مدونات مجانين: (4) رجس من عمل الشيطان
كثيرة هي الوعود التي أصبحت أعد بها قراء مجانين ثم لا أوفيها لهم أو لا أوفيها حقها...... ولن أشتكي فالشكوى لغير الله لا تجدي ولم تعد تريحني.... ربما لأن الله أنعم علي بفضلٍ من عنده....
وأهم وعد كنت وعدت به في ما أذكرُ هو الإجابة على سؤال: منذُ متى وأنا إسلاميُّ الهم؟... وكان المفترضُ أن أجيب منذُ مدةٍ لتظهر الإجابة على أخبار وتقارير مجانين -التي غيرنا تسميتها إلى مدونات مجانين- يوم السبت الثالث من ديسمبر... ودون تفاصيل لأنني أصلا مشحون بما كان وشغلني وهو أصلا كبير العلاقة بالإجابة على السؤال الأهم: منذُ متى وأنا إسلاميُّ الهم؟، فقد كنت في آخر مدونة لي ظهرت من هذه السلسلة قد وعدت بأن أجيب في المدونة القادمة فهل أجيب؟
كانت مَهْزلة الانتخابات المصرية دائرةً وأنا معها مشغولٌ وعن ابن عبد الله المسافر مفصول، لكن تلك المهزلة أشعلت داخلي كثيرا وأنا أتابع الأخبار وأحادثُ الناس لأعرف أين هم من حولي ونحن أمام صعود نجم الإسلاميين في الانتخابات، وأنا بذلك أؤخذ بتذكاراتي لكثير مما دارت حوله سنوات من العمر مع الجماعة الأدبية واصطدامنا كجماعة بالإسلاميين في أواسط الثمانينات من القرن الماضي، هل هناك الآن غيرنا من أهل السياسة من يعيشون نفس ما عشناه نحن أيام الجماعة الأدبية ويوجعهم ما كان يوجعنا؟
أحسب أن الإسلاميين اليوم معظمهم ومن أعرف من جماعة الإخوان المسلمين أكثر نضجا بكثير من النموذج الذي قدمته لنا أو قدمه لنا الرعيل الأول من الشباب الجامعي منهم متمثلا في نموذج أسرة الفجر....منذ ربع قرن، وأحسب أن حسن تصرفهم وحسن تفهمهم للآخر لم يعد موضع جدال رغم ادعاء من يقفون الآن موقف أعضاء الجماعة الأدبية منذ ربع قرن!..... وهم الآن ما شاء الله حكومات وجيوشٌ حقيقية وإليكترونية.... أخاف أقول في كل مكان ومن كل مكان، كلهم ضد الإسلاميين الآن رغم أنهم تغيروا كثيرا.. فهل هذا الرأي من جانبي في حد ذاته مبررٌ فقط بأنني أنا نفسي أصبحت إسلامي الهم؟
الحقيقة أن كم الاحتقار الذي خلفته لدي الانبطاحات المتكورة والاستعباطات المتكررة للحكومات المصرية المتعاقبة منذ أيام الجماعة الأدبية... ومواقفها المخزية الممتدة من تلك الأيام إلى اليوم.... كم الاحتقار كان كبيرا حتى جثم على صدري اليأس السياسي ولم أكن أتحرك إلا حين يكون ممكنا أن أقول لا لمنكسي رايات أمتي، ومبرري الانبطاح للنعل الأبيض.... لكن المشهد في انتخابات مصر 2005 كان مختلفا....
لذلك تحركت هذه المرة وقد تحررت ككثيرين غيري من الخوف من الحكومة التي...... كنت أظنها.... مضطرة لإخفاء عوراتها خصوصا ونحن في عصر الحريات!!!، فأنا الآن أجاهر بأنني أناصر الشعار الذي كان يوما ما مادة لسخريتي أنا وزملائي في الجماعة الأدبية منذ ربع قرن عندما هزمنا ذلك الشعار في الانتخابات، كذلك تحررت ككثيرين غيري من الخوف من الإسلاميين، -وإن لم أتحرر من القلق عليهم- كنتُ ولا أخفي عليكم سعيدا للغاية بخيبة الحكومة وحزبها الحاكم وسعيدا لأن الناس لم تخدعهم دعاية الحكومة المحلية ولا آلات الدعاية العالمية التي تشوه الإسلاميين تشويها منظما ومستمرا.. الناس لم ينخدعوا وكلهم ينتخبون الإسلاميين حتى والله مسيحيين أعرفهم..... لكنني في نفس الوقت أحمل بعض الخوف على الإسلاميين، وبعض القلق من أن يفشلوا بحسن نية.... لأنني ما أزال أرى أننا نحتاج إلى مناهج لإدارة نهضة هذه الأمة لا نمتلك كثيرا منها مناسبا ومتماشيا مع ما نحيا ولهذا سأخصص إن شاء الله مدونة... هذا وعد وقولوا يا رب أوفيه لكم وأوفيه حقه.
في الجولة الأولى من المرحلة الثالثة من مهزلة الانتخابات المصرية 2005 بصدقٍ وعلى الهواء ودون فواصل........ ذهبت في الجولة الأولى بعد العودة من اجتماع مستشاري القسم الاجتماعي في إسلام أون لاين يوم الخميس الأول من ديسمبر وكان مقر اللجنة التي أدرج بها اسمي هو مدرسة طلعت حرب الثانوية التجارية بالزقازيق... شيء خيال يا ناس... قاضي وستار وصندوق وحبر فسفوري والنتيجة حصل مرشح الإخوان المسلمين على 21 ألف صوت... لكنه للأسف سيعيد أمام من حصل على ثمانية آلاف صوت، ورائحة الحكومة الطبيعية تفوح رغم أننا كدنا نصدق أنها قررت الاغتسال.. تفوح في لجان أخرى غير التي انتخبت بها فقد حدث ضرب للقنابل المسيلة للدموع وحدثت بلطجة وسمعنا عن لجان أغلقت في محافظات أخرى من بدء التمثيلية الانتخابية وحتى آخرها.... لكن المهم صبرت وعقدت العزم على تكرار الانتخاب وأعرف أن الجميع مثلي أصروا.
