وسواس انتقال النجاسة
السلام عليكم... بدايةً أنصح من يُعانون من الوسواس بعدم قراءة سؤالي.
سأحاول تفسير حالتي جيدًا لكي يَسْهُل حَلُّهَا... لقد أصبت في صغري (بدايةً من سن 12 سنة) بوسواس قهري في التَّأكُّد من أن الأشياء مُغْلَقَة، لكن تغلبَّت عليه، وللأسف انتقل إلى وسواس في الصلاة والوضوء فأصبحت أُعِيدُهما أكثر من مرة، لكني كذلك تغلبت عليه وأصبحت أمارس حياتي بصفة عادية... وأريد أن أُوَضِّح أنَّ ما كان يُزْعِجُني ليست الأفعال القهرية بل الخوف من أن الفكرة ستُلَازِمُني إن لم أَسْتَجِب لها.
ولقد لاحظت مُؤَخَّرًا أني بدأت أُوَسْوِس في نجاسة الأشياء، فقرَّرت أن أقرأ الحكم الشرعي في ذلك، وهنا بدأت معاناتي حيث ظننت في البداية أني شخص سليم لا يَحِقُّ لي الأخذ بأيسر الأقوال، فَشَدَّدْتُ على نفسي إلى أن وصلت إلى فكرة لم أستطع الخروج منها وهي التالية:
في منزلنا نقوم بالاستنجاء بالماء (بدون استعمال اليد)، ثم نتابع التنظيف بالمناديل، وفي هذه النقطة بالذات أصبحت أُوَسْوِس فلا أحدٌ منا يتأَكَّد من انتقال النجاسة إلى يَدِهِ حيث أنها عبارة عن قليل من الرطوبة التي لا تظهر على اليد، ثم نفتح صُنْبُور الماء ونُغْلِقُه دون تنظيفه فلا نجاسة تُرَى عليه، وهو ما يفعله معظم الناس، ومن المُؤَكَّد أنه سيتَنَجَّس في إحدى المرَّات فهو دائمًا رَطِب، لكني لم أستطع تَقَبُّل أو تجاهل هذه الفكرة، وأصبحت تُلازِمُني كامل اليوم فلا أستطيع التركيز في دراستي أو حتى الحديث مع شخص بصفة عادية، وفي معظم الأحيان أُصاب بِصُداع في رأسي.
لقد أصبحت أغسل الصنبور قبل استعماله، لكني أقول أن هذا لا ينفع فإخوتي لا يفعلون مثلي، وكُلَّما أحاول الأخذ بأحد المذاهب اليسيرة آتِي بفكرة مُضَادَّة، مثلا قُلْتُ أنها من النجاسة اليسيرة المَعْفُوِّ عنها في المذهب الحنفي، لكن لم أُفْلِح في إقناع نفسي حيث فكَّرت أن هناك طرق كثيرة للاحتراز منها، لذا فهي ليست مَعْفُوًّا عنها،
وكما ترون هذا ما تفعله بي أفكاري فلم أعد أُفَرِّق أهي وسوسة أم حقيقة، وأُصِبْتُ بالاكتئاب لأني أرى مستقبلي يضيع،
وأصبحت أَلُوم نفسي لأني لم أحتقر الفكرة في البداية، فماذا عليَّ أن أفعل لأُنْقِذَ نفسي؟
30/3/2021
رد المستشار
الابنة الفاضلة "سندس" أهلا وسهلا بك على مجانين وشكرا على ثقتك، واختيارك خدمة استشارات مجانين بالموقع.
أنت حسب ما يستنتج من الإفادة (وقد يتغير التشخيص بالفحص الواقعي) مريضة وسواس قهري مبكر البداية (بدأ قبل سن 17 سنة) يعني شديد ومزمن ومرتبط بأعراض الطيف الوسواسي الأخرى..... وبسمات في الشخصية كالكمالية والنمطية....إلخ. أي أنه وسواس قهري متأصل الجذور.
