عاتبني أحد الأفاضل المنتمين لجماعة الإخوان لقولي لفظة "خرفان" إذ لا يصح أن يخرج من شخص مثلي يدّعي الموضوعية ويُفترض فيه الالتزام بآداب الحوار مثل هذه الألفاظ. وعلى الرغم من اتخاذي قراراً منذ زمن بعدم الخوض في نقاش أو دفاع عما أكتب، ذلك لأني أعتقد أنه وكما أعطيت لنفسي الحق في حرية الرأي، فالآخر أيضاً له كل الحق ومطلق الحرية في رفض ما أقول حتى لو وصل الأمر إلى السباب إن وجد الآخر في ذلك ضرورة أو راحة له.
واعترفاً مني أيضاً بأن فهمي للموضوعية إنما يعني أني أدرك تحيزاتي وأدرك لأي مدى يمكن لها أن تتدخل فتؤثر فيما أقول إلى درجة يمكن معها في بعض الحالات وباستخدام المعادلات الإحصائية المناسبة استبعاد أثر هذا التحيز. هذا الإدراك لتحيزاتي يجعلني لا أتعامى عنها فأنكرها، فأجدني مثلاً أختم حديثي بجملة "على فكرة أنا بحب الإخوان"، على منوال "على فكرة أنا مش إخوان". أعترف أيضاً أنني عندما استخدمت لفظة "خرفان" لم أقصد بها إهانةة حيث أنها صارت داخل بعض الأوساط أقرب للمصطلح العلمي الذي يصف جماعة بعينها في حال سلوكها على نحو بعينه دون غيره، والسلوك الذي أقصده هنا هو الطاعة العمياء للمرشد. ولا يختلف الوصف عما هو عليه الحال لدىى باقي الفصائل من الجماعات الدينية فنجد سلطة أمير الجماعة أو شيخ الطريقة.
إن اللوم الذي ألقى به هذا الشخص الكريم عليّ جعلني أفكر بأسلوب أظنه علميا لأضع فكرة بحث، وقد ازداد إلحاح فكرة البحث عندي لما أجده بشكل متكرر من بعض أصدقائي المنتمين لجماعة الإخوان، فعلى الرغم من كونهم على درجات علمية رفيعة، وعندما نتناقش معاً في مسائل علمية أجدهم يتحلون بتفكير نقدي عالي المستوى، إلاّ أنهم وما أن يصل الأمر للجماعة وشئونها وقراراتها فأجدهم وكأنهم خشب مسندة، فأجدهم أشخاصاً غير الذين أعرفهم، فإذا بهم مصابون بالجمود والتصلب العقلي، وكأن التفكير النقدي قد أمسى من المحرمات حتى لو كان في أمور هي في وضوحها كوضوح الشمس.
أعود للبحث الذي أطرح فكرته هنا فأضعه في صيغة تساؤل يقول: "كيف يكون عمل الدماغ في حال الطاعة العمياء للقائد؟ بمعنى أي جزء من الدماغ يحدث له الكف عندما يتلقى الشخص أوامر من قائده الذي يطيعه طاعة عمياء؟"
ترى كيف تكون النتائج إذا أجرينا تجربة بحثية على مجموعتين من الأشخاص، الأولى تجريبية وتشمل بعض المنتمين لجماعة الإخوان والثانية تكون مجموعة ضابطة من الأسوياء غير المنتمين لهذه الجماعة أو لغيرها من الجماعات الدينية. لنطلب من المجموعتين الدخول في متاهة مثلاً، ويتم تسجيل كيفية عمل الدماغ لدى أفراد المجموعتين من خلال أجهزة رسم المخ الخاصة، إضافة إلى رصد التغيرات الكيميائية التي تحدث في المخ. ثم نعطي للمجموعة التجريبية أمراً كأن نقول "يقول المرشد قف هنا" أو "يقول المرشد تحرك يميناً"، على الرغم من إحتمالية أو وضوح خطأ هذا الأمر وعدم صوابه.
ونكرر نفس الأوامر مع المجموعة الضابطة مع عدم ذكر اسم المرشد طبعاً، ثم نرصد حينها لدى أفراد المجموعتين التغيرات التي تحدث في المخ، للتعرف على أي المناطق يحدث لها الكف في النشاط ونقارن النتائج بين المجموعتين. ولا مانع إن أمكن أن نضيف مجموعة ثالثة من الحيوانات التي تسير في قطيع خلف قائدها، للكشف عما هو متشابه في عمل الدماغ بين مجموعة القطيع والمجموعة التجريبية من جماعة الإخوان.
