الشكوى من الأرق شائعة جداً ومن الصعب أن تسمع أحد يصرح بأن نومه في غاية الروعة ولا يشكو منه على مدى 30 يوماً وربما سبعة أيام. هناك أيضاً الكثير من البحوث العلمية التي تعنى بالنوم منها سريرية بحتة أو في غاية التقنية. أما في الممارسة المهنية فهناك الكثير من المستشفيات التعليمية التي تحتوي على مختبر خاص للنوم لفحص المرضى، ولكن شعبيتها بدأت تتضاءل في السنوات الأخيرة مع شيوعها وسهولة تشخيص توقف التنفس النومى Sleep Apnoea بل وحتى وصف العلاج الذي يستهدفه. ليس من الصعب تشخيص هذه الحالات مع البدانة المفرطة وكثرة الشخير ليلاً وتدهور التركيز والخلود إلى النوم فجأة والفرد في صحبة الآخرين أو جالساً يستمع إلى محاضرة أو نقاش لا يشارك فيه.
كذلك فإن الكثير من البحوث العلمية في مجال الصحة النفسية والعصبية تميل إلى استخدام تأثير العقاقير على حركات العين الرمشية Saccadic Eye Movements التي تتوازى مع تأثير العقاقير على الجهاز العصبي المركزي. يضاف إلى ذلك أن ميزانية مثل هذه المختبرات لا تتناسب مع حجم الخدمات التي تقدمها. رغم ذلك فترى دوماً أن هناك استشارياً في الطب العصبي النفسي الذي يقوم بمهمة تقديم النصائح وفحص علاج بعض الحالات المستعصية إذا ما تطلب الأمر.
استشارة الشكوى من الأرق:
لا يصعب على الإنسان بعد ليلة من النوم الرديء أن يراجع نفسه ويكتشف السبب. إذا فشل الإنسان في اكتشاف السبب فربما سيلجأ للمقربين منه، وتراه يحصل على وصفات شعبية متعددة جميعها لا تستند على حقائق علمية من أشهرها شرب الحليب الحار ليلاً، وأحيانا شراب الشكولاتة الحار Hot Chocolate . هذه الوصفات الشعبية تعطي الثقة للإنسان بأنه فعل شيئاً ما لتجاوز القلق لا أكثر أو أقل من ذلك.
المرحلة الثانية هي استشارة طبية عامة. يتم الكشف على المريض من قبل الطبيب العام وربما يكتشف سبباً للأرق، وعندئذٍ يستعمل مصطلح الأرق الثانوي وإن فشل في ذلك يستعمل مصطلح الأرق الأولي ويوصف للمريض أقراصاً منومة أو مضاداً للاكتئاب والكارثة أحياناً مضاداً للذهان. النصيحة دوماً هي عدم استعمال العقاقير لعلاج الأرق لفترة تزيد على ثمانية أسابيع في أسوأ الحالات. بالطبع هناك من يستشير الطبيب بعد الآخر للحصول على عقاقير للاستمرار على اضطراب إدمان لا يكشف عنه وقد لا ينتبه الطبيب إليه.
أما المرحلة الثالثة والأخيرة فهي استشارة طبيب نفسي. الطبيب النفسي يحرص دوماً على تقسيم الأرق إلى ثلاثة أصناف:
1- أرق مبكر يشير إلى اضطرابات تتميز بالقلق.
2- أرق متأخر يشير إلى اضطرابات وجدانية في مقدمتها الاكتئاب الجسيم.
3- أرق متوسط يشير أيضاً إلى الاكتئاب الجسيم.
الأرق المبكر هو صعوبة الخلود إلى النوم بعد فترة نصف ساعة. الأرق المتأخر هو الاستيقاظ مبكرا قبل الوقت المعتاد بساعة أو ساعتين. أما الأرق المتوسط فهو الاستيقاظ بعد ساعتين من النوم قبل العودة ثانية إلى النوم بعد ساعة أو أكثر. ما يحصل عليه المريض من الطبيب النفسي قد يستهدف الاضطراب الذي تم تشخيصه أو لا يختلف تماماً عن وصفة الطبيب العام.
ساعات النوم:
يحرص الطبيب دوماً على حساب معدل عدد ساعات النوم اليومية على مدى 7 -8 يومياً. إذا كان معدل عدد ساعات النوم بين 6.5 إلى 7 ساعات يومياً فليس هناك أرقا ولا يحتاج الإنسان إلى نصائح وإرشادات. معدل عدد ساعات النوم اليومية هذه الأيام أقل من معدلها في نهاية القرن التاسع عشر حيث كانت 8 إلى 8.5 ساعات يومياً. القاعدة العامة هي أن تجاوز المعدل 9 ساعات يوميا أو إن كان دون 5 ساعات فعلى المستشير الانتباه إلى احتمال تدهور صحته على المدى البعيد. زيادة أو قلة عدد ساعات النوم لا تختلف في تأثيرها على صحة الإنسان الجسدية كما يلي:
٠ ارتفاع ضغط الدم.
٠ اضطراب تنظيم إفراز الإنسولين وتركيز السكر في الدم.
٠ اضطراب الأكل والوزن.
٠ اضطراب تنظيم فعالية جهاز المناعة ضد الأمراض.
في الوقت الذي نرى فيه بأن زيادة أو قلة عدد ساعات النوم يؤدي إلى نفس المضاعفات الجسدية نرى بأن الاكتئاب بحد ذاته يؤدي إلى زيادة عدد ساعات النوم عند البعض و تلاشيها تدريجياً عند البعض الآخر.
