ما هو مسير ومصير فيروس كورونا سؤالٌ لا يسهل الجواب عليه ولكنه في نفس الوقت السؤال الوحيد الذي يسأله الجميع. ما نعلمه هو أن الجائحة التي لا تزال مستمرة في جميع أنحاء العالم تترك آثارا اقتصادية، اجتماعية، صحية، وتعليمية لا سابق لها. ما نعلمه أيضاً هو أن هناك سلالة بعد الأخرى تظهر كل ستة أشهر والسلالة الأخيرة المعروفة بسلالة أومايكرون أقل السلالات خبثاً وأسهلها انتشاراً ومقاومة للقاح.
ظهور فيروس كورونا المعرف علميا بـ Covid -19 دفع الجميع للتمعن في علم أهملته الغالبية وهو علم الوبائيات. هذا العلم ببساطة يهتم بما يلي:
١- التحري والعثور على الإصابات.
٢- نمو عدد الإصابات المتسارع Exponential Growth في المجتمع.
لا توجد تجربة سابقة مشابهة لهذه الجائحة في العصر الحديث، ولكن مع مرور الأيام الجميع يقبل الآن بأن سلوك هذا الفيروس يشبه إلى حد ما سلوك الجراثيم الأخرى التي تصيب الجهاز التنفسي، والجميع يقبل بما يلي:
أولاً: سيبقى الفيروس في المجتمع.
ثانيا: الحد من انتشار الفيروس يتفاعل مع السلوك الاجتماعي البشري.
ثالثاً مع توفر لقاح هناك طبقات من المناعة ربما لعبت دورها في طفرة الفيروس إلى كائن أقل خطورة.
التاريخ الحديث لا يخلو من أوبئة وجوائح عبثت بالمجتمعات البشرية، ويمكن القول بأنه خلال ٢٠٠ عام حدثت:
- ٧ موجات كوليرا
- ٤ سلالات من فيروس إنفلونزا انتشرت وبائيا
- التدرن
- الإيدز
متى وكيف ينتهي الوباء؟
ينتهي الوباء نظريا حين يتوقف تكاثر معدل عدد الإصابات Average Infection ، وذلك بدوره يحدث وقت ما يرتفع كم أو عدد المحصنين ضد الفيروس في المجتمع. بمعنى آخر هناك عتبة Threshold بين احتمال حدوث العدوى وعدم حدوثها التي تعرف ما نسميه بمناعة القطيع Herd Immunity. هذه العتبة هي التي كان يسعى الجميع إلى وصولها للسيطرة على الوباء خالفت توقعات علماء الأوبئة الأفضل..
هناك حقيقة أخرى لا ينتبه إليها كثيرون وهي أن مناعة القطيع لا تستمر ثابتة بسبب:
أولا: ولادات جديدة في المجتمع.
ثانيا: تدهور المناعة في المصابين سابقاً كما يحدث مع إنفلونزا مثلا.
ثالثاً: الموازنة بين تأثير الجائحة على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والنفسية مقابل تأثيرها على الخدمات الصحية.
هل سينقرض فيروس كورونا؟
في عام ٢٠١٤ تم نشر دراسة واحدة أشارت إلى أن وباء الإنفلونزا الروسية Russian Flu Pandemic في عام ١٨٩٠ ربما كان سببه فيروس تاجي Corona Virus وانتهى أمره وأصبح حميداً يستوطن الأنف والجهاز التنفسي العلوي. هذا الأمل يردده كثيرون ولكن الدليل العلمي ضعيف إلى حد ما.
كذلك ينقرض الفيروس حين ينخفض عدد المواطنين المعرضين للإصابة مع ولادة مناعة ضد سلالات من الفيروس. في عام ١٩٥٧ وعام ١٩٦٨ انقرضت سلالات الإنفلونزا الموسمية بسبب حدوث مناعة مشتركة بين سلالات قديمة وحديثة. ما نعرفه الآن هو أن هناك أربع سلالات من الفيروسات التاجية في البشر وبعضها حميدة. الدراسات إلى الآن تشير إلى وجود اختلافات في تركيبة جينات هذه الفيروسات، ولا يعلق كثيرون الأمل على أن المناعة ضد السلالات الحميدة توفر مناعة ضد الفيروس.
