وسواس التلوث والتنظيف : علاج الغسيل القهري2
يختلف علاج وساوس النجاسة Impourity Obsessions & Compulsions في المسلمين عن علاج وساوس التلوث/الوسخ العامة Contamination Obsessions & Dirt Washing Compulsions خاصة فيما يتعلق بإعادة الهيكلة المعرفية Cognitive Restructuring التي تحتاج إلى معرفة فقهية أو على الأقل استعدادا لمعرفة الفقه من جانب الم.س.م (المعالج السلوكي المعرفي)... فعادة ما يظهر المريض مجموعة من المفاهيم المغلوطة فيما يتعلق بالتعامل الصحيح مع النجاسة شخصية كانت أو بيئية، فضلا عن التهويل من قدر النجاسة بل من قدر احتمال النجاسة!...بما يدفع إلى أشكال شتى من المبالغة في التعامل مع مفرزات السبيلين أو غيرها من مصادر النجاسات (و/أو ما أصابته من أشياء أو أماكن أو أشخاص) بين مرضى وسواس النجاسة/التطهير القهري، كما تشترك شريحة كبيرة منهم في صفات التعمق (الكمالية الدينية التعبدية) والتفكير القطبي فيسير النجاسة ككثيرها ... لأن الشيء في أفهامهم إما طاهر 100% أو نجس ! ... وهنا تأتي أهمية ما تقدمه القواعد الفقهية المتعلقة بأمور التطهر والطهارة في العبادات من رخص تسهل الأمر على الموسوس، ... بشرط أن يأخذ بها ... فإن أخذ ساعد ذلك كثيرا على شفائه، وإن تعمق وأبى الأخذ بالرخص مشددا على نفسه، وجب أن يناجز ذلك من خلال إعادة الهيكلة لطريقة تفكيره.
فمثلا حين يكون وسواس النجاسة متعلقا بشيء فيه خلاف بين العلماء فإن انتباه الموسوس يتجه إلى (نجسة عند البعض)، وليس إلى (طاهرة عند البعض)!! وهو ما يمثل خللا معرفيا إدراكيا في فهم روح الشرع هو الميل إلى التشدد والتحرز القاسي في تطبيق الواجبات الدينية وكأن الأصل عنده هو الحرمة وليس الإباحة..... أو نجد في بعض أصعب مرضى الوساوس الدينية علاجا من يكاد يعتبر النجاسة هي الأصل ! أي نجاسة ما لم تثبت طهارته 100% بينما الفهم الشرعي الصحيح هو العكس تماما أي طهارة ما لم تثبت نجاسته 100%، وهذا المريض يبني على ذلك أسئلته لمن يستفتيه وكذلك شعوره بالراحة للفتوى أو رفضها وتكرار السؤال، وتراه دائما يميل إلى اختيار الأعسر والأصعب من الأحكام .. كما ينبني كثير من الوساوس ومن الأفعال القهرية على ذلك الفهم الجامد المتعمق، وسترد نماذج لأكثر من شكل من أشكال الخلل المعرفي في مرضى هذا النوع من الوسواس.
قسمنا من قبل وساوس التنجس والتطهير (الغسيل بالماء غالبا) إلى ما يتعلق بنجاسة مفرازات السبيلين، وما يتعلق بالنجاسة في غير مفرزات السبيلين، وهو تصنيف إجرائي نراه حتى الآن مناسبا وإن جاز أن يصنفها البعض بأبعاد أخرى ... مثلا هل النجاسة المخشية حقيقة واقعة مؤكدة ؟ أم هي نجاسة متخيلة غالبا أو احتمالا بشك بسبب الوسوسة؟.. فليس التعامل مع الأولى كالتعامل مع الأخيرة ... ويتميز التعامل مع مفرزات السبيلين بالنسبة لكل إنسان بأنه تعامل لابد أن ينضبط مع مصدر نجاسة (أو قذارة) داخل الشخص نفسه ويصيب أول ما يصيب ثيابه أو ما يفترش.... في حالة وساوس التنجس التطهر التطهير يتعامل الموسوس المتطهر لعبادة ربه تعاملا يتسم فيه بالشدة مع نفسه بدرجة ما تختلف بالتأكيد من موسوس لآخر حسب مقدار التشديد وحسب المفرز؟... لكنه يطلب من نفسه غالبا ما تفرضه الرغبة في إحسان العمل وإتقانه من 100% إحسان ... ولا يكلف بهذا موسوس لأن مجرد التشديد على النفس يحرض الوسواس ناهيك عن الرغبة في الوصول إلى الكمال... قدر ما أمكن ... فمثل هذا قد يدخل في حلقات مفرغة من التطهير لإزالة النجاسة ثم الشك في الإفساد أو النقصان وأخرى مفرغة أيضًا من قهورات تحاشي النجاسات.
