الجاري في أنظمة الحكم منذ سالف الأزمان أن الذي في الحكم يوصي بالحكم لشخص ما بعد وفاته، وعادة ما يكون الشخص ابنا، وحالما يكتب عهد الولاية، فأنه كتب شهادة وفاته بيده، لأن ولي العهد سيتطلع إلى موته وسيتضجر من إطالة بقائه في الحكم، ويتعجل الجلوس مكانه، مما يعني أن ولي العهد سيتآمر على الذي عهد إليه بولاية العهد، وفي أكثر الأحيان فأنه سيلجأ إلى قتله بالسم أو بغيره، لكي يفوز بالسلطان ومغرياته.
وهذا ربما يفسر موت العديد من الخلفاء في أعمار قصيرة، فالقتل بالسم وغيره من الأساليب التي يتخذها ولاة العهد للتعجيل بالولاية. قد يقول قائل إنها علاقة أب بابنه، أو أخ بأخيه، والطبيعة البشرية لا تؤازر ذلك، بل أنها متوحشة وغابية، ولا تعرف أبا أو أخا عندما يتعلق الأمر بالسلطة والفرعنة، والاستحواذ على القوة والمال، وما يتصل بالسلطة من تطلعات وإغراءات. فالابن يقتل أباه، والاب يقتل ابنه، والأخ يقتل أخاه، وابن العم يقتل ابن عمه، فالدين والرب والمذهب والانتماء يكون للكرسي الذي سيجلس عليه ولو لوقت قصير.
ولو تدارسنا مسيرة الخلفاء في الدولة الأموية والعباسية والعثمانية وحتى في دولنا في القرن العشرين، لتبين بوضوح أن الأمر عندما يتعلق بالكرسي فلابد من القتل وسفك الدماء، والشك بأقرب الناس إليك. وفي الدولة العباسية على سبيل المثال، سنجد أن العلاقة ما بين أبناء بني العباس في أشد حالات العداء والتنافر بسبب الخلافة وولاية العهد، فكم خلع من ولاية العهد أخ أخاه، وكم تقاتلوا بسبب ذلك، وكم ذاقوا الوجيع والعذاب لأن لهم حق أو بعضه في الخلافة، وما أصاب هارون الرشيد والمتوكل والمعتز بالله، أمثلة أخرى.
إنها معركة غابية شرسة لا ترحم، ولا تعرف دينا وقيما وأخلاقا ومواثيقا، بل السيف هو الحاكم والسلطان، ومن لم يخنع ويخضع يعمل برقبته السيف عمله البتار. ولهذا تجد أن معظم الخلفاء ما أن يكتبوا عهدا بولاية العهد من بعدهم، حتى تراهم وكأن عليهم أن يغادروا مواقعهم، ويتركوها لمن عهدوا بها إليهم.
أي أنهم يجردون أنفسهم من القوة والقدرة على الحكم، ويفوضون ذلك لأولياء عهدهم الذين ستفعل فيهم أمارة السوء ما تفعله بأي بشرٍ كان مهما تصورنا غير ذلك.
وربما لن يدوم حكم معاصر، ويتحقق تطور ونهوض وطني شامل، في أنظمة حكم تعتمد ولاية العهد في حكمها!!
وذلك ما يوحي به السلوك البشري بطبقاته المتنوعة!!
فهل من تبصر وإدراك لمعنى الحكم؟!!
واقرأ أيضاً:
واجهة ومواجهة!! / الحرب والحياة!!