التباعد الاجتماعي يمثل إحدى الوسائل للسيطرة على الأوبـئة، وليس حديث العهد كما يتصور البعض.. ترى الجدول الزمني لأيام الدراسة والعطل الرسمية في المدارس تم تصميمه للحد من انتقال عدوى الحصبة Measles في مواسم معينة. السيطرة على السلوك الاجتماعي ودراسة عوامل انتقال العدوى في غاية الأهمية للسيطرة على الجائحة.
الجهود المحلية للسيطرة على جائحة كورونا لا تكفي وإغلاق الحدود الدولية ليس هو الحل كما يتصور كثيرون رغم أنه يتصدر قائمة القيود الحكومية. هناك عوامل موسمية بيئية(الرطوبة ودرجة الحرارة) تلعب دورها في الإصابة بالعدوى وسرعة انتقالها بين البشر. تتدفق فيروسات الإنفلونزا من المناطق الاستوائية إلى المعتدلة وترجع في الشتاء الخاص بنصف الكرة الأرضية. كذلك يختلف انتقال الفيروس في القرية مقارنة بالمدينة، وهذه العوامل الجغرافية لا بد من الانتباه إليها مستقبلاً بعد توفر الأدلة العلمية.
العامل | كورونا | إنفلونزا |
جهاز الجسد | التنفسي | التنفسي |
طبيعة العدوى | حادة | حادة |
سرعة الانتقال | سريعة جداً +++ | أقل سرعة |
الأعمار | بالغون > أطفال | بالغون > أطفال |
الموسم | جميع المواسم | الخريف والشتاء |
لقاح | متوفر في جميع المواسم | موسمي فقط |
عوامل بيئية | غير واضحة | واضحة |
انتقال الفيروس
انتقال فيروس كورونا يتميز بسرعته وانتشاره ويمثل تحدياً للبشرية لا سابق له، ولا يمكن السماح له بالانتقال بحرية. العدد الكلي للإصابات في السكان يعتمد على ما نسميه العدد التكاثري(الإنجابي) الجهوري Intrinsic Reproductive number وتتم الإشارة إليه بـ R0. العدد يساوي عدد الإصابات المتوقعة من وجود اتصال مع إصابة واحدة متواجدة في مجموعة معرضة للإصابة (لا مناعة لديها) ويتم إحصائه كما يلي:
R0 = سرعة الانتقال Transmission Rate ÷ سرعة الشفاء أو الوفيات، أي أنه حاصل قسمة سرعة الانتقال على سرعة الشفاء أو الوفاة.
الرقم بحد ذاته يعتمد إلى درجة ما على المضيف (المصاب) Host ومعرفة الرقم تساعد على تخمين انتشار الفيروس في السكان وعدد الضحايا وتأثير ذلك على القابلية الوظيفية للخدمات الصحية. مع انتشار الوباء وتحصين السكان هناك رقم آخر يتم إحصائه وهو أكثر دقة ويسمى العدد التكاثري الفعال Rt Effective Reproductive Number.
السيطرة على انتقال الفيروس والتطعيم يؤدي إلى خفض معدل الوفيات وعدد الذين يحتاجون إلى عناية مركزة. ولكن في نفس الوقت يجب القبول بأن الإجراءات الحالية للحد من انتقاله لا تساعد حقاً على خفض قيمة Rt وهناك وسائل أخرى للتصدي له وهي اللقاح والعلاج. في نفس الوقت لا يمكن الاستهانة بهذه الإجراءات وفي تجربة جائحة إنفلونزا H1N1 في أمريكا عام ١٩١٨ كانت نسبة الإصابات والوفيات أقل بكثير مع اتخاذ إجراءات وقائية مشددة.
الآن لا توجد سوى نصيحة واحدة وهي التزم بتعليمات الصحة العامة، ولكن في نفس الوقت على الجهات الرسمية الانتباه إلى أن شعار حماية الخدمات الصحية مع اتخاذ قيود اجتماعية صارمة لا يقنع الجميع الآن.
واقرأ أيضاً:
متلازمة توريت / التنظيم العاطفيEmotional Regulation