الشخصِيَّة التَّجَنُّبِيَّة والقَلِقَة
باختصار تَمَّ تَشْخِيصِي باضطراب الشخصية الـ Anxious Avoidant. وبداية الأعراض منذ الطفولة عمومًا. ما يَشْغَلُ بَالِي هو سؤال يُؤَرِّقُني كثيرًا لأنَّ هناك الكثير من الأعراض لهذه الشخصية عندي، وبالتالي نتيجة ذلك هي الإحساس بالدُّونِيَّة وأنَّ الآخرين لا يُحِبُّونَنِي وأنَّنِي لا أَسْتَحِقُّ أيَّ شيء جيد، إلى آخره. وقد أَدَّى ذلك إلى أنَّنِي أكره نفسي، وانغمست منذ المراهقة في العادة السرية والمواقع الإباحية التى أكرَهُها وأُقْلِعُ عنها، لكنِّي مِنْ كَثْرَة الإحبَاطات أعود وأشعر أنَّها المُتَنَفَّس الوحيد، حتى لو كان سيُؤَدِّي للهلاك.
وحقيقةً لا أَجِدُ مَنْطِقًا من وجود هذا الاضطراب في شخص سيَتِمُّ مُحاسَبَتُه على كل أفعاله وهو أصلًا لا يَمْلُك سيطرةً على معظم انفعالاته التي يَمْلَؤُها القَلَق والحَنَق والهَلَع والخوف والتفكير غير المُنْقَطِع في كل شيء يحدث وكأنَّه في ساحَةِ حرب مستمرة مع الإحساس بالدُّونِيَّة.
لديَّ أشياء كثيرة جيدة، لكن لا أستطيع الاستمتاع بمُعْظمِها. وأكثر ما يُقْلِقُنِي أنِّي لا أستطيع الالتزام بالصلاة والقرآن، وذلك نتيجة لتَقَلُّب المِزَاج المُصاحِب لأيِّ موقف سلبي. وكنت خَتَمْتُ القرآن حِفْظًا من فترة ونَسِيتُه، ولمَّا عُدْتُ للمُرَاجَعة والصلاة حديثًا أَتَت لي إحباطات كالعادة أثَّرت على تفكيري والتزامي، حتى أنِّي شَعَرْتُ أنّي مَحْتُوم عليَّ البُعْد عن التَّدَيُّن منذ خُلِقْتُ، وأنَّنِي مُسَيَّر ولست مُخيرًا.
ليس لديَّ قُدرَة على إقناع نفسي أنِّي إنسان جيد أو كُفء اجتماعيًّا، أو حتى نسيان كل هذا وعدم المُبالاة. لا أستطيع فَصْل هذه الإحباطات اليومية التى تبدأ عند قول صباح الخير لأيِّ إنسان كان، فعَقْلِي يُحَوِّلُها لِهَزائِم وتفكير لا يتوقف. وفَصْل ذلك السَّخَط عن النفس وعن الرغبة في التَّدَيُّن صعب جدًّا، وأَجِدُ نفسي لا أُبالِي إذا تركت الصلاة، فأتركها وأعود على فترات، فيا حَسْرَتَاه! هذا الاضطراب يُؤَدِّي إلى إحباطات شديدة لن يَفْهَمُها إلَّا من يُعانِي هذا الاضطراب غالبًا.
في النهاية إذا كان هذا الابتلاء من اضطراب شخصية يُؤَدِّي إلى أعراض مِزَاجِيَّة وعادات سلبية وكراهية للذات واحتقار للنفس. لماذا سيُحاسَب مثل هذا الإنسان على عدم التزامه بالدين، مع أنَّ كل الإحباطات تدور حول احتقار الذات، وهِي التي تُؤَثِّر على تَدَيُّنِه وعلى مِزَاجِه وعلى رَغْبَتِه بالحياة أصلًا؟ أعلم أننِّي لست ذهانيًّا أو فِصامًا لَأَقول أنَّه ليس عليَّ كمَجْنون حَرَج، فأرتاح. هل هذا الشخص مثله مثل المريض بالاكتئاب مثلًا لا يرى هدفًا للحياة، فلا يستطيع الالتزام بما أَمَرَهُ رَبَّه؟ فعندما أذهب للجامع مثلًا، يبدأ عقلي بلا رحمة بالتفكير في أيِّ شخصين أو مجموعة مع بعضها، وأكره وِحْدَتِي، وأُقارِنُ نفسي بهم، وأتمنَّى عَقْد أيَّ صداقات، ولكن كُلَّما أَتَقَرَّب من أحد لا أستطيع كَسْبَ وُدَّهَم، مع أنِّي أسأل صراحة وأَطْلُب أنْ يتَّصِلُوا بي عند الخروج، ولكن لا أحد يَرْغَبُ فى معرفَتِي لأنِّي غريب نفسِيًّا أعتقد، أو أيًّا كان السبب، ضعيف أو غير ناضج أو انفعالاتي غير ناضجة.
