تشمل عملية التحاس (التحويل الحسي Sensory Transduction ) تحويل المنبه الذي يثير المستقبلة الحسية إلى إشارة كهربية يمكن نقلها عبر الجهاز العصبي، وهذه العملية يقوم بها الجهاز الحسي كله وتشمل إما عمليات كيميائية كما نجد في الشبكية واللسان والظهارة الشمية Olfactory Epithelium ، أو عمليات ميكانيكية كما نجد في القوقعة والجهاز الحسي الجسدي، وإن كانت الأساليب المختلفة للتحاس أكثر تميزا في الحواس الخاصة اي السمع والبصر والشم والتذوق، وهي عمليات التحاس التي نحاول إعطاء فكرة عنها في هذا المقال، بعدما تكلمنا عن عمليات التحاس في المستقبلات الحسية الجسدية، ومستقبلات الأذى والحرارة والتذوق، في مقالنا عن الجهاز الحسي الجسدي كما سنخصص مقالا عن المستقبلات الحسية المحيطية كالمغزل العضلي Muscle Spindle وعضوَ جولجي الوتري Golgi Tendon Organ، الموجودين في العضلاتِ وأوتارها بالترتيب كنموذج على التحاس في المستقبلات الحسية المحيطية، والمغزل العضلي مهمٌ بشكل خاص في ابتداء منعكس الشد البسيط Simple Stretch Reflex وهو محورُ آلية نفضات الأوتار في الفحص الإكلينيكي للجهاز العصبي.
التحاس (التحويل الحسي) الضوئي Phototransduction:
هو العملية التي تتحول بواسطتها الطاقة الضوئية على هيئة فوتونات إلى طاقة كهربية في صورة تغيرات في الجهد الكهربي في المستقبلات البصرية (النبابيت RRods والمخاريط Cones) في شَبَكِيَّة العين Retina.
تُلْتَقَطُ الفوتونات في الصبغات الموجودة في القطعة الخارجية من مستقبلات الضوء، وينتِجُ ذلك عملية تضخيم Amplification حسيّ تستخدم cGMP أو الجوانويسن أحادي الفوسفات الحلقي Cyclic Guanosine Monophosphate كمرسال ثانوي، وهو ما يؤدي إلى نقص تركيز الجوانويسن أحادي الفوسفات الحلقي داخل المستقبلة مما يتسبب في إغلاق القنوات التي تسمح بدخول أيونات الصوديوم والكالسيوم أثناء الظلام، ويسببُ إغلاق تلك القنوات حالةً مُدَرَّجَةَ الشدة من فرط الاستقطاب في المستقبلة، ويؤدي فرط الاستقطاب إلى تقليلِ تحرير الناقل العصبي الجلوتاميت والذي يعمل على الخلايا ثنائية القطب Bipolar Cells والخلايا الأفقية Horizontal Cells.
وإنهاء استجابة المستقبلات الضوئية للضوء هو عملية متعددة العوامل، لكنّ تغيّرات تركيز الكالسيوم الجواني(داخل الخلوي) تبدو العامل الأهم، فنقص الكالسيوم الجواني الناتج عن إغلاق قناة الكاتيونات وعن مضخة الكالسيوم غير الحساسة للضوء في القطعة الخارجية، هذا النقص مهمٌ في إنهاء استجابة مستقبلات الضوء، وهو مهم أيضا كوسيط في التلاؤم للضوء (أو الخلفية).
وهناك عددٌ من الحالات الوراثية النادرة من عمى الألوان Colour Blindness ربطت حديثا بنقائص معينة في مسارات التحاس الضوئي.