وكانت الإعادة يوم الأربعاء السابع من ديسمبر 2005 وتوقعت أن أجد نوعا من المضايقة، والشهادة لله لم أجد... لكنني كنت قد هاتفت ابن عبد الله وعرفت أنه سيتأخر في الوصول إلى الزقازيق وكان علي أن أصل مجانين العيادة لأنني نسيت البطاقة الانتخابية بها يوم الثلاثاء ولم أذكر أن آخذها ليلة الأربعاء المهم أنني بعد أن انتخبت اتخذت الطريق إلى كلية الطب فإذا بالشارع أمامي تسده حوائط من البشر السود اللباس تفصلهم عصيٌ وتتقدم صدورهم واقيات من البلاستيك الميت، هكذا كان الوضع عند لجنة مدرسة عبد العزيز علي الابتدائية.... وكانت الشوارع المؤدية إلى المدرسة المجاورة لأحد أقسام الشرطة أصلا كلها كانت مغلقة بنفس الشكل، فالمدرسة إذن محاطة كلها بالعساكر السود...
هذا إذن ما سمعنا أنه حدث في بعض الدوائر في الجولة الأولى من المرحلة الثالثة، إذن نجرب وضعت إصبعي المحمر بالحبر الفوسفوري في جيبي وتقدمت من الضابط سائلا أريد العبور من طابور العساكر هذا "الكردون"، فقال لي ابحث عن شارع جانبي "تخريمة" من فضلك، شجعني ذلك الأدب غير المعتاد من الضباط أثناء تأدية مهامهم الرسمية فسألته وإذا كنت أريد أن، فتغيرت سحنته قليلا ثم تمالك نفسه وقال: القاضي لم يأذن بعد..... وسمعت دعاء الواقفين على من يمنعهم من الإدلاء بأصواتهم، ثم نفس الكلام سمعته -أو غيره من الحجج الواهية- كرد من ضباط آخرين في لجان أخرى في الزقازيق وغيرها من مدن المحافظة نفس الكلام سمعته عندما قابلت زملائي وأساتذتي وتلاميذي في المستشفى الجامعي.... إذن فاللجان ستغلق أمام المرشحين كما سمعنا ثم تفعل الحكومة ما تشاء، لا إله إلا الله اللهم أظهر الحق حتى وإن كنا لا نستحق، اللهم أهلك الظالمين بالظالمين.
إذن فلجنة طلعت حرب التي لم تعطي أصواتا كثيرة للإسلاميين في الجولة الأولى تركت ليصورها التليفزيون المصري فقط، وهي ليست مصدر خطر على الحكومة، وشعرت بكثير من الضيق، ولكن أكملت عملي وصاحبت ابن عبد الله إلى القطار، وألح عليَّ أن أكتب لمجانين وودعته وأخذت أبحث عن عدد اليوم الأربعاء 7/12/2005من الدستور عند باعة الجرائد في طريقي من محطة القطار إلى مجانين العيادة، ولم أرها عند أيهم لكنني لم أسأل. وعندما وصلت العيادة ودخلت حجرتي طلبت من سكرتيرتي أن تشتري لي الدستور وقابلت رزقي من مرضى الظهيرة وفيما بينهم سألت عن الدستور فقالت: غير موجودة يقولون أن بعض الناس جمعتها من الأسواق، ثم أخبرتني أنها شاهدت عساكر في شارع العيادة خلف مديرية الأمن يخلعون ملابسهم العسكرية ويلبسون ثيابا مدنية وبعضهم يحمل العصي ويمضى فأين يذهبون هل لانتخاب المرشح الذي تريده الحكومة؟ أم لضرب أو تخويف منتخبي غيره?، وكانت الإجابة في ما حكته ابنتنا نانسي وما حصلت عليه من صور لما جرى في لجنة مدرسة الناصرية وعرضناه على مجانين تحت اسم اغتيال الحرية ....
كانت الإجابة واضحة ربما ولكن سبحان الله فالحكومة تقول أن العنف الحادث في الانتخابات يفعله الإسلاميون، والحكومة تقول أن الحزب الوطني الذي أمعن فشلا في المرحلتين الأولى والثانية قد تدارك أخطاءه في المرحلة الثالثة ولذلك ينجح مرشحوه، وأرجو أن تلاحظوا أن الحزب الوطني هو أكثر حزب دخل انتخابات في تاريخ مصر، أي أكثرهم خبرة بالانتخابات بالقطع، لكنه أخطأ وتدارك خطأه سبحان الله... المهم أن الحكومة لم تستكمل مداراة عوراتها وأحسب أننا مقبلون على كثير من افتضاح العورات، وأخاف على الناس... ربنا هو الستار،.............. وأعود إلى السؤال: منذُ متى وأنا إسلاميُّ الهم؟ ويا رب أجيب في المدونة القادمة إن أحيانا الله.
واقرأ أيضا:
التدخين والكافيين ورمضان / مقعد في الدرجة الأولى مطار القاهرة