التصرفات السلبية (أنا والمجتمع!!)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أريد أن أشكركم أولا على موقعكم المتميز, الذي يجذب الزوار العرب إليه كل يوم
وأحترم كل جهودكم لمحاولة سد فجوة الجهل -قدر الاستطاعة-, إنني جدا أقدر عملكم هذا... أما بعد,
لدي طلب حل مشكلة أو (مشكلات) من أحد يراني
أنا فتي لدي رغبة قوية في أن أصبح أقوى (روحانيا وصحيا وماديا), من حيث أن اقترب أكثر إلى الله تعالى, ولكنني عندما -في أغلب الأوقات- أحاول إكساب عادة جيدا أو أن أترك عادة قبيحة أصاب ببعض الضعف, لا أعرف ما السبب هل هو حب (عدم التغير!)
صحيح إنني في كثير من الحالات استطعت أن أغير من تصرفاتي السلبية, على سبيل المثال توقفت عن التدخين منذ8شهور, صحيح أنني أحسست بالحرية بعدما أقلعت عن تلك العادة؛ إلا إنني أحس برغبة عارمة في تدخين سيجارة واحدة عندما أجد أحد أصدقائي، أقاربي أو حتى أحد من عامة الشعب يدخن أمامي (مع أنني أصبحت لا أطيق رائحتها) .وهذا ما يجعلني أسأل إلى أي مدي يمكن أن تؤثر تصرفات الأشخاص في بيئتنا المحيطة بنا على سلوكنا اليومي؟
وكيف أستطيع أن أتجاهل تصرف سلبي (إي أن لا أقلدها) وأن أكتسب العادات الحميدة التي تنفع بالشخص؟
أود أيضا أن استفسر عن مقولة قرأتها الدكتور محمد المهدي، يقول فيها "أن فكرة الانتحار تكون لها فترة حضانة تبلغ في كثير من الأحيان ثلاثة شهور، ويرسل الشخص خلالها إشارات تحذير لمن حوله"
ما هي فترة الحضانة؟، وأشكال إشارات التحذير؟، وهل يمكن للمحيط الاجتماعي أن يساعد على قتل تلك الفكرة أو حتى يدعمها؟؟
هذه مشكلتي واستفساراتي، أريد حلا!
ولكم جزيل الشكر.
10/03/2004
رد المستشار
عزيزي "سليم"
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لديك _ كما ذكرت– رغبة قوية في أن تصل إلى حالة من القوة الروحية والنفسية والبدنية, وهذه يمكن أن نطلق عليها إرادة الصلاح, وقد استطعت بتوفيق من الله أن توظف هذه الإرادة في التوقف عن التدخين, وهو عمل عظيم يعجز عنه كثير من المدخنين (رغم رغبتهم في التوقف), ولكنك تشعر في ذات الوقت أنك تتراجع عن هذا النهج في بعض الأحيان إما مدفوعا برغباتك الذاتية أو متأثرا بمن حولك, وقد ضربت مثلا لذلك برغبتك في التدخين ولو سيجارة واحدة في بعض الأحيان.
هذه يا أخي الحبيب هي طبيعة النفس كما خلقها وأرادها الله سبحانه وتعالى مهيأة للخير والشر ولديها ميول إلى كليهما, كما قال تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا*قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا*وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) صدق الله العظيم (الشمس 7-10), وهذه هي قصة البشر جميعا في حياتهم الدنيا وهذا هو ابتلاء الإنسان حيث أعطي القابلية والقدرة لفعل الخير أو الشر, وأعطي الحرية لفعل أيهما, وهو في النهاية يتحمل مسئولية خياراته أمام الله وأمام نفسه وأمام الناس.
وبناءا على هذه التركيبة نجد النفس البشرية في حالة تقلب بين الخير والشر من يوم لآخر بل من لحظة لأخرى, ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من قول: "يا مثبت القلوب ثبت قلبي على دينك", فهو يستعين بقوة الله على طبيعته البشرية المتقلبة بحكم تكوينها وبحكم استعداداتها على الرغم من أنه رسول معصوم ومؤيد بوحي الله وقد رأى من آيات ربه الكبرى ما يثبت فؤاده, إذن فمن باب أولى أن نتوقع شدة تقلب قلوبنا من لحظة لأخرى خاصة إذا تعرضنا لمغريات كثيرة تحيط بنا من كل مكان وتجعلنا في حالة تصارع دائمة بين دواعي الخير والشر في داخل نفوسنا وفي خارجها.
