مقدمة
في عام 1998 تم تحويل سيدة عمرها 31 عاما اعترفت لزوجها أنها لم تشعر أبداً بالإرجاز أثناء الجماع رغم الإثارة الجنسية على عكس العزف على البيانو. استغرب زوجها من حديثها، وأشار عليها بمراجعة طبيب العائلة الذي بدوره أشار عليها بمراجعة استشاري في الأمراض النفسية، وكان تشخيصه الأولي بأنها مصابة بمرض ذهاني أو وجداني تحدثت عن تجربتها لأول مرة بعد جلوسها على المقعد لعزف مقطوعة موسيقية: "بدأت بالعزف بعد جماع لم يطل أكثر من عشرة دقائق... شعرت بأني أسيرة مشاعر أشبه بالخليط من الإثارة الجنسية والمعرفية أصابتني رعشة في كل جزء من أجزاء جسدي... عرفت لأول مرة ما هي السعادة... كان شعوراً لم أصدقه حينه... شعورا عظيما بالحب والإحساس لأول مرة بأني صحوت من غفوة طال أمدها" كانت امرأة طبيعية.
مصطلح وتعريف
مصطلح الإرجاز في اللغة العربية وغيرها لا يحيطه إلا شيء واحد وهو الغموض هناك عدة أسباب لهذا الغموض وأولها أن السلوك الجنسي بحد ذاته هو مسألة خاصة رغم التغير الذي حدث في المفاهيم البشرية حول ضمير الإنسان والقوانين الأخلاقية وعقاب البشر بسبب سلوكهم الجنسي، استلم الذكور على مر العصور تعريف هذا المصطلح للرجال أولاً وبعده للنساء وهناك العشرات من هذه التعاريف التي لا يصعب التحري عنها التعريف العام هو: الإرجاز هو عملية التفريغ المفاجئ للتوتر الجنسي الذي يتراكم خلال مرحلة الإثارة الجنسية، ويصاحبه تقلصات عضلية إيقاعية في منطقة الحوض والإحساس المتعة.
هذا التعريف يتلاءم مع المفهوم العام لعملية الإرجاز ولكنه في عين يعاني من ضعفين:
1- الضعف الأول يتمثل في أنه لا يوضح دور الجهاز العصبي المركزي والمحيطي في عملية لها أبعاد عصبية، نفسية، وكيمائية كذلك يخلو هذا التعريف من البعد العاطفي المصاحب للعملية الجنسية والذي يفرق بين العملية الجنسية وبقية العمليات الغريزية الأخرى مثل الأكل والنوم وغيرها.
2- التعريف يسهل تطبيقه على عملية إرجاز الرجل دون المرأة.
العملية الجنسية للرجل واضحة، وهناك عصب واحد يدعى بالعصب الظهري للقضيب الذي يحمل في أليافه أعصابا حسية، ومستقلة، وتؤدي الإثارة الجنسية إلى الانتصاب وتدريجياً تحدث عملية القذف المصاحبة للإرجاز هذه العملية المبسطة في تعريفها للرجل لا تنطبق على المرأة5.
لا يوجد اتفاق حول طبيعة الإرجاز للمرأة8. من جراء ذلك ترى مصطلحات الإرجاز الأنثوية مركبة فهناك من يستعمل مصطلح الإرجاز المهبلي Vaginal Orgasm وهناك من يصر على أن عملية الإرجاز للمرأة لا تتم إلا عن طريق البظر ويستعمل مصطلح الإرجاز البظري Clitoral Orgasm من جراء هذا الارتباك في المصطلحات وتعريفها وولع الإعلام الصحفي من خلال عمل الاستفتاء بعد الآخر، تولد بعض الشك عند الكثير من النساء حول معنى الإرجاز.
أما الارتباك الأكبر في إرجاز النساء فهو يرجع إلى مفهوم ما يعرف بنقطة كرافينبرغ4 والمعروف باختصار نقطة ج أو G Spot ويمكن تتبع هذا المصطلح الذكوري الأصل إلى بداية القرن السابع عشر حيث تصور بعض الباحثين بأن هناك منطقة في الجدار الأمامي للمهبل (6 سم من فتحة المهبل) التي تتحمل مسؤولية الإثارة الجنسية والقذف للمرأة. بعبارة أخرى تم تشبيه العملية الجنسية للمرأة بعملية الرجل ولا يزال هذا المفهوم المرتبك شائعاً حتى يومنا هذا1. يدعي البعض وجود نسيج قابل للانتصاب في هذه المنطقة وأنه مشتق من البظر. رغم ذلك فإن آخر الأبحاث المتعلقة بهذه المنطقة لم تثبت وجود خلايا عصبية فيها. تتميز جميع هذه الأبحاث بأنها تفتقد إلى الدليل العلمي القاطع وأن وجود هذه المنطقة والإحساس بها ذاتي غير موضوعي.