علاج وساوس التنجس التطهير في مفرزات السبيلين:
بشكل عام من المهم السؤال باستفاضة عن تفاصيل طقوس المريض في الحمام، وطريقة تعامله مع ما يخرج من السبيلين.. ولابد للمعالج أن يساعد في إزالة الحرج الذي قد يستشعره المريض أو المريضة في البداية .... ويختلف المرضى هنا في قدرتهم ليس فقط على البوح وإنما في ما قد يظهر من علامات للقلق عليهم أثناء الشرح، ومن المتوقع في مرحلة مبكرة من العلاج أن يظهر تفكير المريض القطبي أو الثنائي (100% طاهر أو فهو نجس)... ويفضل العمل عليه مبكرا وقت ما يظهر، فيفيد هنا سؤال المريض عن كم ما يتوقع من النجاعة للاستنجاء بالماء ؟ وكم ما يتوقع مطلوبا من الناحية الشرعية الدينية؟، كما يفيد شرح فقه الاستنجاء والاستجمار في التعامل المباشر مع مفرزات السبيلين مع مقارنة النتيجة المختلفة جدًّا ماديًّا بين الاستنجاء والاستجمار (استخدام الماء مقابل المسح بورق أو قماش... إلخ لا يتساويان) بينما هما متساويان فيما يمنحان المرء من تهيُّئ للوقوف بين يدي الله، ويستنتج من ذلك أن ليس المطلوب أيًّا من التفاصيل ولا حتى 100% تخلص من النجاسة! لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.. النظافة المجهرية ليست بمقدور البشر، كذلك إجماع المسلمين على ما سنه لهم النبي من جواز الاستجمار بالأحجار في زمن الشتاء والصيف، مع أن المحل يعرق؛ فينضح على الثوب ولم يأمر بغسله.... كل هذا التعديل المعرفي ربما يقنع كثيرين وأجمل ما فيه عموميته في الاستنجاء أو الاستجمار من المفرزات النجسة أيا كانت.... لكن يبقى من الموسوسين كثير دون مستوى الاقتناع.... وفيما يلي سنصف بعضا من الصور الشائعة لهذا النوع من الوساوس.
وساوس وقهور الاستنجاء من البول و/أو البراز:
من هذه ما يتعلق بكيفية الاستنجاء ومداه ومدته والشك فيه وتكراره، ومنها ما يسبق الاستنجاء من انتظار واستحضار لمزيد من البول أو البراز أو الريح قبل الاستنجاء، وبكل ما يمكن تخيله من أشكال الضغط والعصر على البطن والمثانة وعضلات الحوض، وقد فصلنا في ذلك سابقًا عند الحديث عن بدع الموسوسين في الاستنجاء، في مقالنا : وسواس النجاسة التطهر التطهير القهري1 ومنها كذلك ما يتعلق برذاذ البول الذي يصيب جزءًا من الجسد أو من الثياب، وعليه تُبنى طقوس التطهير أو الغسيل، وصولا إلى الاستحمام الكامل سعيا لإزالة ما بقي من رذاذ، ولمذاهب الفقهاء تفصيل طويل في وجوب الاستبراء واستحبابه مطلقًا أو حسب الأحوال، ولكن ما يلزم الم.س.م في الأساس هو أن يكون عارفا بالأحكام الفقهية الخاصة بالموسوسين وما يعرف في المالكية بفقه المستنكح بالشك أي الموسوس.... وغالبا مجرد الاستعداد يكفيه ليتعلم ولو حتى أحكاما للمرة الأولى من المريض نفسه الذي غالبا استفتى الفقيه أو وضع السؤال على جوجل، وغالبا تدبر وقارن .... وأنا شخصيا تعلمت من المرضى الكثير من الآراء الفقهية التي لم أدرسها فقد درست الفقه على مذهب الحنابلة في السعودية الأولى أعوام من سنة 1976 إلى سنة 1978 ... ثم سنتي 1979 و 1980 .... وتعلمت بعضا من آراء الشافعية من أبي رحمة الله عليه أبا ومعلما رسميا في مدرستي المتوسطة والثانوية فكان يشرح حنبليا في الفصل ... وشافعيا إن وجدا اختلاف لي وحدي في البيت .... بعد ذلك بأقل من عقدين من الزمان تعلمت في عملي مستشارا نفسيا لموقع إسلام أونلاين ... من 2002 حتى 2005 ثم تعلمت من رفيف الصباغ لكن ما تعلمته من مرضى الوسواس القهري في جلسات التحاور المعرفي كان أكثر بكثير ... وهم أفضل من يجمع ويقارن ويدقق ؟ .... صحيح أني استعنت برفيف أو بجوجل في كثير من الأحيان حين يكون ما سمعته من مريض حكما متشددا أو صعبا بشكل أو بآخر وكنت أعود من تلك الاستعانات بكثير من الفقه المستنير.
