تتزايد كل يوم أسماء المرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية في مصر، والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن الآن: من هو صاحب الفرصة الأكبر بهذا المنصب الرفيع؟...
والإجابة على هذا السؤال تحتاج إلى سؤال آخر قبله وهو: على أي معيار سيختار المصريون رئيسهم؟، فالأمر في هذه المرة مختلف إذا وضعنا في الاعتبار أن الانتخابات ستكون نزيهة ونظيفة وحقيقية وليست كالتمثيليات الهزلية في العهود السابقة قبل ثورة 25 يناير، وأن المعايير في اختيار الرئيس قد اختلفت مع ظهور جيل الشباب الذي قاد الثورة وأحدث تغييرا في المفاهيم والآليات (على الرغم من محاولات تهميش هذا الشباب مرة أخرى).
والإجابة البديهية المرغوبة والمثالية قد تكون: "من يقدم برنامجا انتخابيا موضوعيا وواقعيا ويحقق طموحات الشعب بعد الثورة"... وهذا صحيح تماما، ولكن في الحالة المصرية، قد لا يكون الأمر كذلك نظرا للظروف التي مر بها المصريون ولتركيبتهم النفسية. فقد حكمهم مبارك ثلاثين سنة وهو يفتقد لأدنى متطلبات المنصب هو والعصابة التي أحاطت به، فسلبوا ونهبوا وأضاعوا مكانة مصر وهيبتها وأهانوا المصريين وقهروهم وعذبوهم وأمرضوهم وأفقروهم، ومن هذا المنطلق نتوقع أن يهتم المصريون في اختيارهم لرئيسهم القادم بمعيارين غابا عن مبارك وعصابته، وهما: الكاريزما والضمير، وفيما يلي إيجاز لمعنى هذين المعيارين وتأثيرهما في توجهات الناخب المصري:
1 – الكاريزما: وهي كلمة تعني سحر وجاذبية الشخصية وقدرتها على التأثير في الناس وقيادتهم. والشخص ذو الكاريزما العالية يتمتع بقدر كبير من الذكاء الوجداني والذكاء الاجتماعي، ويمتلك القدرة على تحريك مشاعر الجماهير وإقناعهم بما يريده من خلال اللعب على وتر المشاعر الوطنية أو الدينية أو غيرها. والشخصية الكاريزمية تعطي للناس شعورا بالقيمة والكرامة والشرف، وترفع من سقف طموحاتهم الشخصية والوطنية، وتحفزهم للحركة والصعود. وقد يكون هذا كله حقيقيا أو زائفا، ولكنه في الحالتين يكون مؤثرا، فكم من شخصيات كاريزمية قادت الناس لتحقيق أهداف عظيمة (غاندي ونيلسون مانديلا وعبد الناصر)، وكم من شخصيات كاريزمية قادت الناس إلى كوارث رهيبة (هتلر وموسيليني وستالين وصدام حسين).
والكاريزما المطلوبة في الظروف الحالية هي الكاريزما غير الطاغية إذ لا يحتمل الوضع الحالي زعيما كاريزميا ملهما يسير وراءه الشعب مغمض العينين ويسلمه مفاتيح القيادة ويذهب لينام وهو مطمئن أن زعيمه ملهم وقادر ويفعل الصواب دائما، ولكن درجة الكاريزما المطلوبة هي أن يبدو الرئيس ملء العين وأن يكون قادرا على حشد الجماهير لمشروعات النهضة بعد الثورة.
2 – الضمير: وهو كلمة جامعة لما يملكه الشخص أو يوحي به من قيم الاستقامة والنزاهة ونظافة اليد والصلابة الأخلاقية والالتزام بالثوابت الدينية وهذا ما نسميه الضمير الشخصي، ويضاف إليه الضمير الوطني بما يعنيه من تفاني في خدمة الوطن ومحافظة على مصالحه العليا والاعتزاز بالانتماء إليه ورفع رايته بين الأمم. والضمير مسألة مهمة لدى المصريين لأن أرض مصر شهدت مولد الضمير الإنساني، وهذا ما يتضح في كتاب "فجر الضمير" لجيمس هنري بريستيد، وعلى الرغم من ذلك فقد أطاح مبارك وعصابته بالضمير، وأوصل المجتمع على مدى ثلاثين سنة من حكمه المشئوم إلى حالة من تردي القيم ظهرت بوضوح للمراقبين المتخصصين وغير المتخصصين وعكستها دراسات محلية ودولية كثيرة أثبتت تهتكات شديدة في الضمير العام وتنامي للقيم السلبية في عهد مبارك. وليس أدل على ذلك من خضوع مبارك وأفراد أسرته وحاشيته وحكومته وحزبه بعد الثورة المصرية للمحاكمة بتهم التربح واستغلال النفوذ وإهدار المال العام. وإذا جئنا لضميره الوطني فقد أدانته الثورة بالتفريط في حق الوطن وتضييع ثرواته وإهدار كرامته وتسليم قراره للإرادة الأمريكية والإسرائيلية وتقزيم دوره.
