الوباء سواء كان كورونا أو غيره يتكون من بعدين:
انتشار الفيروس.
انتشار الخوف.
انتشار الفيروس يتم السيطرة عليه باتباع تعليمات صحية ومع وباء كورونا لا يوجد أهم من التباعد الاجتماعي Social Distancing. أما انتشار الخوف فأمره أشد بكثير، والتعليمات الصحية بحد ذاتها لا تكفي للحد من انتشاره. هناك المواقع الاجتماعية التي لا تثبت سوى أخبار الرعب حول هول الفيروس. هناك النشرات الإخبارية التي تتحدث عن أرقام الضحايا والمصابين. الشائعات لا نهاية لها وإن حدث أن أصاب الفيروس شخصاً تعرفه فإن الخوف والرعب يتضاعفان.
الفيروس لا يمكن الاستهانة به وهو ليس مجرد إنفلونزا موسمية كما يدعي بعض الجهلاء٬ وإنما جائحة وتجربة جديدة على السكان في يومنا هذا. في نفس الوقت ما لا يقل عن ٨٠٪ من الإصابات طفيفة أو بدون أعراض. بدأ منحنى الإصابات يتوجه نحو الأسفل٬ وهناك أكثر من بصيص من الأمل في علاج ولقاح.
سارع الكثير للحديث عن ارتفاع نسبة الاكتئاب بسبب الحجر الصحي. الحقيقة أن معظم هذه الدراسات هزيلة وتستند على اتصال هاتفي عشوائي بالسكان والاستفسار إن كان يشعر بالكآبة. حتى هذه الدراسات الهزيلة تقول بأن ٤٠٪ من السكان تحدثوا عن الشعور بالكآبة في الأسبوع الأول، وانخفض الرقم إلى ٢٠٪ في الأسبوع الثالث. على ضوء ذلك لا يمكن الحديث عن رفع الحجر الصحي للوقاية من القلق والاكتئاب كما يستهدف الكثير.
رغم ذلك هناك احتمال ارتفاع نسبة الاضطرابات الوجدانية بعد انتهاء الوباء والحجر الصحي.
متلازمة ما بعد العناية المركزة PICS) Post Intensive Care Syndrome)
هناك أولا المريض الذي احتاج علاجه الدخول إلى العناية المركزة. من مضاعفات العلاج في العناية المركزة:
١- العجز المعرفي وقد يكون مساره طويلاً لعدة أعوام.
٢- القلق والاكتئاب.
٣- اضطراب كرب ما بعد الصدمة Post Traumatic Stress Disorder .
متلازمة ما بعد العناية المركزة Post-Intensive Care Syndrome تشمل العجز المعرفي٬ أعراض قلق واكتئاب، ويضاف إليها كذلك الضعف العضلي. الضعف العضلي يتناسب طردياً مع بقاء المريض في العناية المركزة لفترة أكثر من أسبوع والمصابين بالإنتان Sepsis. أرقام الدراسات المختلفة تشير إلى أن نسبة الإصابات لا تقل عن ٣٠٪ وقد تكون أعلى من ٥٠٪.
كذلك الإصابة بالفيروس والدخول إلى المستشفى بحد ذاته حدث حياتي وتجربة قاسية٬ وليس من النادر أن تظهر أعراض اكتئاب جسيم بعد فترة ٣- ٦ أشهر من نهاية الأزمة الطبية.
الحجر الصحي
الحجر الصحي له مشاكله وليس من الصعوبة معرفة آثاره السلبية. هناك مفهوم التعبير عن العواطف السلبية من إنسان إلى آخر وتسمى التعبيرات العاطفية Expressed Emotions. التعبير عن العواطف السلبية يرتفع مع زيادة احتكاك الإنسان بآخر، وهذا ما يحدث مع الحجر الصحي. بسبب ذلك تظهر أعراض التنافر العاطفي٬ العصبية٬ السلوكيات السلبية٬ والعنف المنزلي. هناك أيضاً الظروف الاقتصادية الجديدة بسبب قلة العمل واحتمال الركود الاقتصادي. هذه العوامل قد تنتهي مع رفع الحجر الصحي ولكنها أيضاً قد تؤدي إلى ظهور أعراض الاكتئاب الجسيم بعد ثلاثة – ستة أشهر.
احتمال انتكاسة المريض المصاب باضطراب ذهاني يرتفع مع الحجر الصحي بسبب التعبيرات العاطفية وليس من النادر أن يتحول قلق الإصابة بفيروس كورنا إلى وهام يحتاج بحد ذاته إلى علاج.
انتباه القطاع الطبي والتمريضي إلى تأثير العلاج في العناية المركزة على الصحة العقلية في غاية الأهمية. الحجر الصحي بحد ذاته لا يمنع أي إنسان من الاتصال الهاتفي وعبر الإنترنت مع الأصحاب والأصدقاء. الأهم من ذلك الانتباه إلى تجنب الاستماع إلى الشائعات وعدم نشرها.
واقرأ أيضاً:
البكاء والصحة العقلية / اضطراب الاكتناز والوسواس القهري