قبل الإسلام في القرن السابع ميلاديًّا كان زواج الأقارب من نفس القبيلة هو الزواج المفضل عند العرب، وإذا تعذر هذا كان هناك زواج مختلط مع القبائل المجاورة أو من أسيرات الحروب القبلية.
وكان زواج العربية من أجنبي غير مستحب؛ لأنه يوحي بأن العربي أقل شأنًا من الأجنبي وارتبط أساسًا بهزيمة العرب من الأجانب في الحروب، كما جرت العادة بإعطاء النساء والغنائم للمنتصر؛ ولذلك فإن قصص الحب بين العربيات والأجانب مجهولة ومهمشة في التاريخ العربي عمدًا، وليس هذا انعكاسًا لنظرة عربية عنصرية للأجنبي، والدليل على هذا أن العرب أنفسهم تزوجوا من جميع الجنسيات والأديان، لكنه انعكاس لقيم المجتمع الذكوري الطبقي الأبوي في العديد من المجتمعات التي رأت في زواج بناتها من رجال أجانب شبه إهانة لسمعة رجالها، وقد حظر الإسلام زواج المسلمة من غير المسلم وقصر زواج المسلمين على الكتابيات فقط.
نعم للرجل.. لا للمرأة
والثقافة العربية تتفهم وتتسامح مع زواج الرجل العربي من غربية بغرض تسهيل الهجرة حتى لو كانت زوجته الغربية سمعتها ليست فوق مستوى الشبهات، بينما لا تستسيغ الثقافة العربية بعد ولا تبلع بسهولة زواج العربية من غربي.
الغالبية.. مسلمات
وليس صحيحًا –كما يعتقد البعض- أن أغلب العربيات اللاتي يتزوجن من رجال غربيين هن مسيحيات بسبب غياب القيود والعوائق الدينية في هذه الحالة؛ فهناك دراسات تشير إلى أن 75% من العربيات اللاتي يتزوجن غربيين مسلمات.
وفي دراسة لها عن زواج المصرية من الغربي أشارت الدكتورة إلهام عفيفي إلى زواج المصريات من أوروبيين، وجاء في دراستها أن نسبة زواج المرأة المصرية من الأمريكي والفرنسي قد وصلت إلى 20% منهن حوالي 15% مسلمات وقد أسلم أزواجهن، والـ5% الباقية لم تصادفهن مشكلة الدين؛ لأنهن مسيحيات وأزواجهن مسيحيون، ولم تتعرض هذه الدراسة لكيفية تكيف المرأة المصرية مع الأجنبي الأوروبي.
العادات مختلفة
وتقول (هـ. م): لم يدم زواجي من "مايكل" سويسري الجنسية سوى عام واحد.. فالحياة الأوروبية كانت دائمًا مبهرة لي، وكم تمنيت أن أرتبط بزوج أوروبي يخلصني من تلك العادات والتقاليد البالية التي تعاني منها الفتاة في المجتمعات الشرقية.. وحدث هذا وتحقق الحلم عندما تعرفت بـ"مايكل" أثناء دراستي بكلية الآداب قسم اللغة العربية وكان هو طالبا معي.. فنشأت بيننا قصة حب استمرت حوالي عامين، وعندما علم أهلي رفضوا رفضًا قاطعًا.. وحاولوا منعي من الذهاب للجامعة.. ولكي يتخلص (مايكل) من كلام القيل والقال أعلن إسلامه خاصة أنه لم يكن له أي ديانة، وتقدم لوالدي، وقدم له كل المغريات التي جعلت أسرتي توافق عليه.
وتمت الخطبة وبعد انتهائنا من الدراسة بالكلية تزوجنا وسافرنا لسويسرا حيث الحلم، لأجد نفسي في بلد غريب وعادات وتقاليد أغرب.. وفوجئت بزوجي يتخلى عن كل تقاليد وتعاليم ديننا الإسلامي حتى في طريقة معاشرته الزوجية لي وتحولت حياتي إلى جحيم، خاصة بعد أن فوجئت بأن له حياته الاستقلالية وصديقاته اللاتي كن يترددن على منزلنا.
وكانت النهاية عندما شاهدته بعيني وهو يخونني مع إحدى صديقاته "السويسريات"، وعندما سألته قال لي بأن هذا شيء عادي في مجتمعنا، وإذا كانت لي رغبة في صديق له.. أفعل ذلك بدون تردد، وعلى الفور طلبت منه الطلاق وعدت إلى أهلي.. بعد أن صُدمت فيمن أحببت والحياة الأوروبية التي كنت دائمًا أحلم بها.
الفرنسي يكسب
على عكس ما سبق تقول (ز. ع) –34 سنة- بحكم عملي في مجال البحث الاجتماعي، كنت أسافر كثيرًا.. وفي إحدى زياراتي لفرنسا تعرفت على شاب فرنسي يكبرني بحوالي عامين تكلمنا كثيرًا، ونشأت بيننا صداقة عميقة استمرت حوالي عامين.. حتى بعد أن عدت للقاهرة لم تنقطع مكالماتنا التليفونية ومراسلتنا بالخطابات.