إذا أمعنا النظر في المتغيرات الوسيطة لهؤلاء المنتمين لجماعة الإخوان أو لأي من الجماعات الدينية المغلقة فسنلحظ أنهم يلتحقون بهذه الجماعات في سن صغيرة، وأعتقد أن هذا يساعد على تشكيل عمل الدماغ على نحو بعينه ليشكل نسقاً أطلق عليه مصطلح "السلوك الدماغي"، بمعنى حدوث تغيرات دائمة في أجزاء بعينها في المخ والتي تتشكل من خلال التكرار المستمر لسلوك الطاعة العمياء؛ فتكون نسقاً لعمل الدماغ، فيكون هذا النسق الدماغي انعكاسا فسيولوجياً للترابطات السلوكية المتراكمة والمتعلقة بطاعة المرشد، ويتم ذلك فقاً لمبدأ الترابط كما تقول به النظرية السلوكية.
يضاف أيضاً واحداً من أهم المتغيرات الوسيطة حسبما أتصور وهو أن أفراد هذه الجماعة يتزوجون من بعضهم البعض، فيأتون بأبناء هم بالضرورة منتمون لهذه الجماعة منذ نعومة أظافرهم. أعتقد بناءً على هذا أنه ستحدث تغيرات ثابتة في عمل الدماغ لدى هؤلاء الأبناء، ليتحول ما أشرت إليه من انعكاس في عمل المخ ليصبح أساساً فسيولوجياً لظهور سلوك الطاعة؛ فيكون هذا الأساس الفسيولوجي ما نطلق عليه مصطلح "السلوك الدماغي". أظن أيضاً أنه ستحدث عبر عدة أجيال من التناسل فيما بين الإخوان تغيرات جينية على نحو بعينه لنجد أنفسنا أمام ما يمكن أن نطلق عليه "السلوك الجيني"، بمعنى أن سلوك الطاعة لم يعد يحكمه فقط السلوك الدماغي ولكن أيضاً أصبح محكوماً بهذا السلوك الجيني الذي صار موروثاً.
وتبعاً لهذه الفرضيات من الإنعكاس الفسيولوجي إلى الأساس الفسيولوجي اللذان يشكلان "السلوك الدماغي" وانتهاءً بفرضية "السلوك الجيني" – مع مراعاة أنها جميعاً مجرد فرضيات تحتاج إلى دراسات للتحقق من صدقها - سيأتي سلوك هؤلاء الأحفاد بالطاعة العمياء للمرشد أو القائد بسهولة وبيسر أكثر مما كان عليه سلوك الآباء ويختلف عما هو عليه الحال قطعاً عن سلوك أقرانهم ممن لا ينتمون للجماعة. قد يصل الأمر لجواز تطبيق هذه الفكرةة على المجتمعات الأبوية التي تقوم على طاعة الأب أو شيخ القبيلة.
نؤكد ونكرر على أن هذه مجرد فرضيات تحتاج إلى الدليل العلمي لإثباتها ولكنها قد تعطي أيضاً في حال إثبات صحتها تفسيراً لانضمام كثير من المنشقين من شباب جماعة الإخوان إلى حزب أبو الفتوح. ذلك لأن الأمر في تصوري ليس أكثر من استبدال مسمى المرشد ليكون أبو الفتوح بدلاً من بديع، مع استمرار عمل الدماغ على نفس النحو من "السلوك الدماغي" الذي اعتادت عليه. وقد تفسر لنا هذه الفرضيات أيضاً سلوك بعض قيادات الأحزاب الجديدةة الذين انقلبوا على الجماعة فأنشئوا أحزابا مخالفة لفكر الجماعة كحزب الوسط مثلاً، ثم عادوا ليسيروا في ركب جماعة الإخوان ثانية. ولا يمكن بالطبع إغفال دور ما قد يحصلون عليه من معززات إيجابية وفقاً لمفاهيم سكنر (الوعود والعطايا من جماعة الاخوان).
قد يضعنا انشقاق هؤلاء عن الجماعة أمام تساؤل مؤداه: هل كان انشقاقهم عن الجماعة لخلاف فكري أم لخلاف تكتيكي، أوصلهم لتشكيل جماعات بديلة ليكون كل على جماعته مرشداً فيفرض تكتيكاته هو ولا يكون له من جماعته الجديدة سوى الطاعة والولاء. فالانشقاق الفكري عن الجماعة إنما يعني في تصوري إعمال التفكير النقدي لدي الشخص؛ ذلك النوع من التفكير الذي تسعى الجماعة إلى كفه في حال عمل المخ لدى العضو. فإذا لمم تستطع الجماعة كف هذا التفكير النقدي كان العضو مصيره الحتمي هو الانقلاب على الجماعة. وأعتقد أن خير نموذج لمن يحمل هذا التفكير النقدي هو ثروت الخرباوي القيادي المنشق عن الجماعة والذي دفعه التفكير النقدي إلى التفكير والتفكر ومن ثم الرفض لينتهي به الأمر إلى الانقلاب على الجماعة والخروج منها.