ولذلك فسوف يصطف المرشحون الجدد أمام معياري الكاريزما والضمير ليختار الشعب من بينهم من يعيد إليه ثقته وحفاوته واحترامه لهذا المنصب الجليل (أو المفترض أن يكون كذلك)، وخاصة أن ثمة أزمة بين الشعب المصري وملوكه ورؤسائه في العقود الأخيرة انتهت نهايات مأساوية بدءا من الملك فاروق وجمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك، وهذا يشير إلى الحاجة لعقد جديد بين الشعب ورئيسه يضمن الأداء الجيد للرئيس والعلاقة السوية بينه وبين الشعب ثم النهاية الطبيعية لتلك العلاقة بعد انتهاء فترة الرئاسة حتى لا ينتهي مخلوعا بثورة أو مسموما أو مقتولا أو مسجونا أو مشنوقا.
وهناك صفتان بالنفي تضافان إلى المعيارين السابقين وهما:
٠ أن لا يكون الرئيس عسكريا أو ذو خلفية عسكرية، فقد عانت مصر على مدى ستين عاما من إخفاقات حكم العسكر.
٠ أن لا يكون مثل حسني مبارك الذي هب المصريون لخلعه بعد أن أذاقهم الأمرّين.
وهناك كتلتين تصويتيتين رئيستين في المجتمع المصري لكل منهما معايير مختلفة:
٠ الكتلة الأولى وهي الشباب (تحت سن الأربعين) وتشكل 65% من الناخبين، وهؤلاء لا يفضلون السلطة الأبوية للرئيس ولا يريدون زعيما، وإنما يرغبون في شخص أقرب للشباب يقوم بإدارة البلاد بطريقة ديمقراطية حديثة ويكون دوره أقرب إلى الميسر لعمل المؤسسات والسلطات، وهو يعيش بين الناس ويتحاور معهم، ويحقق بهم التغيير الثوري الجذري الذي يهدف إلى تحديث المجتمع ووضعه ضمن المنظومة العالمية في العلم والتكنولوجيا ورقي الحياة.
٠ الكتلة الثانية وهي الجيل القديم (فوق 40 سنة)، وهؤلاء سيفضلون رمزا أبويا كبير السن يثقون في قدرته على القيادة الحكيمة الهادئة بعيدا عن التغيرات المفاجئة.
وسوف تتوقف نتائج الانتخابات على التوازنات بين الكتل التصويتية المختلفة وإن كان مرجحا طبقا للنسبة العددية والحيوية التصويتية أن ترجح كفة الشباب وخياراته (ما لم تزور الانتخابات بأشكال مباشرة أو غير مباشرة).
والسؤال الآن: هل توجد مواصفات قياسية لشخصية الرئيس بحيث نقيم الشخص ونحدد مدى صلاحيته على أساسها، وحين نذهب إلى صناديق الانتخابات نختار على ضوئها؟؟
والحقيقة أنه لا يوجد شخص يمكن أن تجتمع فيه كل الصفات القياسية اللازمة لمنصب الرئيس ولذلك ذهب العقلاء من البشر (ومن قبلهم الأديان) إلى فكرة الشورى والديمقراطية وهى آليات تحد من انفراد أي شخص بالسلطة المطلقة وذهبوا إلى أفضلية حكم المؤسسات التي تستفيد من أكثر من عقل وأكثر من رأى وتحمى الشعوب من النزوات والتشوهات الشخصية لحكامه وتحمى الرعية من احتمالات التهميش والقهر والاستذلال، لذلك أصبح حكم الفرد جريمة إنسانية وجريمة سياسية لأنها تعرض شعبا كاملا لأن يكون تحت رحمة نقائص شخصية ومشكلات نفسية لفرد ينفرد بكل شيء دونما رادع حقيقي وموضوعي. وفى النظم الديمقراطية تكون للرئيس صلاحيات محددة تتكامل وتتناغم مع مؤسسات قوية أخرى تمنع الإنفراد بالقرار وتسمح بتصحيح الأخطاء وتعطى آليات مناسبة للوصول إلى أفضل القرارات بطريقة جماعية موضوعية ومنهجية، ومع هذا تبقى لشخصية الرئيس آثار مهمة على توجيه الرأي العام وعلى الوسائط الإعلامية، ولهذا يجدر بنا أن نذكر السمات القياسية العامة للرئيس المصري القادم:
1- هو شخص ينتمي لبيئته ولناسه عقيدة وثقافة وحبا وإخلاصا ولديه مشاعر إيجابية نحو ذاته ونحو شعبه ونحو ثقافته، ولديه شعور بالكرامة الوطنية النابعة من احترام الذات والثقة في قدرة الشعب على النمو والنجاح والانتصار.