على ضوء ذلك من المفضل عند الحديث عن العضو الجنسي للمرأة أن يتم استيعاب المنطقة المستقبلة للإحساس والإثارة الجنسية كمنطقة واحدة9. هذه المنطقة تحتوي على مناطق فرعية متعددة يتم تغذيتها بعدة فروع من عصب الحوض عكس الرجل الذي يمتلك عصباً واحدا يغذي ظهر القضيب. هذه المنطقة في المرأة يمكن تعريفها بالمهبل أو الغمد Vagina لكون هذا الجزء الأكبر فيها. من هذا الغمد تبدأ عملية الإرجاز وتنتهي في الجهاز العصبي المركزي.
في المقال السابق كان النقاش حول الاستقبال والترحيب الذي يبدأ في مخ الإنسان بعد إرسال المعلومات من الفص الجبهي إلى المهبل أو الغمد. أما الإرجاز فيبدأ من الغمد أو المهبل وينتهي في الفص الجبهي.
مراحل الإرجاز
يمكن تتبع عملية الإرجاز على ثلاثة مراحل:
1- مرحلة الإحساس الجنسي الموضعي.
2- مرحلة الإفراز الكيمائي في المناطق أو الهياكل التحت القشرية في الدماغ.
3- مرحلة الوعي والتنظيم في القشرة المخية الجبهية.
يمكن تصور هذا المسار باتجاهين من الأعلى إلى الأسفل وبالعكس الطريق الأول من الأعلى إلى الخلف يحضر المرأة للنكاح ويبدأ من الفص الجبهي، وفي المحطة الثانية يتم الـتأثير على الجهاز العصبي المستقل ليرسل الإشارات اللازمة عبر أعصاب الحوض والتي بدورها تؤدي إلى احتقان البظر والمهبل مع إفرازات موضعية.
بعد أن يتم الاتصال الجنسي الموضعي تبدأ عملية إرسال الأحاسيس الموضعية الجنسية بصورة مستمرة ومنتظمة طوال فترة الاتصال الموضعي، عبر أعصاب الحوض الحسية. هذه الأحاسيس بدورها تصل إلى مناطق الدماغ التحت قشرية وهناك يتم إفرازات ناقلات كيمائية خاصة توصل الإحساس والشعور بالإرجاز إلى أكثر مناطق المخ تطوراً وهي القشرة المخية الجبهية.
الإحساس الجنسي الموضعي:
تختلف المرأة عن الرجل من ناحية التجهيز العصبي للمناطق الجنسية والذي هو أكثر تعقيداً وتطوراً من الرجل الحقيقة الأخرى وهي أن المرأة قادرة على الوصول إلى الإرجاز عدة مرات (متعددة الإرجاز Multi-orgasmic) خلال عملية النكاح هذه القاعدة الأخيرة لا تقتصر على امرأة دون أخرى5.
هناك فرع عصب حوضي واحد من ظهر القضيب عند الرجل أما المرأة فهناك عدة فروع من البظر وعلى امتداد المهبل بالإضافة إلى مناطق المحيطة بهما. يضاف إلى ذلك فإن كثافة الفروع العصبية موضعياً قد تختلف من امرأة إلى أخرى. عبر هذه الأعصاب يتم انتقال الإحساس الموضعي من هذه المناطق بصورة مستمرة أثناء عملية الجماع وخاصة من المهبل الذي هو أكثر تطوراً من البظر7.
إن الإحساس المنتقل عبر عملية جماع من المناطق الجنسية الخارجية للمرأة تختلف عن الأحاسيس المنتقلة عبر ممارسة العادة السرية التي تتم عادة عن طريق مداعبة البظر ولهذا السبب فإن عملية الإرجاز التي تحس بها المرأة عبر ممارسة العادة السرية تختلف عن الإرجاز التي تشعر بها أثناء ممارسة عملية جنسية اختراقية.