إن طرح فرضية علاقة التفكير النقدي بالخروج على الجماعة وعدم القبول بالسير وفقاً لسياسة القطيع تجعلنا نضع آلية العلاج التي يجب إتباعها مع المنشقين عن هذه الجماعات الدينية. فيجب إخضاع هؤلاء لبرامج من شأنها إنماء التفكير النقدي في موضوعات فلسفية تقترب مما يمكن مناقشته في أمور تناقش داخل الجماعة ويمكن دراسة تأثير هذه البرامج على التغييرات التي تحدث في عمل الدماغ للتيقن من انتقال أثر التدريب (انتقال تطبيق التفكير النقدي في موضوعات خارجية لموضوعات تخص فكر الجماعة).
هذه الآلية في العلاج هي ضرورية في عملية إعادة التأهيل النفسي للمنشقين عن الجماعة. على أن ينبني التأهيل على اساليب العلاج السلوكي التي تقوم على مبدأ إعادة التعلم حتى نصل إلى إعادة تشكيل إنعاكاسات فسيولوجية جديدة في الدماغ تسمح بتكون سلوك دماغي يساعد العضو المنشق على الاستمرار في التفكير النقدي وتركه لمبدأ الطاعة العمياء للمرشد. وهذا بدوره يساعد بعد عدد من الممارسة لسنوات أن تتحول الانعكاسات الفسيولوجية لتصبح أساساً فسيولوجي يساعد على تكوين سلوك دماغي جديد يدعم التفكير النقدي. قد تجعلنا أيضاً هذه الفرضيات القول بأن هناك أشخاص تعمل أدمغتهم على نحو يصعب معهم القبول بمبدأ الطاعة والولاء للمرشد وبأن يكون مجرد قطعة يحركها المرشد كيفما شاء، ليصل به الأمر أن يتمنى الموت على جماعة الإخوان، بدلاً من الموت على الإسلام.
أقرر في النهاية أن كل ما سبق مجرد فرضيات قد تحتمل الصواب بقدر احتمالها للخطأ، وأنها تحتاج لكثير من البحث العلمي لنتأكد من صحتها فنستفيد منها، أو يثبت خطئها فنعدل عنها.
15/12/2012
ويتبع >>>>>>>>: حكاوي القهاوي (126)
اقرأ أيضاً:
ثورة... ثورة.... حتى النصر / مبروك لمصر، ولكن المعركة طويلة / خبر مبارك المكذوب / حكاوي القهاوي
ويتبع >>>>>>>>: حكاوي القهاوي (126)
اقرأ أيضاً:
ثورة... ثورة.... حتى النصر / مبروك لمصر، ولكن المعركة طويلة / خبر مبارك المكذوب / حكاوي القهاوي
التعليق: ذكرني المنهج "العلمي" الذي استخدمه الكاتب بنفس منهج العالم الفذ الذي قرر بعد تفكييييير عمييييييق أن يبحث في حياة وسلوك الضفادع، فأحضر ضفدعاً وصرخ فيه "اقفز" فقفز الضفدع، ثم قطع قدميه وصرخ فيه "اقفز" فلم يستطع القفز، فتوصل العالم الفذ إلى أن الضفدعة حينما نقطع قدميها تفقد السمع!!!!!!،
حقيقة لم أجد ثمة منطق أبدأ منه حوارا راقيا في مقال بني على فرضية وهمية وسار بشكل يدعي العلمية والمنطقية في سلسلة من الاحتقار والتعالي على المختلف معهم ولو كان الكاتب يمتلك ولو قدرا ضئيلا من التفكير العلمي لما تحدث بهذه السذاجة التي يعتبرها علمية ليتخيل تجربة على من يخلبفهم تشابه التجارب على الحيوانات ثم يؤكد بكل صدق أنه لم يقصد أي إهانة.
بالتأكيد ليس الكاتب بحاجة للدفاع عما يكتب لسبب بسيط هو أن ما كتبه بالفعل لا يستحق عناء الرد أو المهاجمة.