أولا أتقدم بالشكر والتقدير على مجهوداتكم التي نالت رضا جميع الآباء والأمهات ومساعدتنا على إيجاد كل الحلول لمشاكل أبنائنا ليكونوا سببا لرضا الله ولصلاح المجتمع.
ولدي عمار يبلغ من العمر 4 سنوات، طفولته كانت مستقرة وكان هادئا جدا منذ الطفولة، ولديه علامات ذكاء كثيرة، من قوة الملاحظة والتعبير عما في نفسه وتقليد الآخرين وغيرها الكثير، ولكن المشكلة أنه الآن فقد كل شيء، وأصبحت أشعر أنه مضطرب نفسيا، وذلك منذ قدوم أخته الصغرى زينة (عمرها الآن سنتان)، وأصبح كثيرا ما يتأتأ في الكلام وعنده شعور بعدم الثقة بالذات لدرجة كبيرة جدا ولا يجيد الدفاع عن نفسه.
وهو يخاف من الأولاد الآخرين ولا يستطيع الاندماج معهم؛ وذلك لأننا عندما حضرنا لهذه البلاد وذلك بعد مولد أخته مباشرة حاول الاندماج مع الأولاد الآخرين في أثناء اللعب، ولكن دائما ما كان يقابل بالرفض منهم وذلك لاختلاف اللغة؛ وهو ما سبب له الحرج الشديد، وكانوا يتعدون عليه بالضرب إلى أن أتدخل أنا فأصبحوا لا يحاولون اللعب معه، وهو أيضا لديه خوف منهم ولا يريد اللعب مع أي شخص آخر. يلعب مع نفسه أو أخته أو الأطفال الذين لم يبلغوا السنة يحاول مساعدتهم وإضحاكهم.
ولاحظت عليه في الفترة الأخيرة أنه يقوم بعمل حركات غريبة للفت انتباه الآخرين مثل كأنه كلب أو يمشي بصورة غريبة لإضحاك الأولاد الآخرين، وبالتالي هم يبتعدون أكثر وأكثر، مع أنه لا يريد سوى محاولة اللعب معهم ولفت نظرهم. وللأسف فأنا كثيرة الصراخ في وجهه عندما يغضبني، وهو دائما يقوم بتقليد أخته في كل شيء تقوم بعمله، ودائما يقول أنتم لا تحبونني، ما في أحد في الدنيا يحبني، ويميل للعب بألعاب البنات مثل أدوات الطبخ والدمى.
المهم أني الآن أحاول إصلاح شخصه وإعادة ثقته بنفسه وإشعاره أن الجميع يحبه، وأريد منكم مساعدتي في إيجاد الحلول المناسبة لمشاكله، وأنا في أتم استعداد لعمل كل ما هو مطلوب مني لأعيد ولدي كما كان من ثقته بنفسه، وتركيزه وحبه للآخرين، وأعيد شخصيته القيادية له؛ لأنه الآن فقدها تماما. ونسيت ذكر أنه أصبح أيضا يعاني من عدم تركيز بصورة غريبة أي شيء يجب أن يقع من يديه.
وهو كان مدمنا للتلفزيون، ممكن للهروب من حالته، ولكنه الآن قل كثيرا حبه للتلفزيون بسبب أنني أصبحت طوال الوقت أحاول شغله بالألعاب أو أن ألعب معه هو وأخته وتعليمهما؛ فهو جيد في المدرسة لكنه يكره الكتابة، يحب حفظ الأناشيد ويحب الأرقام وهذا من فضل ربي.
وأحمد الله عليه أنه ما زال لديه بعض المميزات؛ لأن حالته دائما ما تشعرني بالإحباط؛ فأنا أريد حلولا لإعادة نشاطه الذهني ليستطيع التركيز مرة أخرى وهو ينسى بصورة غريبة، مستحيل أن يضع شيئا ويتذكر أين وضعه وهو عنده ضعف نظر واستجماتزم ويرتدي نظارة بصورة دائمة.
أريد مساعدتكم، وإذا كانت حالته تستدعي عرضه على طبيب نفساني فأنا إن شاء الله سوف أسافر لمصر؛ فأرشدوني للدكتور المناسب، مع إعطاء عنوان عيادته وإعطائي الحلول المناسبة لحين سفري، وإذا أردتم أي استفسار آخر فأنا على استعداد للرد، ولكم شكري وتقديري، واعتذاري لطول الرسالة، والسلام عليكم.