رغم أن أعصاب الحوض الحشوي Pelvic Splanchnic Nerves تغذي المهبل والبظر والدبر ولكن الإحساس المتولد من المنطقة الأخيرة يسيطر عليه الألم عكس ذلك الإحساس المتولد من الغمد الخالي من الألم قد يستمتع الرجل من الجماع من منطقة الدبر ولكن من الصعب القبول بأن هذه العملية المؤلمة تنتهي بأي شعور بالإرجاز عند المرأة.
مرحلة الإفراز الكيمائي
يلعب الجهاز العصبي المستقبل دوره في مرحلة الاستقبال والترحيب ويرسل المرأة إلى حالة متغيرة من الوعي Altered State of Consciousness كذلك الأمر أثناء العملية الجنسية وخاصة في مرحلة الإيلاج أو الجنس الاختراقي، ولكن في هذه المرحلة تلعب الناقلات الكيمائية العصبية دورها في الهياكل التحت القشرية في الدماغ.
من خلال تحفيز الجهاز العصبي المستقل يتم:
1- تغير في سرعة التنفس والتي تساعد على استهلاك الأوكسجين.
2- زيادة سرعة دقات القلب وضخ الدم إلى المهبل والبظر.
3- زيادة في تزييت أو تزليق المَهْبِل Vaginal Lubrication .
هذه التغيرات الثلاث تؤدي إلى تقلص العضلات وعملية الإفراج أو التحرير المصاحبة للإرجاز Orgasmic Release مع هذا الإفراج يتم الإفراج عن ثلاثة ناقلات كيمائية تلعب دورها في عملية الإرجاز وهي:
1- الدوبامين Dopamine .
2- الأوكسيتوسين Oxytocin .
3- الإندورفين Endorphins .
الإندورفين هي مواد أفيونية ذاتية تعمل كنواقل عصبية يتم تحضيرها وإنتاجها من الغدة النخامية وتحت المهاد (الوطاء Hypothalamus ) أثناء ممارسة الرياضة، الإثارة، والألم، والنشوة، وتؤدي إلى إنتاج وعي متغير وشعور الرفاه لكن هذا الشعور والنشوة الطبيعية لا تثبط من وعي الإنسان ولا تعزله عن واقعه عكس الأفيون الذي يستعمله الإنسان والذي يؤدي ليس إلى الإدمان فقط وإنما إلى تحطيم شامل لعقل الإنسان وكيانه.
أما الأوكسيتوسين فيمكن أن نسميه بمادة الحضن Cuddle 6 ، وهو هرمون نخامي عصبي يمكن اعتباره كمعدل عصبي في الدماغ، الأوكسيتوسين يلعب دورا في التكاثر الجنسي، وخاصة أثناء وبعد الولادة. يتم تحريره بكميات كبيرة من انتفاخ عنق الرحم والرحم أثناء المخاض، ويساعد على تسهيل الولادة يتم إفرازه بعد تحفيز الحلمة والرضاعة الطبيعية، وكذلك يتم الإفراج عن هذا المعدل الكيمائي أثناء الإرجاز، والدراسات الحديثة أثبتت أن لمادة الحضن أو الحب دور هام في مختلف السلوكيات، بما في ذلك النشوة، والاعتراف الاجتماعي وتقوية الروابط الزوجية، والقلق، والسلوكيات الأمهات ولهذا السبب، يشار إليها أحيانا باسم "هرمون الحب". كذلك أثبتت الدراسات أن هناك من البشر غير القادرين على الارتباط العاطفي والاجتماعي من يعانون من اضطراب في مستقبلات مادة الحضن في الدماغ، وإن كان من الصعب الجزم إن كان ذلك السبب أو أن الحالة ناتجة من سلوك اجتماعي يتصف بالعداء.
أما الناقل الكيمائي العصبي الرئيسي في عملية الإرجاز فهو الدوبامين Dopamine يتم إفراز هذا الناقل الكيمائي العصبي في الكثير من الفعاليات البشرية المتعلقة بالاندفاع والشعور بالمكافأة من خلال التعلم2. يساعد الدوبامين المرأة أن تكون أكثر فعالية واندفاعاً وتتخلص من هذا التردد الذي يصارعها أحياناً في الحياة، ويرفع من ثقتها بالنفس والاستعداد بالشعور بالمتعة كل ذلك يتم عندما ترسل هذه الأعصاب إشارتها إلى الفص الجبهي للدماغ.
