أكتب هذا المقال في وقت ينتهي فيه عام ويقبل فيه عام جديد، وينشغل الناس في العالم كله بالاحتفالات والمهرجانات والبالونات والمفرقعات في هذه اللحظات الفاصلة بين نهاية العام المنصرم وبداية العام الجديد، وينشغلون بتنبؤات الأبراج والأفلاك وأقوال العرافين والعرافات، وينسون المعنى الأعمق بين النهايات والبدايات.
فمنذ تكون الإنسان وهو جنين في بطن أمه وحتى يصل إلى الشيخوخة فإن الموت والحياة يتصارعان بداخله، حيث في كل لحظة يموت آلاف الخلايا وتولد آلاف الخلايا، فإذا كان في مرحلة الطفولة تزيد الخلايا المولودة على الخلايا الميتة، وفي وسط العمر يتوازن الإثنان، أما في الشيخوخة فتموت خلايا أكثر من التي تولد إيذانا بالاقتراب من الموت، وهذا قانون بيولوجي طبيعي يسري على كل البشر وتحكمه نشاطات جينية تحدد نسب الولادة ونسب الوفاة في خلايا الجسم.
ولكن نهايات الأيام والأسابيع والشهور والسنين وأيضا بداياتها تنبهنا إلى حلقات العمر، وتوقظ وعينا بالوقت، والذي هو بمثابة سوس ينخر في عمرنا إذا كان يمضي بلا فائدة أو إضافة خير للحياة، أما إذا كان الوقت مملوءا بأشياء ذات معنى ومتوجهة نحو الخير والنماء وعمران الأرض سعيا لوجه الله فإن كل لحظة من الوقت تضيف إلى العمر أعمارا مديدة ومضيئة.
وهذا ما يجب أن ينشغل به الإنسان، فلا يفكر إن كان العام القادم سيكون أفضل من العام المنصرم أو العكس، إذ ليس هناك عام أفضل أو أسوأ، ولكن هناك فعل أفضل أو أسوأ يملأ هذا العام أو ذاك، ولا تقاس الأفضلية بالمكاسب الدنيوية أو السلامة من المخاطر، إذ قد تكون المكاسب وبالا، وتكون الابتلاءات خيرا عظيما بقدر ماتقرب الإنسان من ربه ومن وظيفته الأساسية ومعنى وجوده أو تبعده.
وفي الحديث الشريف : "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله لخير, إذا أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإذا أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وليس ذلك إلا للمؤمن". وللأسف الشديد تضيع هذه المعاني للنهايات والبدايات تحت صخب الاحتفالات، وهرطقات النجوم والأفلاك والأبراج، ويعيش الناس في غفلة حتى تداهمهم النهاية الكبرى وهم في غفلة يلعبون.
كل عام وأنتم بخير
واقرأ أيضاً:
المخدرات فالضلالات فالقتل البشع / كيف يحافظ محمد صلاح على لياقته النفسية ؟