بما أن معدل عدد ساعات النوم هو أكثر استعمالاً هذه الأيام فإن من الأفضل تصنيف الحالات كما يلي:
1- عدد ساعات نوم قليلة بسبب الأرق.
2- عدد ساعات قليلة بسبب نمط الحياة. بعبارة أخرى هناك من الناس من يخصص عدد معين من الساعات يومياً للنوم بسبب ظروف بيئية بحتة.
يضع الطالب أحياناً ساعات قليلة للنوم أثناء فترة الاختبارات. هذا السلوك لا بأس به أحياناً ولكن يجب توخي الحذر من الإسراف فيه وفي استعمال المنبهات أثناء النهار لأيام متتالية إذ قد يؤدي إلى تدهور في الأداء.
تتضارب الأرقام حول المعدل المثالي لعدد ساعات النوم التي يحتاجها الإنسان يوميا من أجل أداء معرفي وعاطفي صحي مثالي. القاعدة العامة هي أن الإنسان يقضي ساعات أقل في النوم مع تقدم العمر. كذلك يصبح الإنسان أكثر توتراً وأقل أداءً بعد ليلة نومٍ رديئةٍ ولكن هذا لا يعني بأن ميل معدل عدد ساعات النوم إلى الأسفل في مرحلة ما يؤدي إلى تدهور الأداء دوماً.
الأرق في عيادة النوم:
يتم تقسيم الأرق إلى:
1- أرق حاد يبدأ فجأة ويستمر لعدة أيام وأسابيع. هناك العديد من الأسباب العضوية والنفسية التي لا يصعب على المريض والطبيب اكتشافها. يجب الانتباه دوماً إلى العقاقير بمختلف أنواعها التي قد تسبب الأرق وتغيير موعد تناولها أو تخفيض جرعتها.
2- أرق مزمن يُعرف بأرق لمدة ثلاثة ليالي أو أكثر أسبوعيا ولمدة شهر أو أكثر. أسبابه لا تختلف عن الأرق الحاد ولكن عندما يتم تحويل المريض إلى عيادة خاصة بالنوم بسببه سيتم البحث عن الأسباب العضوية والنفسية كما يلي:
٠ مجموعة نفسية: قلق واكتئاب مقنع وأزمات عائلية وزوجية لا يفصح عنها المريض.
٠ توقف التنفس الانسدادي Obstructive Sleep Apnoea ويتم التشاور مع استشاري الباطنية أو الجراحة لعمل خطة علاج خاصة بالمريض.
٠ اضطراب النظم اليوماوي Circadian Rhythm Disorder الناتج عن مهنة تتميز بتغير ساعات العمل بصورة منتظمة أو غير منتظمة وخاصة في مجال التمريض وخدمات الطوارئ.
٠ متلازمة تململ الساق Restless Leg Syndrome ويتم التشاور مع أخصائي الأمراض العصبية للعلاج.
٠ خطل نوم حركات العين السريعة REM Parasomnia الذي يتميز بسلوك عنيف أثناء النوم يؤدي أحياناً إلى إلحاق الأذى بالزوج. معظم الحالات تشير إلى وجود مرض عضوي في الدماغ وخاصة بداية اضطراب الخرف.
٠ النائم الذي يشكو من الأرق!!!
الحالات الأربعة الأولى لا يصعب تمييزها ولا تحتاج إلى فحوصات مختبرية في معظم الحالات ولكن هناك من الأفراد من يصر على أنه لا ينام رغم أن الجميع يصر على نومه العميق. هؤلاء الأفراد يتميزون بالنشاط أثناء النهار واكتسابهم للمهارات وبعد دخولهم المستشفى لا يصعب ملاحظة نومهم الطبيعي. هناك الكثير من البحوث حول هؤلاء وجميعها لم تصل إلى استنتاجات قاطعة ولكن في مجال الممارسة المهنية ترى الكثير منهم يستجيب تدريجياً لتغيير نمط الحياة وتنظيم جدوله اليومي.
نصيحة عامة:
هناك نصائح بديهية من الأفضل الالتزام بها بدلاً من الإسراف في استعمال العقاقير إلا إذا كانت تستهدف اضطراباً عضوياً أو نفسياً.
القاعدة العامة هي انتظام جدول الإنسان اليومي.
مغادرة الفراش وغرفة النوم في وقت معين والدخول إليها في وقت معين كذلك لا يزيد على 30 دقيقة قبل النوم. النصيحة التي يتفوه بها الطبيب دوماً بأن غرفة النوم هي فقط للنوم والعلاقات العاطفية الحميمية وليست للأكل والشجار.
على الإنسان دوماً الحرص على تنظيم مواعيد الطعام والابتعاد عن الشاي والقهوة والمشروبات الغازية بعد السادسة مساءً. يتوقف الفرد عن استعمال الكمبيوتر والألعاب الإلكترونية قبل ساعة على الأقل من موعد النوم. كذلك يجب تحسين إضاءة البيت أثناء النهار لكي تدرك الخلايا العصبية بأن النهار هو النهار والليل هو الليل. إذا لم يخلد الإنسان للنوم فعليه البقاء في الفراش وليلة أو اثنين من الأرق بين الحين والآخر لا تعني الكثير.
المصادر:
1- Lustier L، Reynolds C(2000). Depression and Insomnia: questions of cause and effect. Sleepmedicine Reviews 4:253-262.
2- Salas R, Galena J, Gamaidio A, Gamaido C, Et al (2014). Increased Use-dependent plasticity in chronic insomnia. Sleep 37: 535-544.
واقرأ أيضا:
دروس الحيوان للإنسان (حمام السلام) / دروس الحيوان للإنسان (الضفدع الإرهابي) / مشاهد في العلاج النفسي قلوب وحيدة Lonely Hearts