السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
هل هناك علاج للكبر، فإذا كنت متكبرة ولا أستطيع التحكم في ذلك الشعور فهل هناك حلول عملية للتخلص من الكبر؟
والكبر ليس بسبب الثراء أو الجمال أو الذكاء أو حتى طريقة التربية فالأب والأم والإخوة ليسوا كذلك وليس هناك سبب سوى الجهل، وكل ما أعرف هو أنني كنت كذلك دائما حتى عندما كنت صغيرة كنت لا أثق بأي أحد وكنت أفكر دائما أنني الوحيدة على حق وكل الناس الآخرين مخطئين وذلك استمر حتى الآن.
والذي فعلته تجاه المشكلة، فأنا أحاول ألا أتصرف حسب هذا الشعور فعلى سبيل المثال: إذا شعرت أنني أقلل من شأن فتيات أخريات لسبب أو لآخر فإن شيئًا داخلي يقول لي لا يوجد سبب للشعور بذلك تجاه هؤلاء الناس فهم في النهاية ربما يكونون أفضل منك، لذلك أتصرف ضد أو عكس الإحساس بالكبر لكن الإحساس الداخلي مازال موجودا رغم تصرفي عكسه وأعني أنني ما أزال لا أحب أولئك الناس حتى لو حاولت ألا أفعل.
فهل هناك ما يمكن فعله للتخلص من هذه المشكلة لأنها فعلا مشكلة خطيرة؟
ولكم جزيل الشكر
27/12/2003
رد المستشار
الأخت الفاضلة....... الخائفة من الكِبْر، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
الكبر تضخيم للذات وتقليل من ذوات الآخرين، وينتج عن ذلك تشوهات خطيرة في الوظائف النفسية منها:
اضطراب في الإدراك: فالمتكبر لديه تشوهات في إدراكه حيث لا يرى الأمور في حجمها الطبيعي الموضوعي وإنما يراها من خلال تصوراته الذاتية لها وهذه التصورات غالبا ما تكون منحازة وبالتالي يصبح تقييم الأمور مضطربا وتأتي القرارات المترتبة على هذه الرؤية مضطربة أيضا.
اضطراب في التفكير: فالمتكبر لديه اعتقاد وهمي أنه الأفضل، وأن رأيه هو الصواب دائما، ومن هنا ينحصر تفكيره فيما يراه هو، ولا يستطيع الاستفادة من رؤى الآخرين، والنتيجة النهائية لذلك هي ضيق الرؤية وفقر الأفكار وتحيزها وتعصبها وعنادها وصداميتها وجمودها.
اضطراب في الوجدان: فالمتكبر لا يحب إلا نفسه ولا يثق إلا فيها، وبالتالي يصعب عليه أن يحب أحدا أو يثق في أحد، وهذا يجعله وحيدا شكاكا خائفا من الآخرين ومحتقرا لهم في ذات الوقت، ومتوقعا الشر منهم.
اضطراب في السلوك:ويظهر ذلك في صورة عناد وجمود وتصلب وتعالٍ على الآخرين واحتقارهم وعدم القدرة على التعاون معهم أو الاستفادة منهم، واتخاذ قرارات غير صائبة لأنها تكون دائما مبنية على تقديرات شخصية متحيزة وغير موضوعية كما أسلفنا.
وربما تزداد حدة الكبر فنرى الاضطرابات المرضية التي تتسم بجنون العظمة أو جنون الاضطهاد، حيث يشعر الشخص أنه أعظم من في الأرض أو أنه مبعوث العناية الإلهية لهداية البشر جميعا أو أن لديه قدرات خارقة لا يملكها أحد، أو أن الناس يتآمرون عليه ويكرهونه لغيرتهم الشديدة من نبوغه وتفوقه، وهذه حالات مرضية ذكرناها لنرى من خلالها الكبر في أعلى درجاته.
ولهذا نجد أن الأديان كلها كانت تحذر من الكبر وتدعو إلى التواضع، يقول تعالى:"تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ" صدق الله العظيم (القصص 83)، وقال تعالى:"إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ" صدق الله العظيم (لقمان 18)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة؟ قال: "إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس " صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم (رواه مسلم)، وبطر الحق دفعه وراده على قائله، وغمط الناس: احتقارهم.
