هذه مشاركة من المستشار أ.د.مصطفى السعدني في إجابة أستاذة نانسي نبيل على صاحب مشكلة:
لسنا في زمن المعجزات:
مجرد استفسار
تتلخص معاناتي في صعوبة إيجاد صديقه فقد حاولت بشتى الطرق ولم أستطع أريد أن أعرف كيف أجد أصدقاء لي دون إسداء نصائح إنشائية في هذا الصدد لأنني أستطيع أن أكتب مقالا مبهرا في كيفية إيجاد صداقة والحفاظ عليها ولكني لا أريد كلام،
أريد طريقة واضحة أذهب إليها كي أجد أصدقاء صالحين
بمعنى آخر إلى أي مكان أذهب فقد واجهت كثيرا من الفشل في صداقات أساءت إليّ.
03/02/2007
رد المستشار
الأخت الفاضلة الأستاذة: نانسي؛ تحية طيبة وبعد
الصداقة من أسمى المعاني الإنسانية لمن يقدرها ويحافظ عليها، ويربأ بها عن الأغراض النفعية وتحقيق المصالح العاجلة، وليس من طرف واحد بل لابد وأن تكون علاقة تبادلية بين الطرفين أو أطراف الصداقة كلها، ولذا يعجبني المثل الشعبي: "صاحبك لا تشاركه ولا تناسبه"، ولقد أثبتت لي خبرتي في الحياة صحة هذا المثل ولو بعد حين من الصداقات المتينة القوية، رأيت بأم عيني صداقات أقوى من أخوة النسب تنهار على صخرتي الشراكة والنسب!!!.
المهم هو مدى تمسك كل طرف من أطراف الصداقة بالآخر، ومفهوم كل طرف لمعنى الصداقة ومتطلباتها كصديق وفي لصديقه. ولكن هنا وقفة لابد منها ألا وهي هل الإنسان مخلوق ثابت أم متغير من حيث الأفكار والسلوكيات والمشاعر؟!!
بالتأكيد نتفق جميعاً على أن الإنسان مخلوق متغير، والصديق إنسان; تنطبق عليه قوانين التغيير؛ وإذا حدث أن تغير صديقك عليك بما تطلق عليه أنت عدم وفاء أو بالعامية "عمل معاك بنط ندالة" فهو إنسان تنطبق عليه قوانين تغير البشر، وهنا تظهر براعة الطرف الآخر في تفهم الضعف الإنساني والتسامح والعفو هو المطلوب هنا ولكن بشرط ألا يصبح هذا الضعف البشري (الندالة) ظاهرة متكررة؛ فعندئذ أكسر على قلبك حجر، والفراق هو الحل الأمثل، وبلاها مثل تلك المعرفة ولا أقول عنها "صداقة"، فلا يستحق أن نطلق عليها مثل هذا اللفظ الكريم، بل هي مجرد "بيزنس" أو علاقة شغل أو مصلحة أو منفعة.
ولقد ذكرت أختي نانسي أن الصداقة كانت زمان مع الأنبياء وحواريهم، فلماذا أختي نانسي تنسين قصة سيدنا "حاطب بن أبي بلتعة" الصحابي البدري الجليل، والذي أراد سيدنا عمر بن الخطاب أن يضرب عنقه بعد أن أرسل رسالة لقريش مع امرأة تخبرهم بقدوم النبي صلى الله عليه وسلم بجيش كبير لفتح مكة، وأخبر سيدنا جبريل عليه السلام سيدنا محمد بأمر هذه الرسالة في آخر لحظة، وتم تدارك الموقف قبل أن يفتضح أمر جيش الفتح، فهل وافق نبينا الكريم المتسامح على ضرب عنق حاطب؟؟!!
لا لقد رفض وسامحه بعد أن اعتذر سيدنا حاطب بأنه لا ظهير له بين كفار قريش وأهله وماله بينهم!!، وهو عذر من السهل لأي شخص أن يرفضه وبلا ملامة، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم وكالعادة وضع قاعدة لنا وهي ألا ننسى ماضي الصاحب والصديق معنا، وألا ننسى لصاحبنا أياديه البيضاء السابقة علينا، ولا نكفر العشير عند أول خطأ يقع فيه الصديق أو الصاحب أو الصاحب بالجنب (يعني الزوج أو الزوجة، والله الله في أن تكون زوجتي صديقتي قبل علاقة الزوجية، والعكس صحيح تماماً)، فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: يا أهل بدر أفعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم"، الله الله ما أعظم خلقك، وما أوسع حلمك!!!، يا سيدي وحبيبي ومعلمي يا رسول الله؟؟!!.
