إن الارتباط بالله سبحانه جل شأنه والصلة به واستحضار تأييده والتوكل عليه قد يتضمنه تكوين معنى شخصي ذي طابع ثقافي وديني يجعل البعض يلمح إشارة أو رمزية في موقف أنها رسالة من الله ليقدم أو يحجم عن أمر ما أو يتفاءل أو يتشاءم ويتطير من أن يفعل شيء، أو ينشغل تفكيره ويتمنى شيء معين فيقع في منامه ما يرمز له فيظل متعلقا بهذا المنام منتظرا أن يحدث شيء ما في وقت ما فيعيد تفسير المنام وما رآه أو يسترجع الإشارة التي رآها ليفسر بها موقفا ما. فهل يعطينا الله رسائل غامضة ونفسرها في حينها أو بعدها بعقولنا؟ وهل هذا يفيدنا أم يمكن أن يعطلنا؟ وهل هذا يتسق مع فلسفة الأخذ بالأسباب والتوكل على الله؟ أم يمكن أن يتوافق معه؟
في الحقيقة الأمر شائك أن نخوض في هذه المسألة ويحتاج لمختصين من علماء الدين ليدلوا بدلوهم مع علماء نفس نوابغ في مجالهم وثقافتهم، لكن سأتحدث عن ملمح مما أود أن أشير إليه وهو أنه يمكن أن نلاحظ تعلق الإنسان بالبحث عن إشارات للأمان (منام – رمزية موقف – حدث غامض يمكن تفسيره بالصدفة القدرية أو غيرها...) فيركز انتباهه ويثبت ذاكرته ويلمح ما لا يسهل على آخرين في نفس موقفه ملاحظته.
ربما يرجع هذا إلى شخص يتسم بالقلق ويدرك ضعفه ويأمل أن يجد إشارات تؤيد سعيه أو إشارات ليتوقف عن فعل كي لا يبذل جهدا فيضيع هباء، كذلك طبيعة الإنسان أنه يبحث عن تفسير ومعنى في حال الإخفاق فيفسر الأمر جملة أنها كانت إشارة من الله، فهذا المعنى مريح وفي نفس الوقت قد يخشى من أن يكون إنسانا غير صالح كونه لم يفهم إشارة الله في حينها.
في الحقيقة ربما يكون هذا أمر يحتاج إلى ضبط في الثقافة السائدة بين المتدينين مأخوذ من ثقافة إسلامية بتعميم وبتوسع أكثر من اللازم، فمثلا :
- عندما ترى المرأة مناما وتجد فيه غموضا فتبدأ مخاوفها تدفعها لتفسير هذا الأمر، فإن وجدت له تفسيرا ربما ترتاح قليلا وتنتظر حدوثه وإن لم تجد له تفسيرا يظل عالقا في ذهنها إلى أن يحدث أمر ما في الحياة يناسب هذا المنام فتذكر أنها سبق وأن رأت ما حدث في منام مضمونه كذا وكذا.
- شاب تقدم لفتاة فانطفأ النور في بيت العروس فيرى أنها إشارة من الله ليكون هذا الأمر بعيدا "يتطير" بينما آخر يصر على أنه فعل الشيطان وأنه لن يستسلم لفعل الشيطان وسيكمل الأمر.
- باحثة تسقط أوراقها وهي في طريق التقديم للكلية فتكمل التقديم وتظل تبحث عن تفسير لذلك وعند أول إخفاق أو تحد، يتجدد لديها أنها كانت رسالة وتتزايد توقعات الفشل مرتبطة بسقوط الأوراق.
- إحساس بالانقباض عند الإقدام أو التواجد في مكان ما أو رؤية شخص ما ويبدأ التفكير في كيف يتخلص من هذا الإحساس.
- وقد يحدث موقفا فيتفاءل الشخص وينتظر ما يتمناه أو يتجدد سعيه للعمل.
هذه أمور مرتبطة بمحتوى تفكير الشخص القلق ذي الخلفية الدينية وربما تعطلنا وتشغلنا عما نحن بصدد فعله ومواجهته من مواقف أو مشكلات وقد تبعد وجهتنا عن تفسيرات أخرى للأمور، خاصة وأن الغيب بيد الله وليس لدينا وحي، ولا أظن أن الاعتماد على هذه الإشارات مطلق ومباح في كل شيء، على طريقة "فليقل خيرا أو ليصمت" وبالتالي فليفكر خيرا أو لا يفتي ويفسر رمزيات المواقف بطريقته..
واقرأ أيضًا:
القياس النفسي الإكلينيكي الإيجابي / مفهوم العلاج النفسي الإيجابي:2