31/10/2022
رد المستشار
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة "أمل" حفظها الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد،،، نرَحِّب بك أختي الفاضلة في شبكتنا، ونسأل الله أن يباركَ فيك وفي أسرتك جميعًا
أختي الكريمة: قبل أن نبحثَ عن حلولٍ دعينا نبحث عن الأسباب التي أدَّتْ إلى تغير سلوك ابنك وشخصيته، وفي الغالب هما سببان أساسيان: قُدوم أخته – بارك الله فيها – وإحساسُه بالغَيْرة منها، وهو أمرٌ إذا لم نتعامَلْ معه بحكمةٍ يَكفي وحدَهُ أنْ يَنال نفسيًّا من الأبناء، ثم السفر وشعوره بالغربة في المكان والأشخاص المحيطين به، مما زاد الأمرُ سوءًا، إن تغير سلوك طفلك بعد ميلاد أخته أمر يصاب به معظم الأطفال فى حالة ميلاد طفل جديد بالعائلة، وهو أمر طبيعى جدا، وإن كان يدل على تمتع الطفل بقدر عالٍ من الذكاء يجعله يستشعر التغير الذى طرأ على عائلته، ويصاب بإحساس طبيعى بالغيرة من الطفلة الجديدة، ويعبر الطفل عن هذا الشعور بعدة سلوكيات منها:
-البكاء المستمر وبلا سبب واضح
- هدوء زائد عن الحد واكتئاب
- العودة للتبول اللا إرادى فى حالة تعوده على التحكم فى عملية التبول
- الرغبة فى تقليد المولود الجديد، مثل التظاهر بعدم القدرة على الكلام والرغبة فى النوم مكان المولود الجديد، ومصّ الإبهام والرغبة بالرضاعة من الأم والعودة إلى الشرب من قنينة الحليب، وهذه السلوكيات تكون غالبا بغرض لفت نظر الأبوين له، والرغبة فى الحصول على بعض الاهتمام، والذى يشعر بنقص فيه نتيجة الاهتمام بالمولود الجديد
أيضا تعرض طفلك للاغتراب يعد سببا جوهريا آخر لتغير سلوكه وشخصيته حيث تتفاوت ردات فعل الأطفال تجاه هذا الأمر، كلّ بحسب سنّه، وطبيعته، وأسلوب تربيته، والمحيط الذي نشأ فيه، فالطفل الذي لم يتجاوز عمره 3 سنوات يعتبر الأمر سهلاً، إذ لم يكن قد نسج علاقات وصداقات بعد، وحيث أنه لم يتعرف في هذه السن المبكرة سوى على والديه وإخوته.
في المقابل، يشعر الطفل الذي يتراوح عمره ما بين 4 و6 سنوات بوطأة الاغتراب، إذ يفتقد الجوّ الحميم الذي كانت عائلته الكبيرة (الأجداد، الأعمام، الأخوال، الخالات...) تحيطه به، إذ يشكّلون جميعاً مصادر أساسية يستمدّ منها الحب والأمان، ويحظى باهتمامهم ورعايتهم،، وقد يترجم الطفل هذا الحرمان إلى حالة من الحداد الموقتة، تصاحبها أعراض جانبيّة تتمثّل في: الامتناع عن اللعب، وفقدان الاهتمام بهواياته، وفقدان الشهية، واضطرابات في النوم، وبكاء وعزلة، وفي هذه الحالة يجدر بالأهل اصطحاب ما يمكنهم من أغراض وأشياء شخصيّة تتعلق بالطفل كان قد اعتاد على وجودها والتفاعل معها (ألعاب، وسائد، قصص...) للتخفيف من حدة شعوره بفقدان العناصر المألوفة لديه والمحبّبة إليه
أيضا فإن الاغتراب واختلاف اللغة حيث لا أصدقاء يُعد تحديا قاسيا للطفل حيث يتسبب هذا الأمر في ظهور مشكلات في الأداء الاجتماعي العاطفي (ولكن ليس الأداء المعرفي) كالقيام بمحاولات جذب الانتباه، والخجل والانطواء، التأتأة وفقدان الثقة بالنفس، أما في المدرسة، فقد يظهر سلوكا عدوانيا ويفقد القدرة على الانتباه والتركيز، ويعاني من اضطرابات التعلُّم فجأة نتيجة الضغط النفسي.
