علاج القبول والالتزام والصحة النفسانية الحاضرة1
العمليات النفسانية والعقل البشري1
العمليات النفسانية ليست بالضرورة تقدم الحل لمشاكل الإنسان وأحياناً قد تكون مدمرة بحد ذاتها. علاج القبول والالتزام يُفترض بأن أصل المعاناة البشرية هو اللغة التي يستعملها البشر والتي هي أصلا نظام معقد للغاية من رموز تتضمن كلمات، صور، أصوات، تعبيرات وجه وإيماءات جسدية، ويتم استخدامها في مجال خاص ومجال عام. الاستخدام العام لللغة يشمل الحديث مع الآخرين، التقليد، الإيماء، الكتابة، الرسم، الغناء وغير ذلك في حين أن الاستخدام الخاص يشمل الخيال، أحلام اليقظة، التخطيط، التصور، وغير ذلك. على ضوء ذلك يمكن القول أن اللغة هي عملية إدراك، ومجموعة هذه العمليات المعرفية هو ما نسميه العقل الذي هو أصلا استعارة للغة البشرية نفسها.
اللغة البشرية سلاح ذو حدين فمن الناحية الإيجابية تساعدنا في التخطيط للمستقبل ورسم نماذج الحياة ومع تبادل المعارف يتم تطوير قواعد السلوك البشري ونمضي قدماً نحو الازدهار. من جانب آخر يتم استعمال اللغة للكذب، التلاعب، نشر الأكاذيب والكراهية واسترجاع ذكريات ماضي لتهويل حاضرنا وإدانة الحاضر والماضي وتدمير المستقبل.
يستند علاج القبول والالتزام على فرضية أن اللغة البشرية مصدر معاناة وجوهر وحل المشاكل هو:
المشكلة = شيء لا نريده
الحل = معرفة كيفية التخلص منه أو تجنبه.
هذه الوسيلة لحل المشاكل هو ما نفعله وبنجاح في عالمنا الخارجي وعلى سبيل المثال الضيف المزعج الذي يطرق على الباب لا تستجيب له وإن دخل البيت تطرده بلطف متى تشاء. لكن هذه الوسيلة للتعامل مع الأفكار، الذكريات، المشاعر، الأحاسيس، والنزوات ليس بالأمر السهل، ومحاولة تجنبها عقليا أو التخلص منها تؤدي إلى معاناة أكثر. يتصدر القلق الذي يصاحب الاكتئاب أو الحصار المعرفي قائمة هذه التجارب وكذلك الأمر مع اضطراب كرب تالي للرضح والإدمان بأنواعه.
المراجعون الذي يرغبون في العلاج يعانون أصلاً من مشكلة السيطرة العاطفية ويرغبون في التخلص من الاكتئاب والقلق والذكريات المؤلمة. بدلاً من محاولة تقليل هذه التجارب الخاصة، أو تغييرها، أو تجنبها، أو قمعها يتعلم المراجع كيفية تقليل تأثير الأفكار والمشاعر الغير مرغوب فيها من خلال استخدام الفعال لليقظة الواعية والتوقف عن مصارعة هذه الأفكار عن طريق استعمال عمليتين:
١- القبول بأن الأفكار والمشاعر تجارب خاصة خارجة عن سيطرة المراجع.
٢- الالتزام والسعي من أجل عيش حياة لها قيمة.
نقاش عام
الغاية من هذا المقال هو الحديث عن المفاهيم الجديدة للصحة النفسانية أو العقلية وتطبيبها مع تقديم نبذة موجزة لمفهوم علاج سلوكي وهو علاج القبول والالتزام. من الجائز ربط بينهما وتعميم مفهوم القبول والالتزام بأن ليس كل رد فعل حدث في الحياة هو اضطراب نفساني وليست كل الذكريات والأفكار والمشاعر والأحاسيس الغير مرغوب فيها اضطراب عقلي لابد من تشخيصه وتطبيبه.
تطبيب بعض المشاكل الطبنفسانية الطفيفة لا يفيد أحد فالذي يعاني من قلق ذات مستوى منخفض لا يجني شيئاً من إعفائه من عرض تقديمي في المدرسة فذلك لا يزيد إلى سلوكه التجنبي وقلقه. كذلك لا يوجد دليل أن مختلف العلاجات النفسانية التي يتم تقديمها مثل اليقظة الذهنية في المدراس والجامعات ذات فائدة وإنما العكس أحياناً فقد نتائجها سلبية. عدد الذي يستلمون مساعدات مادية للرعاية الاجتماعية في بريطانيا تجاوز 2.6 مليون نسمة بفضل إهدائهم تشخيص الاكتئاب والقلق2. العمل بحد ذاته وقاية من الأمراض النفسانية وتجنبه يرسل المراجع نحو سلوك مرضي غير طبيعيABI Abnormal Illness Behaviour.
شنت بريطانيا حملتها الشعبية لتوعية الجماهير منذ بداية العقد الثاني من هذا القرن والتخلص من وصمة المرض النفساني (العقلي) وهي خطورة تستحق التقدير، ولكن في عين الوقت حدث طوفان في استعمال الخدمات الصحة النفسانية ومثل هذا الطلب المتضخم له تأثيره السلبي على الذين هم في أمس الحاجة للعلاج. أما رفع الوصمة فلم تجني ثمارها مع الاضطرابات النفسانية الذهانية مثل الفصام، وهؤلاء هم أشد المراجعين استضعافاً وبحاجة إلى خدمات الصحة النفسانية. تشير إحدى الدراسات إلى أن ما يقارب ٣٠٪ من المصابين باضطرابات نفسانية جسيمة لا تواصل معهم مع الخدمات الطبنفسانية قبل دخولهم المستشفى. بالطبع الحديث عن الصحة النفسانية أمر في غاية البساطة لكل حكومة وأسهل بكثير من الدعم الحقيقي والاستثمار في مجالات أخرى.
هناك الحاجة لتعميم مفهوم القبول والالتزام بمواجهة تحديات الحياة بدلاً من الاختفاء خلف ستارة الصحة النفسانية، وتوجيه الرعاية بزخم أكثر صوب المصابين باضطرابات نفسانية جسيمة.
مصادر
1- Forman E, Herbert J, Moitra E, Yeomans P, Geller P. A randomized controlled effectiveness trial of Acceptance and Commitment Therapy and cognitive therapy for anxiety and depression. Behaviour Modification 2007; 31(6): 772-779.
2- Editorial. Britain’s mental-health crisis is a tale of unintended consequences. The Economist Dec 7th, 2023.
واقرأ أيضاً:
تعامل الدماغ مع التعلق والصدمات / الصدمة عابرة الأجيال