مشكلات متعددة هل تشير لإصابتي بمرض نفساني ما؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا قصتي تبدأ من لحظة ولادتي، حيث حدث خطاء أثناء عملية الولادة تسبب بمشكلة في جهازي العصبي نتج عنه إصابتي باضطرابات حركة لا إرادية بسيطة في أطرافي الأربعة خاصة في الذراعين إضافة إلى حدوث مشاكل بسيطة في النطق والكلام.
أما عن حياتي بعد ذلك فلقد عشت حياة عادية جدا غير أني تأخرت في الاعتماد على النفس في ممارسة بعض الأمور الحياتية البسيطة بالنسبة لمن هم في نفس السن مثل (معرفة تزرير القميص، ولبس الجوارب، وتعدية الشارع، والتمكن من القراءة بطلاقة، حتي اني أتذكر انه حتى الصف الخامس الابتدائي لم أستطع الاعتماد على نفسي قفل زار البنطلون وفتحه!) لكن حتى الآن يوجد أشياء لا أستطيع فعلها بسبب رعشة ذرعين مثل ربط رابط الحذاء -أعزكم الله- والتحكم بكوب مملوء بالماء وأي مشروب آخر!.
أما عن حياتي التعليمية فلقد التحقت في صغري بمدرسة لغات حيث يتم تدريس اللغة الإنجليزية منذ الحضانة إضافة إلى دراسة الرياضيات باللغة الإنجليزية كذلك، وقد عانيت من صعوبة الدراسة فأشار الطيب المعالج لوالداي بتقليل عبء الدراسة عني، فقام أبي مع بداية الصف الأول الابتدائي بتحويلي للقسم العربي بمعنى أدرس الرياضيات بالعربية لكن أدرس اللغة الإنجليزية، لكن أيضا شكوت من عبء الدراسة وأتذكر وقتها أني أخبرت أبي بقولي "أنا بكره الإنجليزي!" (وأعود للحديث عن هذه النقطة في أخر الاستشارة) فقام أبي عقب الصف الثاني الابتدائي بتحويلي إلى مدرسة حكومي حيث كان يتم تدريس الإنجليزية بداية من الصف الرابع الابتدائي في ذلك الوقت، وعقب نهاية الصف الخامس الابتدائي أشار المدرسين على أبي وأمي بضرورة أن يقدموا طلب عمل لجنة خاصة لي وقت الامتحانات (وهي عبارة عن وجود مرافق لي أثناء الامتحان يقوم بالكتابة لي بسبب أن الرعشة الموجودة في ذراعي جعلت خطي كبيرا وسيء)
وأخبر المدرسين أبي صراحة "أني أنجح بسبب أن كراسة الإجابة الخاص بي يسهل معرفتها نتيجة سوء خطي وذلك لأنه من الصعب عليهم قراءة خطي، لكن في الصف السادس الابتدائي لن تصحح كراسات الإجابة في المدرسة وسوف يصححه مدرسين غرباء قد لا يتعاطفون معي" - وإلى الآن وأنا في مرحلة الدراسات العليا أستعن بمرافق أثناء الامتحانات-.
أما عن حياتي الاجتماعية في المدرسة هي أني كنت أجد صعوبة في التأقلم مع الآخرين واكتساب أصدقاء وكنت أقع في العديد من المشكلات مع الآخرين -إلا أن هذه الصعوبة بطبيعة الحال لم تمنعني من إقامة نوع من أنواع الصداقة البسيطة مع العديد من زملاء الفصل-، وهذا كان الشيء الذي كان له أكبر أثر في حياتي في المرحلة التالية.
فعقب نهاية الصف الأول الإعدادي سافرنا إلى الخارج، وعندما كان أبي يبحث لي عن مدرسة نصحه بعض أصدقائه بعدم إدخالي مدرسة محلية وكان خلاصة كلامهم "أني إذا كنت لم أستطع التأقلم مع التلاميذ المصريين وأنا في مصر فمن البديهي أني لن أستطيع التأقلم مع التلاميذ في ذلك البلد!"، هذا بالإضافة أن في ذلك الوقت كنا وصلنا إلى هناك قبل بداية العام الدراسي بقليل وكان من الصعب إيجاد مكان فارع في أي مدرسة، كل ذلك أدى في النهاية إلى أن يحولني أبي إلى نظام المنازل، واستمريت في هذا النظام حتي نهاية الصف الثالث الثانوي، وكنت طوال هذه السنوات أتعلم وأدرس اعتماد على ذاتي إضافة إلى الوسائل الإلكترونية دون أي تدخل خارجي وذلك باستثناء سنة واحدة الذي أخذت فيه دورس خصوصية.