الأفضل في مثل هذه الحالات أن ينتبه لها من قبل المريض والطبيب النفساني مبكرا قدر الإمكان.... وهذا لو حصل كنت ستعرفين أنك مريضة أو عرضة للوسوسة يعني على الأقل كنت سترضين باتباع الأحكام المخففة منذ البداية وليس (ظننت في البداية أني شخص سليم لا يَحِقُّ لي الأخذ بأيسر الأقوال)،.... ما علينا يا آنسة "سندس" بسيطة إن شاء الله.
..... لكن من قال لك أن الشخص السليم لا يحق له الأخذ بأيسر الأحكام ؟؟ بلى يحق ويحق... فقط يقال له التزم بمذهب فقهي واحد.... لا تخلط بين المذاهب لألا تخرج عن الإباحة.... وأما الموسوس فعليه أن ينتقي الأحكام الميسرة من كل مذهب فيأخذ بها كلها خالطا بين المذاهب كيفما استفاد في مرضه من ذلك.
تقولين (ما كان يُزْعِجُني ليست الأفعال القهرية بل الخوف من أن الفكرة ستُلَازِمُني إن لم أَسْتَجِب لها)..... أحسب أنك تقصدين الأفعال القهرية الحركية.. فلابد لديك من أفعال قهرية لكنها عقلية ربما العدُّ مثلا لكن لنفترض أن الأفعال القهرية لا تخيفك...... وإنما هو الخوف من أن تلازمك الفكرة... ما معنى ذلك ؟ مبدئيا لو أن الفكرة لازمتك ولم تفعلي شيئا فإنك تبرئين!!... لكن ما تقصدينه هو عواقب ملازمة الفكرة (فكرة التعمق في التطهير أو تحاشي النجاسة....إلخ و/أو الأعراض الحسية الجسدية المزعجة) لوعيك دون طاعتها أي تنفيذها.... يعني مثلا المخاوف من نوع إذا أهملت النجاسة فإنها ستنتشر بحيث لا يمكن تطهير أثرها أو أنك بهذا تستهينين بما يبطل عباداتك أو ربما ترتبط عندك بشكل أو بآخر بالكفر.... كل هذا كلام فارغ ووسوسة يجب أن تهمل مثلما الفكرة الأم. وأقولها لك أن عليك الأخذ بسنية إزالة النجاسة للموسوس عند المالكية وهو المذهب الشائع في بلادك.
تقولين (وأصبحت أَلُوم نفسي لأني لم أحتقر الفكرة في البداية،) لا داعي للوم نفسك فلم تكوني تعرفين ولم تعلمي بأمر الرخصة المفتوحة لك في التعامل مع النجاسة على الأقل لتيسير عباداتك، يمكنك من هذه اللحظة أن تحتقريها هكذا.... هذا النوع من الأفكار التي يثقل بها الإنسان على نفسه في أمور التطهر (رغم فضل التطهر المعروف) من النجاسة لا يمكن أن يقوم بها الموسوس لأنها توقعه في شر أعماله، يعني عليه أن يعرف أنه سيكون في موقع المتهيئ لعبث الوسواس به ولذلك يجب أن يتحصن بالرخصة والاستسهال ويجب ألا ينخدع بأنه يستطيع أو يستطيع أحيانا.... لأن هذه إحدى مزالق الوسواس،.... وراجعي ما كتبت بنفسك (لم أُفْلِح في إقناع نفسي حيث فكَّرت أن هناك طرق كثيرة للاحتراز منها، لذا فهي ليست مَعْفُوًّا عنها) لتعرفي كم أنت مضحوك عليك!!!. وعلى الماشي كده الطرق الكثيرة للاحتراز هي أفعال قهرية أو احتياطات تأمين !! مثلا غسل الصنبور قبل استعماله !
إذن ففكرة أن عليك أن تحسني التطهر حسب معاييرك (والوسواس في المعايير) مرفوضة شرعا (كي لا تلقي بنفسك في الوسوسة)..... وعليك أن تفعلي ما يفعل الناس لا أكثر (حتى وإن كانوا في نظرك جهلاء) واقبلي بأنك ستؤدين عبادتك دون خوف من النجاسة وأنك تصح عبادتك مع النجاسة. وبهذا أكون أجبت باقي تساؤلك (فماذا عليَّ أن أفعل لأُنْقِذَ نفسي؟) .
