لم تكن انتخابات الرئاسة المصرية مثالية بكل معنى الكلمة، ولم يكن وصول السيد محمد مرسي إلى القصر الرئاسي المصري مثيراً للقلق في الأوساط الغربية. آراء الصحافة والإعلام الغربي عن الإخوان المسلمين تعتبر مثالاً للاستقطاب Polarization بكل معنى الكلمة. هناك قطب يجمع الإخوان مع الإسلاميين المتطرفين ويصفهم بالدهاة في استغلالهم الظروف الاجتماعية والسياسية للوصول إلى السلطة، وأنهم لا يتورعون عن ممارسة التقية في أي زمان ومكان. يفرق هذا القطب الإخواني عن التيار الوهابي المهيمن على الخليج الذي شهد له التاريخ في المسير تحت الراية الأمريكية، ويصفه بالسذاجة والتصلب في التفكير.
أما القطب الآخر فيصف الإخوان بأنهم عملاء للغرب ولا حاجة للقلق منهم. ترى هذا القطب يتطرق إلى سيرة طارق رمضان. في عام 1953 استضاف دوايت أيزنهاور مجموعة من المسلمين الأجانب، ومنهم سيد رمضان (1926-1995)، وكان يومها زعيم الإخوان المسلمين، وهو والد طارق رمضان.
كان هدف اللقاء جمع الصفوف ضد الاتحاد السوفيتي، وبعد ذلك تم إدراج سيد رمضان على لائحة مرتبات وكالة المخابرات المركزية. أشار تالكوت سيلي، الدبلوماسي الأمريكي وقتها بإن الإسلام سيلقي بوزنه المضاد للشيوعية. كذلك تشير الوثائق الرسمية إلى أن مؤسس حركة الإخوان المسلمين، السيد حسن البنا (1906-1949)، والذي هو جد طارق، قد تلقى مساعدات من ألمانيا النازية وكانت له لقاءات عدة في القاهرة مع الدبلوماسيين الأمريكيين الذين تولد لهم انطباع حسن حول الحركة وأهدافها. يقال كذلك أن البريطانيين بدورهم عرضوا مساعدات مادية على حسن البنا وحركته. باختصار فإن الحكومات الغربية لها تاريخها بدعم الحركات الإسلامية، العمل معهم، وإسنادهم.
أحدث وصول الإسلام الشيعي إلى الحكم في إيران تغييراً في السياسة الأمريكية الخارجية لمنطقة الشرق الأوسط. اتصفت الثورة الإيرانية بالثورية السياسية والاجتماعية وتحالف رجال الدين مع العلمانيين الذين هم بدورهم تأثروا بتعاليم علي شريعتي الثورية. استغل رجال الدين انشغال الشارع الإيراني بالحرب العراقية الإيرانية، ونجح آية الله الخميني في الحصول على ثلاثة أرباع الأصوات لثبيت دستور إسلامي خلال هذه الفترة العصيبة. تمت تصفية النصف الثاني من الثوار واستقر الأمر على رجال الدين الذين يتذكرون فشل مصدق عام 1953 ويفتخرون بتجارب ثورية منذ بداية العقد الأول من القرن العشرين أيام أزمة التبغ الإيراني.
رغم ذلك كان الرأي الغربي السائد أن الإسلام الشيعي غير الإسلام السني وأن الخطر الوحيد مصدره إيران. بنت إيران ترسانة عسكرية لا يستهان بها ولم يحدث تغير ملحوظ على سياستها تجاه الغرب رغم شدة الحصار الاقتصادي عليها. رغم بروز التيار الإسلامي مع الربيع العربي فإن الرأي السائد أن الإسلام السني يعتبر الإسلام الشيعي أكثر عداوة له من جميع الأديان.
تغير الأمر مع حلول عطلة عيد الميلاد قبل أسبوعين وزيارة أقوى رجل في إيران بعد آية الله خامنئي للقاهرة وهو قاسم سليماني. يشرف الأخير على أعمال جميع المليشيات التي تتلقى العون من إيران وعلى رأسها حزب الله وحماس. ذاع صيته أيام هجوم الجيش العراقي على مدينة البصرة للتخلص من جيش المهدي وتتضارب الآراء حول دوره في تصفية من يصفهم البعض بالهواة من المقاتلين الغير الملتزمين خلاف مليشيا حزب الله. لا يميل إلى الإكثار من التصريحات العلنية، ويتهمه الكثير بالتخطيط لعدد من الاغتيالات. سخر الكثير من النقاد من اتهام الإدارة الامريكية له ولمؤسسته في التخطيط لاغتيال سفير السعودية في الولايات المتحدة، ووصفت ذلك بعض الصحف العالمية بأنها تمثيلية للمخابرات الأمريكية والسعودية لا تصلح حتى لعمل فيلم في هوليود.
يتصور البعض أن توقيت الزيارة أيام أعياد الميلاد نجح في صرف الأنظار، وأن لقائه مع الحداد وغيره من المسؤولين من الإخوان هو النصيحة والتخطيط لبناء جهاز سري أمني بعيداً عن الجهاز الرسمي الذي لا يزال تحت سيطرة الجيش المصري. لم ينكر بعض أعضاء مكتب الإرشاد أن الحكومة المصرية هي التي وجهت الدعوة، وأن الغاية من الزيارة هو توجيه رسالة إلى أمريكا للكف عن الضغط في تحديد مسار السياسة المصرية الخارجية.
لا شك أن الإخوان ومرسي قد ضاقوا ذرعاً من عدم تعاون الجهاز الأمني معهم والمعروف بولائه لعهد مبارك، وربما كان هذا السبب في التوجه نحو إيران التي بنت جهازاً استخبارياً أشد فعالية من جهاز السافاك أيام الشاه. رغم أن مرسي تعهد باحترام الاتفاقيات الدولية مع إسرائيل، ولكن تصريح أحد الإخوان أن لا وجود لإسرائيل بعد عشرة أعوام لا يبعث على الطمأنينة في الإدارة الأمريكية التي يتهمها البعض بأنها ضعيفة في مواقفها وأنها قد ضاقت ذرعاً بالشرق الوسط ومشاكله.
مصر لها قدرة بشرية وتقنية لا تختلف كثيراً عن إيران وثورية الإخوان لا تختلف كثيراً عن ثورية من هم في ايران، وووصول الإخوان إلى السلطة وإقرار الدستور لا يختلف عن ما حدث في ايران.
لا أحد يعلم ماذا ينتظر مصر وماذا تنتظر مصر من العرب والغرب. رغم أن قيام جمهورية مصر الإسلامية احتمال بعيد ولكن لا أحد يتوقع رحيل الإخوان من القصر الرئاسي المصري قريباً.
المصادر:
1- التايمس اللندنية تطرقت بالتفصيل إلى زيارة سليماني اليوم الثامن من يناير.
2- هناك العديد من الدراسات حول الإخوان بالإنكليزية منها الإخوان وأعباء التقاليد لأليسون باركيتر ولكن أوضح إشارة إلى علاقتهم مع الغرب ظهرت في كتاب جامع في ميونيخ لاين جونسون وهذه صورته على اليسار.
واقرأ أيضاً:
نظريات الثورات العربية ومقولة ابن خلدون 2012/ حلم ورؤيا من التراث إلى العلم/ سلطان هذا الزمان بين مرسي وسيرة عثمان