2- مهيب الطلعة حسن السمت ممتلئا صحة وحيوية ورجولة، حسن الصوت، حي المشاعر
3- لديه منظومة أخلاقية تتسم بالصدق والأمانة والشجاعة والعدل ونظافة اليد وطهارة الضمير وتقبل الآخر والمرونة والقدرة على الصمود.
4- تدرج في ميادين العمل السياسي واكتسب خبرة ميدانية في التعامل مع البشر على مختلف توجهاتهم ومستوياتهم، وعاش الحياة اليومية بكل صعوباتها وتفاصيلها، ولديه خبرة كافية بمشكلات الناس ومعاناتهم.
5- لديه القدرة على سياسة البشر وشحذ هممهم وإطلاق الطاقات الكامنة لديهم بدافع من حبه وتقديره واحترامه لهم مع القدرة على تحمل أخطائهم والتسامح معهم كلما أمكن ذلك، ولديه الكفاءة لانتشالهم من مشاعر الهزيمة إلى آفاق النصر ومن هوة اليأس إلى ذروة الأمل، ومن حالة البلادة والسلبية واللامبالاة إلى حالة الدافعية العالية والفاعلية والحماس والإنجاز.
6- لديه رؤية استراتيجية وآفاق واسعة للتفكير والتخطيط والعمل على المدى الطويل مع معرفة عميقة بالأولويات والمسارات الرئيسية للعمل.
7- يملك القدرة على التفكير الابتكاري ويسعى نحو التغيير الإيجابي دون خوف وينتقل من مرحلة لأخرى بسلاسة ولا يتثبت أو يتشبث عند مرحلة خوفا أو ترددا أو طلبا للراحة والسلامة.
8- يملك شخصية مستقلة قادرة على التفكير النقدي ورؤية كافة الاحتمالات المطروحة ولذلك لا يخضع خضوعا أعمى لمن فوقه ولا يطلب الطاعة العمياء من التابعين له
9- لديه الشجاعة للاعتراف بأخطائه والتراجع عنها وتصحيحها وتحمل مسئولية نتائجها.
10- لا يستنكف عن التساؤل والاستفسار عما لا يعرفه مع الاستعانة الصادقة والحقيقية بكل صاحب خبرة بصرف النظر عن انتماءاته أو توجهاته .
11- صاحب شخصية واسعة الأفق تحتمل الخلاف والاختلاف وتتقبل كافة أطياف المجتمع وتتعامل معهم بمرونة واحترام وتعتبر أن الجميع مواطنون شرفاء يشاركون في المنظومة السياسية والاجتماعية بصرف النظر عن الاختلافات الشخصية بينه وبينهم.
12- يستوعب كافة الأبعاد والمستويات الحضارية والثقافية لشعبه ويدرك قيمة التاريخ والعلم والثقافة وقيمة العلماء والمفكرين وأثرهم في رقي الأمم.
13- لديه القدرة على المخاطرة المحسوبة من أجل النمو فالتغيير والنمو دائما يحتاجان المخاطرة المبنية على معطيات موضوعية.
14- لديه ذكاءا وجدانيا يجعله قادرا على الوعي بمشاعره دون إنكار ودون ادعاء ثبات كاذب، ويجعله قادرا على الإحساس بمشاعر الآخرين والاستجابة المناسبة لها، ويجعله قادرا على أن يحب ويحب، فالتابعين لا يتحركون بالبلادة الانفعالية للقائد وإنما يتحركون ويحفزون بالمشاعر الإيجابية الحية، فكلما كان مزاج القائد حيا ونشطا وإيجابيا كلما قلت الصراعات وارتفع مستوى الإنجاز.
15- صاحب خبرة روحية تمنحه صفاءا نفسيا وسلاما داخليا وحدسا صادقا وتطلعا نحو الخلود.
16- يختار مرؤوسيه على أساس صفاتهم الشخصية وقدراتهم ورؤاهم المستقبلية وميزانهم الأخلاقي وإمكاناتهم وقدراتهم، ويتعامل معهم على أنهم بشر، ولذلك يهتم بهم على المستوى الإنساني ويسعى إلى تطويرهم والتغير معهم وبهم للأفضل، فهم بالنسبة له موارد بشرية تصنع الأفكار والرؤى وبالتالي تصنع المستقبل.