الإحساس بنزول نقطة
ومن أكثر أشكال هذا النوع من الوسواس تواترا وإزعاجا واحدٌ من وساوس المبطلات وهو "الإحساس بنزول نقطة" أي بعد انتهاء الاستنجاء أو أثناء الوضوء أو الصلاة...إلخ وبناء على هذا الإحساس -الذي غالبا ما يكون مشوبا بشك وخوف معا- تبنى وساوس وأفعال قهرية تشمل تكرار الاستنجاء وتغيير الملابس أو التفتيش فيها وشمها ...إلخ، ويحدث هذا الإحساس الوسواسي في الذكور والإناث على حد سواء إلا أن الذكور غالبا أسوأ حالا نظرا لطول قناة المبال مقارنة بالإناث وهو ما يعني أن هناك احتمالا لنزول تجمعا لأثر البول على بطانة القناة في شكل نقطة أو أكثر .... ورغم اختلاف الفقهاء في كثير من التفاصيل إلا أنهم اتفقوا على أن الذي يتيقن خروج قطرات البول بعد فترة من تبوله وكان ذلك من عادته عليه أن يفعل ما يخرج هذه القطرات قبل وضوئه وصلاته؛ كالانتظار مدَّة حتى تخرج تلك القطرات، وكالتنحنح، أو مشي بعض خطوات، أو تحريك الذكر، وغير ذلك... واشترطوا ألاَّ يبالغ في ذلك حتى لا يصاب بالوسواس أو بعض العلل الجسدية، ومن المعلوم أنه تكفي غلبة الظن بخروج البول، ولا يكلف الإنسان بالتنشيف والاستقصاء، ولا يلتفت لوسوسة الشيطان بخروج شيء منه ما لم يحصل عند الإنسان يقين قاطع بخروج البول (رفيف الصباغ، 2008)، وهذه هي النقطة المهمَّة التي يجب أن يقتنع الموسوس بوجوب الأخذ بها، وهي الرخصة له كموسوس، ثم التركيز على أن المطلوب من الصحيح هو غلبة الظن بخروج البول، ولا يكلف التنشيف والاستقصاء، والتالي فالمطلوب من الموسوس لابد يكون أقل، ومن أمثلة هذا النوع من الوسوسة على مجانين:
تنقيط بول أم وسواس الطهارة ؟
وسواس الطهارة: نقطة في الإحليل!
تنقيط من المبال وسواس النجاسة والسروال م. مستشار
تنقيط البول : التهاب أم وسواس؟
ومن المفيد فيما يتعلق أيضًا بالشعور أو الشك في وجود نقطة؛ ذكر الآثار عن سعيد بن جبير أنه سأله رجل فقال: إني ألقى من البول شدة إذا كبَّرت ودخلت في الصلاة وجدته، فقال سعيد: "افعل ما آمرك به 15 يومًا، توضأ ثم ادخل في صلاتك فلا تنصرفن"، وعَنْ سَعيد بْن جبَيْرٍ, وَغَيْره، عَن ابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: شَكَا إلَيْه رَجلٌ، فَقَالَ: إنّي أَكون في الصَّلاة فَيخَيَّل إلَيَّ أَنَّ بذَكَري بَلَلاً، قَالَ: "قَاتَلَ اللَّه الشَّيْطَانَ! إنَّه يَمَسّ ذَكَرَ الإنْسَان في صَلاته ليريَه أَنَّه قَدْ أَحْدَثَ، فَإذَا تَوَضَّأتَ فَانْضَحْ فَرْجَكَ بالْمَاء، فَإنْ وَجَدْتَ؛ قلْتَ: هوَ منَ الْمَاء"، فَفَعَلَ الرَّجل ذَلكَ, فَذَهَبَ، (مصنف عبد الرزاق: 1/ 151).