ووجهت له الدعوة لزيارة القاهرة وقبل مغادرته مصر بيوم واحد فوجئت به يطلبني للزواج، وكانت مفاجأة كبيرة لي، ولكني طلبت مهلة للتفكير استمرت ما يقرب من عام، وطلبت منه ألا يراسلني حتى أكتب له.. وفكرت خلال هذا العام في مستقبلي معه، وعرضت الأمر على أسرتي فوجدت معارضة شديدة، ولكن لأن أبي رجل ديمقراطي فقد اعتبر هذا الأمر خاصًا بي ووجدت نفسي لا أستطيع الاستغناء عنه، وأخذت قراري بالموافقة أبلغته، فما كان منه إلا أن جاء للقاهرة وأتممنا الزواج.. الذي دخل عامه السابع بنجاح لم أكن أتخيله.
ولن أنكر فقد واجهتني مشكلة وما زالت موجودة.. عمله في فرنسا يستلزم وجوده هناك بصفة مستمرة.. وعملي يستلزم وجودي في بلدي فاستطعت أن أتكيف على عدم وجوده معي فترات طويلة من العام.. والرابط الوحيد بيننا المراسلات والتليفونات.. ولكن الفترة التي نقضيها معًا فهي شهر عسل جديد.
أما عن العادات والتقاليد فكل منا يحتفظ بعاداته وتقاليده ويحترم رغبات الآخر، ولم أحاول أنا أو هو أن يجذب الآخر نحو عاداته وتقاليده ومفاهيمه؛ فكل منا يتمتع باستقلالية كبيرة، وقد يكون ذلك مستهجنًا بالنسبة للعلاقات الزوجية الشرقية، وهذا سر استمرار حياتي الزوجية بنجاح ولا يؤرقني سوى عدم وجوده بجانبي، ولكني أقول لنفسي بأن الملل دائمًا ما يتسرب للحياة الزوجية بين الطرفين إذا لم يكن هناك أي نوع من أنواع التغيير، ولعل بعده عني كل هذه الفترات هو السبب في نجاح حياتنا الزوجية واستمرارها الآن.
الزنجي الأمريكي.. مشكلة
(ج. أ) فتقول: أنا فتاة متدينة ومستعدة للزواج من رجل مسلم أتفق معه على أمور الحياة والدين، وبصراحة لا رغبة لدي ولا أي ميل للزواج من شاب عربي، وإن اضطررت فسأفعل إن وجدت الإنسان المناسب جدًّا.. وأرغب كثيرًا في الزواج من شاب مسلم متدين غير عربي.. وأنا بالفعل على أعتاب خطبة من رجل زنجي أمريكي الأصل ومسلم ويتعلم العربية من أجل أن يتواصل معي وهو سعيد؛ لأنه سيتفق مع عربية مسلمة متدينة تملك الصفات التي يحلم بها في زوجة المستقبل.
ولكن ورغم ما نتفق عليه وما لا نتفق عليه فإن مَن حولي من أهلي وصديقاتي وأقاربي يعترضون على هذا الزواج والفكرة من أصلها.. أنا موقنة أن هناك اختلافًا في طبيعة الحياة والنشأة وغيرها، ولكن إذا أمكنني التأكد من دينه وحسن سلوكه، وأخلاقه عن طريق صديقات لي يعشن في أمريكا.. فلا أعرف إن كنت أوافق عليه أم لا.. فما زلت مترددة.. فصعوبة الأمر تكمن في أنه أمريكي زنجي، وفي مكان بعيد عن موطني.
الفشل.. ليس قاعدة
الدكتور محسن العرقان أستاذ علم النفس يرى أن زواج المرأة من رجل أجنبي ليس فيه أي تطابق بيئي أو اجتماعي أو ثقافي، بالإضافة لوجود اختلاف عقائدي كبير، ينتج عن ذلك وجود فجوة بين الطرفين تحدث خللاً شديدًا في العلاقة الزوجية والحياة الأسرية بينهما.. وأثر هذا الاختلاف ليس بالضرورة أن يظهر في السنة الأولى من الزواج، ولكن بعد سنوات.. وتبدأ المشكلة.. في أي أرض يقبل كل طرف أن يعيش؟ على أرض الوطن الأصلي أم على أرض الطرف الآخر؟ وهذا في حد ذاته يحدث جوًّا من المشاحنات وعدم الاستقرار.
وهناك جانب خاص أيضًا بالأبناء.. على أي أساس يتم تربية الأبناء؟ هل على أساس ومفاهيم وعادات الأم أم على نظام الزوج الأجنبي؟ وهذا يخلق جوًّا من الصراع في علاقة الوالدين ببعضهم البعض أو الأبناء إذا وجدوا.
وهناك قاعدة نقولها نحن علماء النفس والأطباء النفسيين: إن أكثر الناس عرضة للمرض العقلي من ينسلخ عن دينه ويتحول لدين آخر، ومن ينسلخ عن وطنه ويحاول أن يتمرد عليه بالهجرة، ومن يتزوج من غير وطنه!
ولكن هذا كلام ليس مطلقًا وإنما نسبي، ويجب أن نعترف بأن لكل قاعدة شواذ، والدليل أن هناك حالات ناجحة من زيجات تربط بين امرأة مصرية أو عربية ورجل أجنبي.. فبالتأكيد الطرفان لديهما استعداد للتكيف مع الوضع أو الطرف الآخر أينما كان سواء في أرضها أو على أرضه.
اقرأ أيضًا:
زواج الثقافات مشكلة أم حل؟ / زواج الثقافات: جدل الشمال والجنوب!