التحاس (التحويل الحسي) الشمي Olfactory Transduction:
وهو أيضا عملية كيميائية، وخلايا المستقبلات الشمية هي عصبونات ثنائية القطب Bipolar Neurones يتكون كل منها من تغصن ومحوار، وعلى التغصن كنب تغصني (أو كعبرة) Dendritic Knob توجد عليه الأهداب Cilia، وأما المحوار فيسقَطُ في العصب الشمي إلى البصلة الشمية Olfactory Bulb على السطح السفلي للفص الجبهي من المخ، ووجود الأهداب التي تحوي المستقبلات الشمية يزيد المساحة السطحية للظهارة الشمية، وبالتالي تزيد احتمالية التقاط الجزيئات ذات الرائحة بالأهداب الشمية، وهو ما يؤدي إلى تنشيط بروتين جي المرتبط بالمستقبلة الشمية G–protein associated with olfactory receptors (Golf)، والذي ينشط الإنزيم مُحَلِّق الأدينيل III Adenylate Cyclase Type III الذي يُحَلْمِهُ الأدينوسين ثلاثي الفوسفات (ATP) إلى الأدينوسين أحادي الفوسفات الحلقي (cAMP)، ويرتبطُ الأخيرُ بقنواتٍ كاتيونية ويُنَشِّطُها فيسمح ذلك باندفاق أيونات الصوديوم والكالسيوم تبعا لميلهم الكيميائي حسب التركيز، ويسببُ هذا حالةً جزئيةً من إزالة الاستقطاب، كما يُسَبِّبُ تنشيط قنوات الكلور المعتمدة على الكالسيوم، وبالتالي يحدث خروجٌ للكلور مما يزيد من حالةِ إزالة استقطابِ المستقبلة الشمية، -وقد تكونُ هناك عمليات تحاس أخرى في المستقبلات الشمية تستخدم الإنوسيتول ثلاثي الفوسفات InostolTriphosphate كمرسال ثانوي-. ويؤدي هذا إلى توليد جهد فعل في جسد الخلية ينتقل عبر المحاوير المشكلة للعصب الشمي ليصل إلى البصلة الشمية. واندفاق الكالسيوم مهمٌ أيضا في عملية التلاؤم بإعادة تكييف الاستجابة التحاسية.
التحاس (التحويل الحسي) السمعي Auditory Transduction:
وعلى غير ما يحدث في التحاس الضوئي والشمي فإن التحاسَّ السمعي في الأذن الداخلية يشمل عملية إزاحة ميكانيكية للأهداب الساكنة على الخلايا المُشَعَّرةHair Cells في القوقعة.
ويسبب المنبه الحسي، وهو موجة صوتية Sound Wave، يسبب إزاحة النتوء القدمي الركابي Stapedial Foot Process في النافذة البيضوية Oval Window ويولد ذلك موجات في السقالة الدهليزية والطبلية Scala Vestibuli & Tympani المملوءتين باللمف المحيطي Perilymph في القوقعة، ويؤدي هذا إلى إزاحة الغشاء القاعدي Basilar Membrane الذي يقع تحت الخلايا المُشَعَّرَة في العضو الحلزوني Organ of Corti، وتقوم هذه الخلايا بالتحويل الحسي لموجات الصوت إلى استجاباتٍ كهربيةٍ عبر عملية تحاس ميكانيكي، والأهداب الساكنة Steriocilia في النهاية القمِّية للخلايا المشعرة ترتبط من أطرافها بوصلات طرفية Tip Links، وهذه الوصلات ترتبط بقنوات أيونية.
ويتسببُ الصوت في إزاحةِ الأهداب الساكنة في اتجاهِ أكبرها (الهدب المُحَرَّك Kinocilium) وهو ما يخلق توترا في الوصلات الطرفية يسْحَبُ ويفتح القنوات الأيونية، وتسمحُ هذه القناة الأيونية للبوتاسيوم وللكالسيوم (وليس الصوديوم لأن اللمفَ الداخليَّ Endolymph داخل السقالة الوسطى Scala Media غني بالبوتاسيوم وفقير في الصوديوم) بالدخول داخل الخلايا المُشَعَّرَة فيزيل استقطابها بالتالي، وتؤدي إزالة الاستقطاب إلى تحرير ناقل عصبي عند قاعدةِ الخلية المُشَعَّرة فينشط الألياف الواردة للعصب القوقعي Choclear Nerve.
وتُجَابِهُ الإزاحةُ المستمرَّةُ للأهدابِ الساكنةِ استجابةً للصوت بعمليةِ تلاؤم بإعادة وضع القنوات الأيونية لتغلقَ استجابةً للتوتر الشديد في الوصلات الطرفية، ويتحقَّقُ ذلك من خلال اندفاق الكالسيوم عبر قنوات التحاس الأيونية.
وقد عُرِفَ الآن أن بعض متلازماتِ الصَّمَم الخلقي Congenital Deafness ناتجة عن شذوذات في الميوسين الموجود في الخلايا المشعرة.
المراجع:
Roger Barker, Stephen Barasi & Michael J. Neal (2003) : Neuroscience at a Glance. Paperback
واقرأ أيضاً:
الإمداد الدموي للجهاز العصبي / تنظيم القشرة المخية / المجموع الحسي المستقبلات والمسارات الحسية