حين ذكر أحد المستوطنين اليهود أن مقاتلي حماس قطعوا رؤوس 40 طفلا واغتصبوا النساء في أحداث طوفان الأقصى، طار هذا الخبر وتناقلته قنوات إخبارية عالمية، وصرح به نتنياهو ونقله عنه زعماء وقادة آخرين دون التأكد من مصدره أو مدى صحته، وقد أثار هذا الخبر سخطا شديدا تجاه حماس والفلسطينيين بل والعرب والمسلمين جميعا، وانطلقت صيحات عنصرية في كل مكان في العالم تدعو إلى تدمير غزة وكل من يعاونها، وقد مهد ذلك الطريق لأعمال انتقامية غاية في الوحشية من إسرائيل تجاه غزة وتم تدمير عدد هائل من مباني ذلك القطاع المتكدس بالسكان مما أسفر عن قتل آلاف السكان وغالبيتهم من الأطفال والنساء تحت سمع وبصر العالم الذي أسكتته شائعة قطع رؤس الأطفال الإسرائيليين واغتصاب النساء وأصبح غير قابل لسماع أي منطق عاقل، على الرغم من أنه ثبت بعد ذلك كذب هذا الخبر ، واعتذرت المذيعة التي نقلته على لسان المستوطن، واعتذر بعض القادة الذين استشهدوا به، ولكن الكارثة قد حدثت وما زالت مستمرة، وقد صرح وزير الدفاع الإسرائلي بأن الفلسطينيين هم حيوانات بشرية تستحق الإبادة، وبالفعل قام بإبادة قطاع غزة وقتل سكانه، وتم تخدير الرأي العام العالمي بخطابات كراهية ضد العرب والمسلمين.
وخطاب الكراهية هو: "أي نوع من الاتصال في الكلام أو الكتابة أو السلوك، يهاجم أو يستخدم لغة تحقيرية أو تمييزية مع الإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس هويتهم، وبعبارة أخرى، على أساس دينهم أو عرقهم. يقول الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إن الكراهية خطرٌ محدق بالجميع -ولذلك لابد أن تكون محاربتها فرضاً على الجميع.". وقد حذرت الأمم المتحدة من الانتشار الوبائي لخطاب الكراهية في جميع أنحاء العالم مع احتمال التحريض على العنف وتقويض التماسك الاجتماعي والتسامح والتسبب في أذى نفسي وعاطفي وجسدي للمتضررين. وخطاب الكراهية لا يؤثر على الأفراد والجماعات المستهدفة فحسب، بل يؤثر أيضًا على المجتمعات ككل ويهدد الأمن والسلم الدوليين.
وإذا كان خطاب الكراهية ليس شيئًا جديدًا للأسف، ومع ذلك، فقد تم تضخيم حجمه وتأثيره اليوم من خلال وسائل الإعلام وتقنيات الاتصال الجديدة، لدرجة أن خطاب الكراهية أصبح أحد أكثر الأساليب شيوعًا لنشر الخطاب والأيديولوجيات المثيرة للانقسام على نطاق عالمي بما يشبه الجائحة ونرى ذلك على شاشات التليفزيون وفي وسائل التواصل الاجتماعي وحتى في تصريحات القادة السياسيين والعسكريين والدينيين. وإذا تُرك خطاب الكراهية دون رادع، يمكن أن يضر بالسلام والتنمية، لأنه يمهد للصراعات والتوترات، وانتهاكات حقوق الإنسان على نطاق واسع، إذ أصبحت وسائل التواصل الحديثة تشكل أدوات حرب خطيرة ومؤثرة وفي نفس الوقت زهيدة الثمن، إذ يمكنك بمنشور قصير، أو خبر كاذب، أو شائعة، أن تحدث أضرارا بأفراد أو مجموعات، أكثر مما يمكن أن يحدثه استخدام طائرات أو مدافع أو صواريخ بملايين الدولارات.
ويعتبر خطاب الكراهية جريمة جنائية حيث أن المادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، تدعو إلى الحظر القانوني لأية دعوة إلى الحرب أو إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة، واعتبار كل ذلك جريمة يعاقب عليها القانون.
وفي يوليه/تموز 2021، سلطت الجمعية العامة للأمم المتحدة الضوء على المخاوف العالمية بشأن "الانتشار المتسارع لخطاب الكراهية وانتشاره" في جميع أنحاء العالم، واعتمدت قرارًا بشأن "تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات والتسامح في مواجهة خطاب الكراهية" .. ويقر القرار بضرورة مكافحة التمييز وكراهية الأجانب وخطاب الكراهية ويدعو جميع الجهات الفاعلة ذات الصلة، بما في ذلك الدول، إلى زيادة جهودها للتصدي لهذه الظاهرة، بما يتماشى مع القانون الدولي لحقوق الإنسان. وأعلن القرار يوم 18 يونيه/حزيران يوما دوليا لمكافحة خطاب الكراهية، والذي تم الاحتفال به لأول مرة في عام 2022.
وفي حين كان الإعلام العالمي والغربي على وجه الخصوص يمجد مقاومة الأوكرانيين للاحتلال الروسي ويصف المقاومين بأنهم أبطال شجعان، كان في نفس الوقت يصف المقاومة الفلسطينية بالإرهاب والوحشية، ويتناسى أنها هي الأخرى حركة تحرر وتقاوم من احتل بلدها.
والإسلاموفوبيا هي نوع من خطاب الكراهية، وقد نتج عنها قتل أعداد كبيرة من المسلمين، وانتهاك سيادة دول وغزوها وتدميرها، واضطهاد الأقليات المسلمة في كثير من دول العالم، على الرغم من كل ماذكرناه من مبادئ وتشريعات الأمم المتحدة المناهضة لخطاب الكراهية. وأحيانا تتخذ حرية التعبير ذريعة وكسياج للسماح بمرور خطاب الكراهية، وهذا يستدعي وضوح التشريعات التي تفرق بين حرية التعبير وخطاب الكراهية.
وخطاب الكراهية يتنافى مع احترام الكرامة الإنسانية، التي هي القيمة الأم التي تنبع منها القيم الإنسانية الأخرى. وقد ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا، إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا، أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين".
واقرأ أيضاً:
الدعم النفسي للأشخاص في زمن الأوبئة والحروب3 / الرد على بيان الجمعية الأمريكية للطب النفسي