ففي داخل النفس توجد كيانات لها أهداف وتوجهات متضاربة فهناك _ طبقا للمدرسة التحليلية الفرويدية – ال"هو" بغرائزه ورغباته، وال "أنا" بنظرته الموضوعية والنفعية والتواؤمية, وهناك ال "أنا الأعلى" بما فيه من ضمير وقيم أخلاقية ودينية. وطبقا لمدرسة التحليل التفاعلاتي لإريك برن, هناك ذات الطفل (الباحثة عن الانطلاق والإبداع والتحرر من القيود), وهناك ذات الوالد (المهتمة بالقوانين والشرائع والأخلاق), وهناك ذات الراشد (المسئولة عن التوازن والموضوعية وتحقيق المصالح). وهذه الكيانات تتصارع فيما بينها, وبناءا على نتيجة هذا الصراع تكون مواصفات الشخصية حيث تتغلب أجد هذه الكيانات على الأخرى أو تتصالح وتتوافق أو تتعايش مع بعضها ومع الواقع... وهكذا.
فإذا أضفنا إلى هذه القوى الداخلية المتصارعة قوى خارجية يدعو بعضها إلى الخير وبعضها الآخر إلى الشر لأدركنا حجم ابتلاء الإنسان وعظم الأمانة التي حملها وأشفقت السماوات والأرض والجبال من حملها, وهذا هو محل ابتلاء الإنسان في هذه الحياة وبناءا على نجاحه أو فشله يتحدد مصيره إلى الجنة أو إلى النار, وهذه هي قصة الحياة باختصار.
وبناءا على ما سبق نتوقع أن الإنسان حين يختار طريق الخير وتتكون لديه إرادة الصلاح أنه سيرجح الخيارات الإيجابية الخيرة في أغلب أحواله, ولكننا لا نستبعد وقوع بعض الزلات من وقت لآخر مدفوعة بقوى داخلية ذاتية أو بقوى خارجية من شياطين الإنس والجن (وهم كثر). ولقد حسم رسولنا الكريم هذا الأمر بقوله "كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون", وهذا الحديث يعترف بالطبيعة البشرية في تقلبها وبالتالي يرفع عنها الحرج فيما لا تطيقه, ويطمئنها على إمكانية التطهر من أخطائها حين تضعف وتقع فيها.
والإنسان الذي يمتلك إرادة الصلاح نجده في حالة صعود (رغم زلاته العارضة) لأنه يكون من الذين "...... إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ"صدق الله العظيم، (آل عمران:135)، فهو كمن يلبس ثوبا أبيضا نظيفا وكلما لحقه وسخ هم بتنظيفه, وهذا هو الوضع الطبيعي, أما من يريد أن يحافظ على نظافة ثوبه مطلقا بأن يجلس في بيته (أو صومعته) لا يلقى أحدا فهذا وضع أقرب للرهبانية التي لا يحبذها الإسلام كدين عملي واقعي جاء ليصلح الناس والمجتمعات بشكل يناسب طبيعة بشريتهم ويحترم ويقدر لحظات ضعفهم ويبين الطريق للتطهر والصعود.
والسؤال الآن هو: كيف يكون الإنسان أو يقوي إرادة الصلاح لديه.....؟
والإجابة باختصار هي أن يكون لديه تصورات صحيحة عن طبيعة الحياة والموت والدنيا والآخرة, وأن يحدد خياراته بناءا على هذه التصورات التي جمعها من كل مصادر المعرفة (الوحي والمشاهدة لآيات الكون والتأمل والتفكر والاعتبار بتاريخ الأمم) ثم يقوم بتعزيز سلوكياته الإيجابية بكل وسائل التعزيز الممكنة (كالمكافأة المادية المباشرة لنفسه أو طمأنتها بوعد الله بالجنة والصحبة الطيبة المعينة على الخير والمشجعة له). وهذا وحده لا يكفي ولذلك لابد –كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم– من الاستعانة بالدعاء للتثبيت من الله الذي يملك هذه القلوب المتقلبة بطبيعة تكوينها.