17- يؤمن بأن التغيير هو أحد أهم القوانين في الحياة، ولذلك يصبح من مهامه الأساسية ويوجهه دائما في الاتجاه الإيجابي، فهو لا يتشبث بالسلطة لنفسه ولا يمكن أحدا من التشبث بها دون مبرر ويسمح للأجيال الجديدة أن تأخذ فرصتها بناءا على كفاءتها، ويساعد على النمو المرن والمتطور لمنظومات العمل بعيدا عن الجمود، وهو يشعر بالملل في حالة رتابة الأحوال وسكونها ويسعى نحو التغيير المبدع الخلاق.
18- لديه قدرة هائلة على الإنصات النشط لكل من حوله والتواصل المرن معهم دون تحيز أو استقطاب أو أفكار مسبقة.
19- نظرته للتابعين ملؤها الاحترام والتقدير فهم ليسوا أطفالا قاصرين أو رعايا يستحقون الحجر والوصاية، وإنما كبارا ناضجين وجديرين بالثقة والاحترام وتبادل الأفكار.
20- لديه حساسية دقيقة لقبول التابعين له فإذا وجد أنه أصبح ثقيلا عليهم أو أن وجوده أصبح غير مرغوب أو في غير صالحهم كانت لديه الشجاعة والقدرة على أن ينسحب بشرف من ساحة القيادة وأن يعود مواطنا عاديا يستمتع بحياته الشخصية والعائلية تاركا المسئولية لآخر يضطلع بها.
21- يتميز بأعلى درجات الصدق والأمانة والشفافية في تعاملاته، وسلوكه الشخصي والعائلي والعام وجدير بالاحترام والتقدير من تابعيه .
22- لا يمكث في السلطة العليا سنوات طويلة (تقدر في الديمقراطيات الحديثة بست سنوات) لأن ذلك يجعله بعيدا عن الحياة الطبيعية للناس نظرا لإحاطة تحركاته بقيود أمنية ونظامية صارمة، إضافة إلى ما تحدثه السلطة من تضخم في ذاته يجعله غير قادر على تحمل النقد أو المشاركة أو التفاعل، والذات المتضخمة تحمل الكثير من المخاطر لصاحبها ولتابعيه على السواء فهي مفسدة للجميع.
23- يستوعب كافة الأبعاد والمستويات الحضارية والثقافية لشعبه ويدرك قيمة التاريخ والعلم والثقافة وقيمة العلماء والمفكرين وأثرهم في رقي الأمم.
24- لا يتعلق بدور البطل المنقذ أو الأب المسيطر أو الحاكم المتحكم.
25- متوافق مع الفكر الثوري في التغيير.
26- متوافق مع معطيات العصر وأدواته التقنية الحديثة في التواصل والتأثير.
27- يؤمن بالعمل الجماعي ويفضله على البطولات الفردية.
28- له تجربة قيادة ناجحة في حياته، فالشعب لا يستدعي أحدا يجرب فيه مهاراته الإدارية والقيادية لأول مرة.
29- لديه القدرة على الاعتذار عن أخطائه والتراجع عنها.
30- لديه المرونة للتعامل مع سائر أطياف المجتمع.
31- يقف على مسافة متساوية من كافة الاتجاهات السياسية والاجتماعية.
32- صاحب إرادة حقيقية مستقلة.
33- صاحب مشروع قومي للنهضة.
34- قادر على الحلم ولديه خيال سياسي ناضج وطموح.
35- متوسط السن (عدم تجاوز سن الستين لتجنب مشاكل الشيخوخة).
36- يأتي من بين الناس وليس بدعم من قوى داخلية أو خارجية.
37- مدركا لقيمة مصر الجغرافية والتاريخية والحضارية.
38- مستوعبا للدور المصري في المحيط العربي والإفريقي والإسلامي والدولي.
39- يؤمن فعلا بالديمقراطية ويمارسها.
40- يمثل الهوية المصرية بدوائرها المتداخلة وطبقاتها الحضارية.
41- متواضعا يقود السفينة بسلام وهدوء وينظر إلى الناس أكثر مما ينظر إلى نجوميته أو زعامته.
42- ذو شخصية سوية بمعنى أن يكون خاليا من الاضطرابات النفسية وناضج عقليا وانفعاليا.
43- يحترم شعبه ويقدر ما لديه من ملكات وإمكانات ويسعى لتوظيفها والاستفادة منها.
واقرأ أيضاً:
القانون ليس حلاً/ دليل الحاكم المسلم: لحكم شعب مؤمن/ ..... لابد أنهم يحبون مصر جدا