والكبر سلوك مكتسب، فالطفل الذي يربى على أنه محور الكون وأن كل شيء رهن إشارته، ينشأ ولديه تضخما في ذاته يجعله ميالا للكبر، وعلى الجانب الآخر نجد أن الطفل الذي يعاني من قسوة شديدة في طفولته ينشأ ولديه مشاعر عدوانية نحو الآخرين تجعله ميالا إلى عنادهم واحتقارهم، ورؤية نفسه أفضل منهم كنوع من التعويض ورد الفعل للقهر الذي وقع عليه، وباختصار فان السمات النرجسية (في الطفل الأول) والسمات البارانوية (الزورانية) (في الطفل الثاني) تجعل الشخص أقرب إلى الكبر، وبما أنه سلوك مكتسب إذن يمكن تغييره بالبصيرة والمجاهدة المستمرة والصبورة والمثابرة.
وأنت أيتها الأخت الكريمة ربما لا تكونين متكبرة كما تعتقدين، وإنما أراك خائفة من الكبر وهذا خوف محمود، والدليل على أنك لست متكبرة هو إرسالك هذه الرسالة، فالمتكبرون لا يسألون عن شيء لأنهم (في نظر أنفسهم) يعرفون كل شيء، والآخرون في (نظرهم) جهلاء أغرار، ومع هذا فلا مانع من اتباع بعض الخطوات للتخلص من أي درجة من درجات الكبر نوردها فيما يلي:
1- البصيرة: فمعرفة الكبر خاصة في درجاته الخفية يعتبر من دأب الصالحين، خاصة وأن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ذم مثقال الذرة من الكبر وجعلها مانعا من دخول الجنة ويساعدك على ذلك القراءة المستمرة في الكتب الدينية عن ذم الكبر والمتكبرين، وعن مدح التواضع والمتواضعين، وعن جزاء هذا وذاك (ويمكنك الرجوع لرياض الصالحين) .
2- القرار: إذا اكتشفنا بذور الكبر في داخلنا فعلينا باعتبار تلك البذور مثل الحشائش الضارة وعلينا تمييزها والتخلص منها، وهذا يبدأ باتخاذ قرار لفعل ذلك، ويساعدنا في ذلك سماع رأي الآخرين فينا، وتقبل توجيهاتهم وانتقاداتهم حتى ولو كانوا أعداءنا فعين العدو أكثر حساسية لالتقاط العيوب.
3- التنفيذ: وهو الجانب السلوكي في العلاج ويتم ذلك من خلال المراقبة اليومية لمظاهر الكبر في التعاملات وتسجيل هذه المظاهر في كراسة خاصة بذلك، بحيث نستطيع رصد ومتابعة هذا السلوك في حياتنا اليومية بشكل كمي ونوعي، ونستطيع بالتالي معرفة نتائج جهودنا في تقليل هذا السلوك غير المرغوب فيه، ولكي يتم ذلك بفاعلية فعلينا أن نضع نظاما فعالا للثواب والعقاب، بمعنى أنه كلما وقعنا في سلوك يتسم بالكبر وقعنا على أنفسنا أي عقوبة، وإذا نجحنا في التغلب على أي مظهر من مظاهر الكبر كافأنا أنفسنا على ذلك، والعقوبات أو المكافآت يمكن أن تكون مادية أو معنوية أو الاثنين معا، المهم فيها هو الثبات والاستمرار حتى يتعدل السلوك.
4- المراقبة: وهي إما أن تكون مراقبة ذاتية، أو مراقبة بواسطة شخص آخر نحبه ونثق به لينبهنا إلى ما وصلنا إليه، لأن تقييمنا لأنفسنا غالبا ما يكون متحيزا إما بالسلب أو الإيجاب.
5- الدعاء: بحيث نتضرع إلى الله أن يزكي نفوسنا ويساعدنا على الارتقاء بسلوكنا، لكي نستحق رضاه وجنته.
** ويضيف الدكتور وائل أبو هندي، الابنة العزيزة، أهلا وسهلا بك وشكرًا على استشارتك الثرية التي تضيء صفحتنا استشارات مجانين، الحقيقة أن لدي إضافة واحدة تركها لي أخي الزميل الدكتور محمد المهدي، وهي إحالتك إلى إجابة سابقة على الصفحة تحت عنوان لعل فيها ما يفيدك: فينوس تقول: يقولون... ، ويقولون ! هل أنا مغرورة؟؟ وأهلا وسهلا بك دائما، وشكرا على ثقتك وتابعينا بالتطورات.