وأزيدك يا أخت نانسي أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل سيدنا حاطب بعد هذا الموقف برسالة دعوة إلى الإسلام للمقوقس حاكم مصر في ذلك الوقت (علامة على استعادة الثقة التامة به وفيه)، ولم يرسل سيدنا عمرو بن العاص مثلاً وكان له خبرة كبيرة سابقة بمصر من خلال أسفاره، وكان السفير الرسمي لقريش في الجاهلية!!!.
أنتقل الآن لنقطة أخرى وهي ما هي أنواع الأصدقاء؟
يقول الخليفة المأمون: الأصدقاء ثلاثة، صديق كالداء وصديق كالدواء وصديق لا يستغنى عنه، أما الصديق الداء فأنت تحبه رغم قلة فائدته وعدم قدرتك الاعتماد عليه وقت الضيق، بل قد يسبب لك بعض المشاكل أحياناً، بالطبع دون تعمد أو قصد، فقد يكون "حلو الكلام قليل الإحسان;"، ولكن هذه طبيعته وإمكانياته المحدودة ليس معك فقط بل مع كل الناس هو كذالك، وهنا نقطة هامة ألا وهي أنك لا تطلب من صديقك ما هو خارج نطاق إمكانياته المادية والجسدية والنفسية، بل أطلب منه ما يمكنه القيام به وحسب.
أما الصديق الثاني فهو كالدواء بمعنى أنك تحتاجه في أوقات معينة غالباً ما تكون على فترات، هي غالباً ما تكون فترات ضعفك وحاجتك، وهذا الصديق بشهامته المعهودة لا يتأخر أبداً عن نجدتك إذا استنجدته رغم أنك قد تكون مقصراً أحياناً في وده ووصاله، ولكن هذا النوع من الجميل من البشر اعتاد أن يعطي دون انتظار مقابل فحافظ عليه وعلى وده وصداقته وقت اليسر لأنه الذي ينفعك وقت العسر والشدة، وغالباً ما يكون إرضاء هذا النوع من الأصدقاء بأقل القليل من الكلفة؛ فيكفيه مثلا أن تتصل به في المناسبات لتقول له كل عام وأنتم بخير أو تطمئن على أحواله كل شهر مرة!!، ونادراً ما يطلب منك شيئاً ولكن لو طلب طلباً فاحرص تمام الحرص على تنفيذ طلبه البسيط غالباً حتى تدوم لك مودته.
أما الصديق الثالث فهو الصديق الذي لا يُستغنى عنه، وهو السنيد الذي كثيراً ما يلزمك كظلك محبة ومودة، وهذه النوعية تزيد أثناء فترة المراهقة وريعان الشباب، ثم تخفت حدة هذه الصداقة مع التقدم في العمر، وبالتأكيد يكون هذا النوع من الصداقة في مرمى نيران الحساد وأهل الغيبة والنميمة والحقد دون أن يعرف الأصدقاء ذلك، ولنا في التاريخ الكثير من العبر عن النهايات الدرامية لهذا النوع من الصداقات أحياناً، وغالباً ما تكون النهاية على يد الحساد والحاقدين، وذلك رغم أنني أشعر أن هذا النوع من الصداقات يُعد من أمتع الصداقات للمتصادقين أنفسهم، ولكن هذا النوع من الصداقة يُستحب أن تكلله المحبة في الله حتى تستمر تلك الصداقة في الدنيا والآخرة، وتحت ظل الله عز وجل يوم لا يكون هناك ظل إلا ظله.... اللهم اجعلنا من المتحابين فيك وأظلنا بظلك يوم لا ظل إلا ظلك.... آمين.. آمين....
وفي النهاية أعدكم أن تجدوا مثل هذه المعاني وأكثر في كتاب تأكيد الذات.