وتساهم عوامل عدّة في تحقيق الاندماج في المجتمع الاغترابي، من بينها طبيعة الطفل، وبنيته النفسية، وميوله الاجتماعي، وقدرته على التواصل والتفاعل مع المحيطين به، ونمط معيشته، وأسلوب والديه المرن والمنفتح في تربيته، في حين يصعب على الطفل الذي ينشأ في جومن العزلة الإجتماعية التأقلم بيسر وسهولة، علماً بأن ملكة التكيّف والتأقلم تختلف من طفل إلى آخر
وبغض النظر عن عمر طفلك، يحتاج الأطفال إلى معرفة أنهم محبوبون وأنهم يحصلون على دعم والديهم في خضم المراحل المربكة، مثل مولد طفل جديد في العائلة، وبعد السفر والغربة، ولتعزيز شعور الألفة والمحبة يجب عليكي تجنب العصبية على الطفل، ومراعاة قضاء وقت حميم ومباشر بدون مشتتات مع بعضكم، أيضا من الضروري – يا عزيزتي – أن تكوني متفهمة وصبورة، وتمنحي طفلك الوقت الكافي للتكيف والخروج من حالة الارتباك والصدمة، لذا لا تجبريه مثلاعلى الذهاب للمدرسة فورا والقيام بكل المتوقع منه
وبشكل عام، يجب مراعاة الجانب النفساني للطفل في الغربة، لأن الضغوطات التي يعاني منها الطفل أعمق بكثير مما يتوقعه الآباء، ويكون لها تأثير مباشر على صحته النفسية والعقلية على المدى الطويل، وإليكي بعض النصائح التي تساعد طفلك على التأقلم بسرعة، وتكوين صداقات، وعلاقات اجتماعية جديدة:
- احرصي على أن تكوني نشيطة من الناحية الاجتماعية في مدرسة طفلك، فمجتمع المدرسة مهم جداً في حياة الأسر في الغربة، تعرفي على أمهات زملاء طفلك في المدرسة، ورتبي لقاءات دورية بين الأمهات بمفردهم لشرب القهوة مثلاً بعد توصيل الأطفال إلى المدرسة صباحاً، وستتمكنين بعد فترة من الوقت من تكوين صداقات حميمة مع البعض منهن، ونسّقي مع الأمهات لقضاء أوقات خارج المدرسة ليلعب الأطفال معاً ؛ حتى يتشجع طفلك على تكوين صداقات معهم.
- اذهبي معه إلى النادي والمدرسة، واختاري - وهو بصحبتك - من الأنشطة ما يتناسب مع سنه؛ حتى ينمي مهاراته الحركية والاجتماعية من خلال هذه الأنشطة، ويكتسب صداقات جديدة
- إذا كانت هناك أي أحداث مدرسية وحفلات أعياد ميلاد يرغب في حضورها وبطولات رياضية فاحرصي على حضورها معه لتشجيعه على حضور المناسبات الاجتماعية وتكوين علاقات جديدة
- لا تستعجلي خطوات طفلك في تكوين الصداقات، فالطفل الذي يتسم بالبطء في الانسجام مع الآخرين أفضل ممن يندفع إلى اللعب مع الآخرين دون تمييز
- تحدثي معه حول عيوبه، وساعديه على تقويمها، فقد تكون بعض السلوكيات هي المسؤولة عن ابتعاد الأصدقاء عنه، وعدم رغبتهم في اللعب معه وصحبته
- احرصي على اصطحابه في التجمعات العائلية، وذكْر إيجابياته وقدراته أمامهم، وإظهاره بشكل متميز أمام الآخرين؛ حتى لا يصاب بخيبة أمل
- حتى يندمج طفلك مع الأطفال، يمكنكِ تعليمه مفاهيم وقواعد هذا الاندماج وطرق تكوين صداقات معهم، كوني مثله اA271;على في التعاون والتسامح، والمشاركة، واحترام الآخر.
