسان مادةٌ مستمدةٌ من الطبيعة وتحكمها نفس القوانين التي تحكم سائر مكونات الطبيعة وهذا النوع من الفهم هو الأساسُ الذي تنطلقُ منهُ الدراسات العلميةُ الحديثةُ وهوَ فهمٌ واعٍ عند معظم الباحثين الغربيين ولا واعٍ عند الكثيرين من حسني النوايا الذين يسيرون خلفهم بيننا، وقد كنا دائمًا نعترضُ على هذا الفهم ونرى أنه إذا كانت المعطيات العلمية الحديثةُ تشيرُ إلى المادة كأساسٍ لكل شيء.
فإن هنالكَ بالتأكيد قصورًا في هذا الفهم لأن معتقداتنا الدينية –وموقفنا المعرفي المنبثق عنها- تقولُ بأن الله سبحانهُ وتعالى هو الخالقُ لكل شيء بما في ذلك المادة، والخالق بالتأكيد مختلفٌ عن المخلوق ومتجاوزٌ له، والله سبحانهُ وتعالى خلق الإنسان مودعًا فيه نفحةً من روح الله، هذه النفحةُ تجعل الإنسان في جانبٍ منه، متجاوزًا للمادة، وليسَ مجردَ انعكاسٍ لها وهذا فهم المسلمين (وائل أبو هندي، 2003).
وجود الله في الضمير والوعي يشيع نوعا من الاطمئنان الوجودي والنفسي بما يمنح مقاومة أكبر ضد عوارض المحن..... واستدعاء معنى وجود الله سبحانه إلى الوعي بالذكر هو تجديد لاستعادة المعنى والجدوى والسند والدعم والمدد اللانهائي، ومن الآيات التي تشير لذلك المعنى وتصلح مدخلا للعلاج: قوله تعالى: (الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (الحج:35)
بلاسيبو Placebo.. العلاج بالعقَّار المُمَوِّه
ونزعم أن أي معالج مسلم متمكن من أدواته يمكنه أن يقنع مريضه بتأثير القرآن وشفائه، بل إن أي مريض مسلم أو مؤمن سيكون قريبا جدا من اعتناق هذا الاعتقاد من تلقاء نفسه.... إذن نحن أمام اعتقاد جاهز وقوي لدى البعض، ويمكن تقويته بسهولة لدى الآخرين من قوة القرآن الشافية وتأثيره المعنوي الكبير، مما يمكن معه الافتراض بدور للقرآن في الشفاء ولو حتى –بالنسبة لغير المؤمنين بأنه من عند الله- عبر طريق العقار المموه– بلاسيبو.
التأثير المائي لكلمات القرآن
التأثير الموسيقي للقرآن
التأثير السلوكي للقرآن
التأثير اللغوي للقرآن
صور وتراكيب نفسية
التوافق كعلاج
إن علاجا مثل الإنتربيرسونال ثيرابي Interpersonal Therapy يعتمد على إصلاح شبكة العلاقات المحيطة بالإنسان والداعمة له، والقرآن يرسم تقاليد وطقوس وحدود العلاقات بين الرجل والمرأة، والفرد والجماعة، وجماعة المؤمنين وغيرهم، ويفصل أحيانا فيما من شأنه أن يكون خطة مفصلة لإصلاح ذات البين، أليس هذا هو المعنى العميق للإنتربيرسونال ثيربي؟؟؟
أشكال وطرق وتقنيات مقترحة للعلاج (لمزيد من البحث)
وبعد فنحن لا نزعم أن القرآن هو الشفاء الوحيد الذي أنزله الله لعباده ليتداووا به، كما قد يظن بعض المتحمسين، كما أننا لا نرى أن كل ما يقال حول العلاج بالقرآن هو صحيح ونافع، أو محض دجل وشعوذة، واسترزاق وغير ذلك مما يقول به معارضو الأمر برمته، إذ لابدَّ من توضيح الفرقِ بين العلاج بالقرآنِ الكريم على أساسٍ فكريٍّ معرفيٍّ واضح ومن قِبَلِ من يعرف ما هو المرضُ وما أشكاله وأسبابه، وبين من ينسب المرضَ النفسي عامة إلى فعل الجنِّ ويتعامل مع آيات القرآنِ وكأنها تعاويذُ يؤثِّرُ بها في الجن وما إلى ذلك، ويفعل أشياءً ما أنزل الله بها من سلطان ربما يصدقها هو نفسه إن كان سليم النية ويصدقها الآخرون على أنها دلائل على وجود الجني في بدن المريض.
ونرى أنه قد حان الوقت لينفر من بين أبناء أمة الإسلام من يبحث ويدرس ويفحص ويمحص ويميز الغث من السمين في هذا الصدد الذي كثر فيه اللغط، فهذا أولى من الاكتفاء بالفرجة أو مجرد النقد، وبخاصة أننا نعيش في عالم لا يترك سبيلا فيه نفع أو حتى شبهة نفع أو علاج لوجع نفسي أو عضوي إلا وطرقه، وما أكثر أوجاع إنسان هذا الزمان
لقد كان القرآن منذ لحظة نزوله وحيا موحيا ومنطلقا لعلوم وفنون وأسس حضارة سادت ما تمسكت به جوهرا وهديا، وسيظل القرآن هو نقطة البدء الصحيحة دائما لمن أراد استعادة السبق والمبادرة لمصلحة هذه الأمة، ومن طبيعة القرآن أن يعطي بمقدار ما نبذل من جهد في الأخذ عنه والبحث فيه، وبمقدار التحضير الجيد للأسئلة التي نطرحها عليها، وهو لا يخلق (لا يبلى) من كثرة الرد
المهم أن نسأل
المراجع:
4- Hall DE, Koenig HG, Meador KG. (2004): Conceptualizing "religion": how language shapes and constrains knowledge in the study of religion and health. Perspect Biol Med 2004; 47: 386–401.
5- Hall D.E (2006): Letter to the Editor. The Journal of the American Board of Family Medicine 19:431-433 (2006)
6- Guess HA, Kleinman A, Kusek JW, Engel LW. (2002): The science of the placebo: toward an interdisciplinary research agenda. London: BMJ Publishing, 2002.
قدم هذا البحث في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر العلاج بالقرآن بين الدين والطب بأبو ظبي في الفترة من 10-12 أبريل 2007 ميلادية.
ويتبع>>>>>> : القرآن يتحدى مشاركة
واقرأ أيضًا:
النشرة اليومية: د. وائل أبو هندي / مؤتمر العلاج بالقرآن بين الدين والطب / توصيات مؤتمر العلاج بالقرآن بين الدين والطب