قد تختلف المرأة عن الرجل في تفاعلها أثناء عملية الإرجاز ترى إفراز الدوبامين يهبط إلى الحضيض عند الرجال بعد الإرجاز على عكس المرأة من المحتمل أن يكون إفراز هذه المادة لا يهبط بنفس السرعة عند النساء مما يفسر قابلية المرأة على الوصول عدة مرات إلى مرحلة الإرجاز.
مرحلة الوعي والتنظيم في الفص الجبهي:
الإرجاز هي مرحلة من الشعور بالنشوة يمكن تعريفها بحالة من الوعي الخارق الذي يتفوق على أي حالة من حالات الوعي التي يشعر بها الإنسان هذه المرحلة من الوعي يتم نقلها عبر الأعصاب التي تربط الهياكل التحت القشرية3 بالفص الجبهي، والتي تم تحفيزها بمختلف الناقلات الكيمائية التي تم سردها أعلاه:
۰ الدوبامين والشعور بالقوة والثقة والكبرياء.
۰ الأوكسيتوسين والشعور بالحب والارتباط.
۰ الإندورفين والشعور بالبهجة واللذة والمتعة.
في الفص الجبهي يتم وضع وخزن وتنظيم كل ذلك بإطار نسميه أحيانا:
۰ عواطف.
۰ أفكار.
هذه الأفكار والعواطف هي ما نسميه الحب بين امرأة ورجل إرجاز المرأة أكثر تطوراً من إرجاز الرجل وهنا يكمن سر إخلاصها وتفانيها في علاقة مع رجل نجح في سد احتياجاتها العاطفية والجنسية وأخلص لها.
العودة إلى البيانو:
تركها زوجها وأحبت غيره بعده تغيرت حياتها العاطفية والجنسية وكتبت: "لا أحتاج الآن إلى نغمات الموسيقى لأنعم بإرجاز من الدرجة الثانية... بعد ما اكتشفت روعة هذا الإحساس مع زوجي تغيرت الدنيا وأصبحت أكثر ثقة بنفسي وبجمالي ومهنتي... رسمت خريطة الحب بألوان زاهية وأحملها في أعماقي دوماً... وأشم عطور الحب في كل مكان... وأقول لكل الناس عليكم بالحب".
كلمات لو قرأتها بكاملها لرأيت وصف المرحوم مرسي جميل عزيز في الجزء الأخير من قصيدة ألف ليلة وليلة وتعبيره لمعنى كلمة الحب.
المصادر:
1- Alexander, Brian (2012). "Does the G-spot really exist? Scientists can't find it". MSNBC.com.
2- Bjorklund A, Dunnett SB (2007). "Dopamine neuron systems in the brain: an update". Trends in Neurosciences 30 (5): 194–202.
3- Flaherty, A.W, (2005). "Fronto-temporal and dopaminergic control of idea generation and creative drive". Journal of Comparative Neurology 493 (1): 147–153.
4- Janssen, D.F. (October 2002). "Volume II: The Sexual Curriculum: The Manufacture and Performance of Pre-Adult Sexualities.". Growing Up Sexually – The Sexual Curriculumm.
5- Judith Horstman (2011).The Scientific American Book of Love, Sex, and the Brain: The Neuroscience of How, When, Why, and Who we love.
6- Lee HJ, Macbeth AH, Pagani JH, Young WS (June 2009). "Oxytocin: the great facilitator of life". Prog. Neurobiol. 88 (2): 127–51.
7- Levin, Roy J.; Gorm Wagner (1985). "Orgasm in women in the laboratory—quantitative studies on duration, intensity, latency, & vaginal blood flow". Archives of Sexual Behavior14(5): 439.
8- Mah, Kenneth; Binik, Yitzchak M (2001). "The nature of human orgasm: a critical review of major trends". Clinical Psychology Review 21 (6): 823–856.
9- Wolf, Naomi(2012). Vagina, A New Biography. Hachette Digital. London
واقرأ أيضاً:
الماء والنساء ماء المرأة في الإرجاز مشاركة / الحياة الجنسية للمرأة: مرحلة القبول والترحيب / أبعاد نفسية لعلاقات زوجية / رجل وامرأة وآذان صاغية / المرأة والرجل على الميزان
التعليق: شو يعني المقصود بمصطلح الإرجاز الذي ورد في المقال