أما مشكلة تقليده لأخته، وأنه يلعب بألعاب البنات، فمن الطبيعي أن يقلد الطفل السلوك الذي يقوم به المحيطين به، ويبدو أن تواصل طفلك مقتصر أغلب الوقت عليكي وعلى الأخت فقط، وهو لا يدرك أن هذا السلوك خاص فقط بالبنات، ولكن يجب أن نعلمه ذلك ونتحدث إليه، ونعطيه المقابل مثلا نسأله: لماذا تلبس الطفلة فستان؟ نقول له "أنت ولد تلبس بنطال، أنت مثل بابا" لكي يتماهى الطفل إلى شخصية الأب حيث سيسعى الطفل إلى تقليد سلوك والده، لذلك يجب أن تركزي على علاقة الأب بالطفل، ولا تهمشي دور الوالد في تكوين شخصيته، ويجب أن يكون هناك تواصل مستمر للأب مع الطفل حتى تحصلي على نتائج إيجابية
كذلك تلعب القصص التي ترويها لطفلك دورا في حياته، لذا يجب ان تروي قصصا شخصياتها ذكورية، ولا تقتصري على قصص شخصياتها أنثوية مثل الحسناء النائمة، والثعلب والفتاة ذات القبعة الحمراء، بل احكي له روايات لشخصيات أسطورية وفنية ورياضية معروفة فهذا يكوّن لديه صورة ذكورية يمكن الاقتياد بها، وأريد أن أطمئنك – أختي الكريمة – إلى أن تفضيل الصبي الصغير للعب بألعاب البنات ليست دائما إشارة تثير مخاوف الوالدين، فالكثير من الأبناء الذكور كانوا قد امضوا طفولتهم يلعبون بلعب أخواتهم البنات لكنهم الآن شباب ولديهم عائلات، مع ذلك يجب مراقبة الصبي خاصة في عمر الثالثة والرابعة لأنه العمر الذي يبدأ بالتعرف فيه على محيطه وجسده لتكوين نفسه كذكر، والمهم إفهامه من دون تعنيف وسخرية بأنه صبي وسط أخواته البنات ويختلف عنهن.
أما مشكلة النسيان وعدم التركيز فأسبابها لدى طفلك – كما ذكرت لك – تعرضه للضغط النفسي بعد مولد أخته، والتعرض للغربة، وعدم القدرة على تكوين صداقات مع الأطفال، أيضا ضعف النظر والإصابة بالإستيجماتيزم من أسباب نقص التركيز والقدرات المعرفية في الأطفال حيث أن سلامة البصر تؤثر بشكل كبير على الصحة العقلية للإنسان، ويكون ضعف البصر – في بعض الأحيان – سببا للعزوف عن تكوين علاقات اجتماعية، لذلك يجب الاهتمام بتحسين صحة العينين، سواء بالجراحة وارتداء النظارات الطبية، والمواظبة على نمط غذائي صحي، والتقليل من استخدام الأجهزة الإلكترونية
من الأسباب الأخرى للنسيان في الأطفال: سوء التغذية والنقص في أوميغا 3 والحديد والبوتاسيوم والكبريت والفوسفور والأملاح والفيتامينات، وكثرة مشاهدة التلفاز، والقلق وعدم شعور الطفل بالأمان والثقة بمن حوله، والجوع والإجهاد البدني
وللتغلب على مشكلة النسيان في الأطفال عليك اتباع الآتي:
- ممارسة الرياضة تساعد على تنشيط الدورة الدموية مما يساعد على تحسين وتنشيط الذاكرة
- النوم الكافي للطفل يقيه من فقدان الذاكرة، ويساعد على استيعاب الحقائق المستفادة خلال النهار، وتجنب النوم الزائد لأنّه يسبب الخمول والكسل
- عدم استخدام الهاتف المحمول إلا عند الضرورة، وعند النوم يفضل ألّا تكون أجهزة الهواتف في غرفة النوم
- تناول الغذاء الصحيّ السليم الغني بكل العناصر الغذائية، وتوزيعه على الوجبات خلال النهار
- الاعتماد والتعود على ألعاب الذاكرة، وقراءة القصص وغيرها منذ الصِّغر تساعده في قوة الذاكرة وتحسينها
- تقليل مشاهدة التلفاز وتعويضه عنه بألعابٍ وواجباتٍ وممارسةِ مهاراتٍ خاصةٍ بدلاً من برامج الأطفال التي تساعد في تثبيط الدماغ وقلة التركيز (التشتّت وعجز الانتباه).
- متابعة الطفل وتعليمه وتحفيظه القرآن الكريم منذ صغره، حيث يؤدي حفظ القران إلى تعويده على الكلام مما يكسب لديه الطمأنينة والراحة النفسية، وغير ذلك من الفوائد كاكتسابه الثروة اللغوية وطلاقة اللسان، ما يجعله لا ينسى ما حفظه، ويكون ذلك في وقت الصباح الباكر
- الحوار الجيّد مع الطفل ومناقشةُ أحواله اليوميّة يعزز الثقة بينه وبين الوالدين، ويعزّز الأمان والاستقرار
وأخيرًا – يا عزيزتي – عليكي الإكثار مِن الدعاء له بأن يُصلحَ الله أحواله كلها، وأن يُخلصه مِن العادات والسلوكيات غير المرغوبة، وأن يُعينك ووالده على تربيته وأخته التربيةً الصالحةً، حفظهم الله ورعاهم من كل مكروه وسوء، وبالله التوفيق .