وبما أنك مازلت في مقتبل عمرك وريعان شبابك فأمامك طريق متدرج للصعود إلى مراتب الصلاح, فربما تكون مشغولا في هذه المرحلة من العمر بتوفير حاجاتك الأساسية– وهذا من حقك– من وظيفة ومسكن وملبس وزوجة, ثم تأتي مرحلة تطمئن فيها على توفر هذه الحاجات فتنطلق بحثا عن حاجات عقلية أرقى (تحصيل المعارف والعلوم والمهارات العملية والاجتماعية) ثم تبحث بعد ذلك عن احتياجاتك القلبية (الإيمان الراسخ), ثم تصعد متطلعا إلى أشواقك الروحية.
فأنت تنتقل من احتياجاتك الجسدية إلى احتياجاتك العقلية إلى احتياجاتك القلبية وأخيرا إلى احتياجاتك الروحية حيث تسعى نحو وجه الله سبحانه وتعالى, وكل هذا يتم بالعمل والمجاهدة ومداومة التطهر من الذنوب والزلات بالتوبة النصوح.
والمنهج الديني الصحيح يمنح الإنسان البوصلة للاهتداء إلى الطريق لأن الإنسان بقدراته الذاتية ربما يصل أو لا يصل إلى الحق لذلك احتاج البشر إلى الرسل ليؤكدوا لهم صحة الطريق وليوضحوا لهم المسالك وينبهونهم إلى الزلات المحتملة وطرق توقيها والخلاص منها حين وقوعها.
والإنسان في بعض أحواله ربما يكون غارقا في شهوات جسده فيكون في حالة النفس الأمارة بالسوء, وعكسها أن يكون الإنسان ملبيا لنداءات روحه فيكون في حالة النفس المطمئنة, أما الوضع الأكثر وجودا في حياة غالبية البشر فهو التأرجح بين شهوات الجسد وتطلعات الروح, وهي حالة النفس اللوامة. وإرادة الصلاح –في حالة نشاطها– تدفع دائما إلى المستويات الأعلى نحو مراتب الإيمان والإحسان ونحو واحات النفس المطمئنة.
هذه هي إجابة السؤال الأول, أما عن السؤال الثاني بخصوص فترة الحضانة بالنسبة لفكرة الانتحار فهي فترة تطول أو تكثر حسب ظروف الشخص وتركيبته النفسية, ولكن وجد أنها في المتوسط حوالي ثلاثة شهور يقوم خلالها الشخص بإرسال رسائل استغاثة أو عتاب أو تحذير (مكتوبة أو شفوية أو عبر الهاتف) توحي لمن يفهمها بأن هذا الشخص على وشك ترجيح خيار الموت هربا من حياة لم يعد يحتملها.
ومن هنا نأخذ –كأطباء نفسيين– هذه الرسائل أو الإشارات مأخذ الجد ونحاول تقديم المساعدة الممكنة وتوجيه أنظار من يهمهم الأمر (فعلا) إلى هذه الرسائل لعلهم يفعلون شيئا قبل فوات الأوان.
ويضيف الدكتور وائل أبو هندي، الأخ السائل أهلا وسهلا بك، نعتذر لتأخرنا في الرد عليك ولا إضافة لدي بعد إجابة أخي الأكبر وزميلي الدكتور محمد المهدي إلا إحالتك لبعض الموجود على موقعنا مجانين عن الانتحار فانقر العناوين التالية:
مستقبلي ضاع...أريد الانتحار وما يرد ضمن قسم مقالات متنوعة :
الانتحار بين المرض والاختيار : الجزء الأول
الانتحار بين المرض والاختيار : الجزء الثاني
وأهلا وسهلا بك دائما فتابعنا بأخبارك.