أنا أَمِيلُ دومًا لإرضاء الغير، أوتوماتيكِيًّا أجد نفسي لا أَرْضَى إلَّا بِرِضَى الغير، وأقول نعم وطَيِّب. أشعُرُ بالتَّقَزُّم، أشعر بالضعف، أشعر أنِّى حتى لا أرغب في الجلوس مع الغير ولا معرفة أحد من كَثْرَةِ الرَّفْض والإحراج في حياتي. هل من العدل أن يُحاسَب هكذا إنسان على تَقْصِيره، وهو مُبْتَلَى بأشياء تجعله مُحبَطًا كل يوم، وتُصِيبُه بمزاج عَسِير لا يُطِيقُه أحد، ويَسُبُّ نفسه كل يوم لأجل هذا، ويتمنى لو لم يُولَد؟
أعلم أنَّ الإجابة ليست مع أحد من البشر، لكنِّي حاولت أن أَعْرِض ما يَجُول بخاطري، عَلَّ أن يَرى السؤال أحدٌ ويجعله الله سَبَبُا لِتَخْفِيف ما في عقلي من حِيرَة.
حاولت العلاج النفسي والدوائي على مدار ١٤ عامًا بلا فائدة تُذكَر. |
وما أُبَرِّئُ نفسي، إنَّ النَّفْس لأَمَّارَةٌ بالسُّوءِ إلَّا ما رَحِمَ رَبِّي.
10/7/2021
رد المستشار
شكرًا على مراسلتك الموقع.
في بداية الأمر لا بُدَّ من الإشارة إلى محتوى استشارتك. بياناتك الشخصية تُشِيرُ إلى أنَّ عمرك هو ٢١ عاماً. وفي نهاية الرسالة تُشِير إلى أنَّك تحت العلاج لمدة ١٤ عاماً. بعبارة أخرى بدأت رحلة علاجك في عمر سبعة أعوام، ولم تتَحَسَّن إلى يومنا هذا. كذلك يصعب الاستنتاج إن كنت تستشير الموقع أم لديك تعليق.
محتوى استشارتك يُشِيرُ إلى تشخيصك باضطراب الشخصية التَّجَنُّبِيَّة، وعلاجك بالعقاقير. والصراحة لا أظن أنَّ العلاج الطبي، بل ولا حتى العلاج النفسي له فعاليته في تغيير شخصية الإنسان كَمَا يتَصَوَّر الكثير، وإن حَدَث تغيير في شخصية الإنسان فذلك بفضل جهوده وظروفه البيئية. بعبارة أخرى تَطْبِيب شخصية الإنسان في الطب النفساني عملية عَقِيمَة لا خير فيها، وهناك إسراف في خَتْم وَصْمَة على جَبِين الإنسان تُعَرِّف شخصيته. هذا الخِتْم كثيراً ما يسعى إليه المُرَاجِع للتَّخَلُّص من مشاعر سلبية تَعْبَثُ به وتُخَلِّصُه من المسؤولية وعدم بذل الجهود الشخصية للتغيير والانتقال إلى موقع جديد في الحياة.
الجانب الثالث الذي لا يَصعُب ملاحظته في استشارات الموقع لا يختلف عن تطبيب السلوكيات البشرية، وهو تَدْيِين سلوك الإنسان. بعبارة أخرى، الإسراف في وضع سلوكيات الإنسان في إطار ديني، والحكم عليها من خلال التزامه الديني، وكأنَّ الأخير هو البُعْد الوحيد لتقييم البشر. هذا ما تفعله أنت، وتتحَدَّث في تأَزُّمِك مع الشعائر الدينية وإيمانك.
الحياة أقل تعقيداً من مَوَاعِظ وفتاوي رجال الدين، والعلوم النفسية الاجتماعية. لكل إنسان شخصيته وعُصابُه، والشخصية بِحَدِّ ذاتها تَمِيل إلى التغيير، وربما قد تكتب رسالة أخرى بعد أربعة أعوام يختلف إطارها ومحتواها عن رسالة أخرى. شخصية الإنسان يَتِمُّ تقييمها من خلال انبساطه، انفتاحه، تَوَافُقُه مع الآخرين، ضميره الحيَّ، وعصابه. هذه الأبعاد الخمسة مُوَضَّحَة في المُخَطَّط أدناه.
عليك أن تَحْكُم بنفسك على شخصيتك من خلالها. إن كنت راضياً بشخصيتك فاستمر على ما أنت عليه، واسعى إلى مواجهة تحديات الحياة. وإن كان عُصابك حول الالتزامات الدينية يَشْغَلُ بالك، فاحكم على نفسك من خلال ضميرك الحَيِّ ومُعامَلَةِ الآخرين بالاحترام والمَوَدَّة فقط.
وفقك الله.