في حادث الإسماعيلية الأخير تعجّب كثير من الناس، كيف للقاتل أن يتم جريمته في وضح النار فيطعن القتيل طعنات عديدة ويتتبعه بعد أن أفلت منه ويفصل رأسه عن جسده ويمشي به في الشارع والناس واقفون يتفرجون ؟؟!!! وهذه ليست المرة الأولى، فقد اغتصبت فتاة في حي العتبة الشهير منذ سنوات في وضح النهار أمام جمع من الناس وقفوا يتفرجون دون تدخل حتى انتهى المغتصبون وانصرفوا!!!
هذه الأحداث ليس لها تبرير، ولكن لها تفسير، خاصة في مجتمع كان معروف عنه النجدة والمروءة والشهامة والشجاعة.
التفسير الأول هو سيكولوجية الصدمة، حيث يفاجأ الناس بالحدث فيقفون مشدوهين لعدة دقائق تكون الجريمة قد ارتكبت، فهناك وقت لازم لتكوين رد الفعل، في هذا الوقت يكون الشخص في حالة ذهول ولا يتحرك إلا بعد أن يفيق من هذا الذهول ويبدأ في التفكير واتخاذ القرار.
التفسير الثاني هو سيكولوجية المتفرج، حيث اعتاد الناس أن يتفرجوا على مسلسلات وأفلام الأكشن، ومن هنا اكتسبوا صفة التفرج دون فعل أو تدخل، فإذا حدث شيء مفاجئ في الواقع فإنهم يمارسون عادة الفرجة السلبية التي اعتادوها، وحتى حين ينتبهوا بعد لحظات للفرق بين الواقع والخيال، ينتظر كل منهم من الآخر أو الآخرين أن يتدخلوا خاصة حين يكون التدخل خطرا، وهذا يؤخر تدخل الجميع .
التفسير الثالث هو سيكولوجية الصورة أو اللقطة، حيث أصبح لدى الناس هوسا في التقاط صورة للحدث بهدف تشييرها ومشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي وتحقيق سبق إعلامي يفخر به صاحب اللقطة أكثر مما يفخر بتدخله في الحدث.
التفسير الرابع هو سيكولوجية "أنا مالي"، حيث يخشى المشاهد للحدث أن يتدخل فيصيبه أذى، أو يصبح مشاركا في القضية ويدخل في مشكلات لا يتحمل نتائجها فينأى بنفسه عن كل هذا.
وبناءا على هذه الاعتبارات، لم تعد الدول تعتمد على التدخلات الشعبية لوقف الجرائم، وإنما تضع كاميرات المراقبة في كل مكان، وحين ترصد الحدث تتحرك مجموعات تدخل أمني سريع لتطويقه والسيطرة عليه من خلال أفراد تدربوا على رد الفعل السريع. وهذا لا يعني تشجيع الناس على السلبية والجبن، بل نحتاج دائما لمساعدة الجمهور في وقف الجريمة، والتدخل السريع خاصة حين يكونون حاضرين في التو واللحظة، ولكن نضع في الاعتبار العوامل التي ذكرناها ونهتم بآليات التدخل المهني السريع المدرب على رد الفعل الفوري المتحرر من الصدمة والفرجة والصورة والأنا مالي.
واقرأ أيضاً:
فقه الأزمات وإصلاح النفوس / الخوف وتأثيره في سلوك الناس