أما عن مرحلة الجامعة فعقب اجتياز الصف الثالث الثانوي نزلت إلى مصر لدخول الجامعة والتحقت بقسم ذات كثافة طلابية عالية (كنا قرابة 800 طالب في الدفعة ) ولك أن تتخيل كيف لطالب التحق بنظام المنازل مدة خمس سنوات بسبب أنه شخص غير اجتماعي يجد نفسه وسط 800 طالب!، حقيقة هذا الشيء أصابني برهاب اجتماعي شديد إلا أنه أخذ يخف شيء فشيء على مدار الأربعة سنوات ووقت مجيء لحظة التخرج كنت قد تجاوزت مرحلة كبيرة منه، وعقب تخرجي عملت بالسلك التدريسي ... كان كل ما سبق مقدمة طويلة لابد منها لكي أدخل إلى صلب الاستشارة، لأني في الواقع أعاني من بعض الأمور:
*أولها هو أني لدي مشكلة في التواصل والتأقلم مع الغرباء فلقد أشرت أني احتجت الكثير من الوقت للتأقلم مع دفعتي، لكن مثلا لو قابلت غرباء لمدة قصيرة – مثلا عند حضور دورة- يكون متعذر علي التأقلم معهم لأني أحتاج لكي أتأقلم معهم إلى وقت طويل بينما الزمن المخصص لتجمعنا قليل!، لكن يجب الاشارة بأن هذا الأمر يقل بمرور الوقت ولكن بصورة بسيطة.
* ثانيها أني لدي مشكلة في الخروج من المنزل بمفردي: تتمثل في الخوف الشديد من الذهاب إلى الأماكن الجديدة -التي لم أذهب إليها من قبل-، بل وحتى الذهاب إلى الأماكن المعتادة كمقر عملي إن لم يكن لازم علي ذلك فلك أن تتخيل أني كنت أستحق ترقية في أواخر العام الدراسي الماضي وبالفعل مشيت في إجراءاتها إلا أن العام انتهى وبالذات الإجازة ولم أنتهي منها ففضلت أن أستكمل إجراءاتها في العام الجديد على استكمالها في الإجازة لأن هذا يلزم أن ذهب إلى مقر عملي في الإجازة!، أضف إلى ذلك أني أنزل الشغل في أيام محددة أسبوعيا لكن مثلاً عندما يأتي اجتماع فجأة أعتذر عنه لأني معتاد أني لن أخرج من المنزل هذا اليوم!، لكن بطبيعة الحال هذا لا يشمل الذهاب إلى الأماكن المجاورة للمنزل كالمسجد والبقالة وحتى الخروجات الجماعية كالرحلات الأسرية مثلا، ويجب الإشارة إلى أن هذا الأمر يزداد بمرور الوقت عكس ما سبق ولا أعرف السبب!.
* ثالثها وبطبيعة الحال أني إذا كنت لا أحب الخروج من المنزل والتعامل مع الغرباء أني أحب الهدوء وأكره بل وأنزعج من الأصوات العالية وهذا صحيح ، ولكن أني أنزعج أكثر وأتعصب أكثر من تكرار الأصوات مثل عندما ينادي أحد الأشخاص على آخر قائلاً "أحمد أحمد أحمد"، وصوت الحيوانات والطيور، وكلاكسات السيارات والأتوبيسات، وقد وقعت في بعض المشكلات مع الآخرين بسبب ذلك.