في الفقه الإسلامي لا يوجد انتقال وانتشار للنجاسة أبدا لا بالشكل الذي يصرع الموسوس تخيله ويبقيه صريعا (مثلا لا يخرج بعد التبول أو التبرز إلا مغتسلا ومغيرا ملابسه أو مبتل الملابس من كعبه إلى قفاه ومن قدميه إلى وجهه) ولا حتى بالصور اليسيرة من وسواس انتشار النجاسة، ببساطة القواعد الفقهية المشهورة لا تنجيس بالشك والأصل في الأشياء الطهارة ولا نجاسة إلا بعلامة ويقين الطهارة لا يزول بالشك.... إلخ تقطع سلسلة انتشار النجاسة فلا تسمح بذلك.... بينما بناؤك الوسواسي يا "سندس" يحكم بنجاسة الأشياء دون علامات (لا رائحة ولا لون) والشك عندك يقتل اليقين!
ومن الإحالات التالية ستعرفين وتفهمين أكثر فاقرئي بتروٍ ولا تتعجلي.
وسواس انتقال النجاسة ..قاعدة الانتشار السحري!
سارة وسواس انتقال النجاسة
الاستنجاء وانتقال النجاسة والفقه المقارن !
وسواس الطهارة : الرطب والجاف وانتقال النجاسة !
وسواس انتقال النجاسة : قواعد مفيدة
انتشار النجاسة وسنية إزالتها للموسوس !
وسواس النجاسة الجاف والمبتل وانتشار ما ابتل !!
دوامة انتشار النجاسة : فخ التفكير السحري
النجاسة المتطايرة قانون الانتشار السحري
وسواس الطهارة وسوسة النجاسة والانتشار الخيالي
ما نصحناك به أعلاه يهدف فقط إلى صون عباداتك بمعنى أنك لو مصرة على الوسوسة في حياتك فإن الرخص الشرعية تسمح لك بتأدية العبادات دون وسوسة لأن الوسوسة في العبادات مذمومة شرعا وفيها اعتداء على الله سبحانه، وصدق رسول الله عليه الصلاة والسلام حين قال (سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء) رواه أبو داود.... ألحظت أن ما تفعلينه يوصف بالاعتداء على الله جل وعلا !! لماذا لأنك تتجاوزين الحدود فتهدفين غير الهدف وتفعلين ما لم يطلب منك في أمور يفترض أنها تتكرر في حياة المسلم مرات كل يوم...... ولا يصح أن يشق الإنسان فيها على نفسه (وكأنه يبغضها العبادة)... فتصبح العبادة ثقيلة على نفسه بدلا من خفيفة ومرهوبة بدلا من مطلوبة.... فأنت تظنين الله طلب منك ما تفعلين وتلزمين نفسك به فتخفقين وتتعذبين رغم أن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها..... يسمي سيد الخلق عليه الصلاة والسلام هذا اعتداء على الله فما رأيك شخصيا يا "سندس".
وإن أردت أفضل من هذا الذي يهدف فقط إلى صون عباداتك أي إن أردت تعلم كيف تتعاملين مع تأثيرا اضطرابك على حياتك كلها ومنها دراستك وعلاقاتك.... إلخ. فإن عليك السعي في طلب العلاج لدى مختص.... لأن معاناتك الحالية شديدة ولا يصح أن تستمر طويلا لأنك فعلا قد تكتئبين.
وأخيرا لدي سؤال أو تعليق على نصيحتك الاستهلالية (بدايةً أنصح من يُعانون من الوسواس بعدم قراءة سؤالي.) وهو لماذا ؟ ليس صحيحا أن على الموسوس أن لا يقرأ عن وساوس غيره حتى ولو كانت النتيجة زيادة وساوسه، فالحقيقة خاصة في المرضى أثناء العلاج السلوكي المعرفي أن توسيع مجال الوسوسة أمام الموسوس بمعرفته كيف يوسوس الآخرون يساعده في كثير من الأحيان في إدراك ما يحدث له ويزيد من قدرته وتدريبه على التعامل الصحيح مع الوساوس.
ومرة أخرى أهلا وسهلا بك دائما على موقع مجانين فتابعينا بالتطورات.