* رابعها أني أحيانا ما تأتني ما يمكن تسميته بالخيالات والأفكار والتوقعات التي يمكن وصفها بأنها مؤلمة مثلا أتخيل أنه حدثت مشكلة بيني وبين أحد أفراد أسرتي، ثم أفكر ما الذي أفعله للتغلب عليه؟ وأنه حدثت له حادث سيارة كيف أتمكن من مساعدته؟، وهذا يحدث مع كل المقربين مني فأتخيلهم في دور الأشرار الذي يريدون إلحاق الضرر بي مرة (علي الرغم من أن علاقتي ممتازة مع جميع أسرتي) ثم نفس الأشخاص الذين أتخيل أنهم أشرار أتخيلهم أنهم في حاجة لمساعدتي مرة أخري!، كذلك تأتيني خيالات وأفكار أخري مثلا لو أني اتهمت في جريمة أفكر كيف سأتمكن من الهروب؟ وأجلس أخطط كيف أفعل ذلك!.
* وأشير في النهاية إلى أمرين أولهما أثناء فترة نومي يحدث لي بصفة شبه دائما أن أقلق وأستيقظ في منتصف النوم وغالبا ما أستطيع الرجوع للنوم مرة أخرى لكن في بعض الأحيان أنتظر مدة تقارب ساعتين وثلاثة ساعات للرجوع للنوم مرة أخرى، لكن إذا قمت متعمدا -لصلاة الفجر مثلا- لا أرجع إلى النوم إلا بعد مرور ساعتين وثلاثة.
* والثاني هو موضوع الإنجليزي التي أشرت إليه قبل ذلك، هذا الأمر مستمر حتى الآن للأسف فأنا لم أحقق نجاح ملحوظ في تعلم الإنجليزية وأية لغة ذات أبجدية لاتينية كالفرنسية، بينما على الجانب الآخر حققت نجاح أكبر في تعلم اللغات ذات الأبجدية العربية كالفارسية مثلا ولا أعرف سبب ذلك الاختلاف!.
اكتب تلك الاستشارة لأن أهلي كثير ما يلحون علي للزواج لكن الصراحة أجد أنه من غير المنطقي أني أطلب من زوجتي فيما بعد تحمل هذه الأشياء في شخصيتي مثل عدم رغبتي في الخروج من المنزل ورغبتي في الهدوء الشديد من الأصوات -وهذا سيكون متعذرا مع الأطفال فيما بعد- والتأقلم مع الغرباء لأنه يكفي عليه أساسا أنه سوف ترتبط بي وأنا مصنف من ذوي الإعاقة بسبب اضطرابات الحركة التي أعني منها، فأريد أن أسأل هل هذه الأمور تعتبر سمات شخصية أم مشكلات تشير لإصابتي بمرض نفساني ما يمكن علاجه؟ وهل هذا يرجع بسبب إصابتي في جهازي العصبي أثناء ولادتي أم بسبب العزلة؟ وهل يوجد دواء وحل لي؟
أفيدونا مشكورين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
6/10/2022
رد المستشار
شكراً على مراسلتك الموقع.
لا يوجد في استشارتك ما يشير إلى إصابتك باضطراب نفساني. رغم العجز الذي تعاني منه منذ الولادة فإن سيرتك الذاتية وأدائك المهني والتعليمي لا يشير إلا إلى قوة تركيبك النفساني وقدرتك على مواجهة تحديات الحياة.
السمات الشخصية للإنسان هي نتاج الجينات التي يحملها٬ العجز الذي يحمله والظروف البيئية التي يمر بها. سماتك الشخصية ليست بغير الطبيعية والكثير من البشر الذين لا يعانون من إعاقة جسدية ما يحملون مثل هذه السمات التي تميل إلى العزلة وتجنب مواقف اجتماعية معينة كالتي تشير إليها في استشارتك.
السمات الشخصية للإنسان لا تميل إلى الثبات وعدم التغير بل تخضع لعملية ديناميكية مستمرة. سيرتك الشخصية تعكس ارتفاع درجة البصيرة وتأقلمك مع إعاقتك وأدائك التعليمي والمهني يؤكد ذلك. أنت الوحيد الذي يقرر من ومتى يتزوج٬ وأنت الوحيد أيضاً الذي يدرك احتياجاته الناقصة وكيف يتم تلبيتها في المستقبل.
وفقك الله.