وأيضًا عَنْ دَاودَ بْن قَيْسٍ، قَالَ: سَأَلْت محَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقرَظيَّ، قلْت: إنّي أَتَوَضَّأ وَأَجد بَلَلاً، قَالَ: "إذَا تَوَضَّأتَ فَانْضَحْ فَرْجَكَ، فَإنْ جَاءَكَ؛ فَقلْ: هوَ منَ الْمَاء الَّذي نَضَحْت، فَإنَّه لا يَتْرككَ حَتَّى يَأْتيَكَ وَيَحْرجَكَ" (مصنف عبد الرزاق: 1/ 152)، وعنَّ حذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَان، قَالَ: "إذَا تَوَضَّأْت، ثمَّ خَرَجَ منّي شَيْءٌ بَعْدَ ذَلكَ، فَإنّي لا أَعدّه بهَذه، أَوْ قَالَ: مثْلَ هَذه"، وَوَضَعَ ريقَه عَلَى إصْبَعه، وعَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: سَمعْت عَبْدَ الْحَكَم بْنَ عَبْد اللَّه بْن أَبي فَرْوَةَ، يَقول: كَانَ يصيبنّي في الصَّلاة، وَإنّي لأَجد الْبلَّةَ، وَيَخْرج منّي في الصَّلاة، فَكنْت أَنْصَرف في السَّاعَة مرَارًا وَأَتَوَضَّأ، فَسَأَلْت ابْنَ الْمسَيّب، فَقَالَ: "لا تَنْصَرفْ"، قَالَ: فَظَنَنْت أَنَّه يَظنّ أَنَّه إنَّمَا يشْبه عَلَيَّ، قَالَ: قلْت: إنَّه أَكْثَر منْ ذَلكَ إنَّه يصيب قَدَمي، أَوْ قَالَ: الأَرْضَ، قَالَ: "لا تَنْصَرفْ، فَإذَا حَسَسْتَ ذَلكَ فَتَلَقَّه بثَوْبكَ"، فَقَالَ لي أَخٌ كَانَ عنْدَه جَالسًا: أَتَدْري مَا قَالَ لَكَ؟ قَالَ: "اغْسلْ ثَوْبَكَ إذَا فَرَغْتَ منْ صَلاتكَ"، وَلَمْ أَسْمَعْه أَنَا، قَالَ: فَفَعَلْت الَّذي قَالَ: فَلَمْ أَلْبَثْ أن ذَهَبَ عَنّي (مصنف عبد الرزاق: كتاب الطهارة)..... ولحديث النضح بعد الاستنجاء روايات عديدة لكنها على الأغلب ضعيفة، ومن المفيد كذلك أن نبين كيف يختلف الفقهاء رحمهم الله في مسألة نضح قليل من الماء على الملابس الداخلية بعد الاستنجاء:
1. فمنهم من يرى مشروعية ذلك لكل أحد.
2. ومنهم من يرى مشروعية ذلك لمن ابتلي بالوسواس.
3. ومنهم من لا يرى مشروعية ذلك مطلقاً.
وعادة ما نعرض هذا للمريض لإيضاح أن المطلوب شرعا هو التلهي عن ذلك الإحساس، ولا نطلب منه نضح فرجه لسببين الأول هو عدم مناسبة ذلك لنوعية وكيفية لباسنا هذه الأيام فتكرار التبليل بالماء ولو نضحا قد يتسبب في ظهور فطريات أو التهابات، وأما السبب الثاني فهو أن ذلك أثناء العلاج سيكون بمثابة سلوك تأميني يضر بالعلاج وإن ساعد بعض الموسوسين على ممارسة حياتهم بشكل أفضل في حال عدم إتاحة العلاج.
وساوس وقهور رذاذ النجاسة :
من أشهر أشكال هذا النوع من الوسواس أيضًا ما يتعلق برذاذ البول أو رذاذ النجاسة وهو ما يدفع الموسوس إلى غسل مناطق متزايدة من جسده للشك في تنجسها من الفخذين حتى الركب أو نصف الجسد السفلي وصولا إلى الغسل الكامل بعد كل مرة تبرز وأحيانا حتى بعدد مرات التبول... ويكون احتمال الشك في التنجس بالرذاذ أعلى عند استخدام الحمام التركي وفي هذه الحالة يشك الموسوس في تنجس رجليه أو رجليه وساقيه ... وهناك من يعتبر غسيل هذا الجزء من الجسد بعد كل استنجاء أمرا لا مفر منه احتياطا من النجاسة... وأما الشك في تنجس الفخذين فغالبا ما يكون أعلى في الإناث نظرا لعدم استقامة تيار البول أثناء التبول -مقارنة بالذكور- بما قد يعرض المتبولة إلى التنجس بكامل تيار البول وليس فقط رذاذه... وهنا يصبح قصر الغسيل التطهيري على الأماكن المصابة هو ما يميز بين من توسوس ومن لا توسوس.... فبينما الصحيحة تغسل ما رأته تنجس منها أو أحسته تنجس ونادرا ما تزيد عن ذلك قليلا .... لكن الموسوسة يكفيها إحساس أو إحساسان بلمسة نقطة بول على أحد الفخذين من الداخل حتى تسقط في دوامة وسواس التنجس فتجد نفسها مضطرة لغسل نصف جسدها السفلي على الأقل خاصة إذا كانت تصلي (أي في غير أيام حيضها) أو ربما اضطرت للاغتسال الكامل بينما إحساسها بقطرتي البول لم يكن إلا وسواسا حسيا !! يستغل فرط حرصها على عدم التنجس فيهيئ لها أنها تنجست عبر إشعارها بذلك على المستوى الحسجسدي كما وصفنا في شرحنا للظواهر الحسية في مرضى الوسواس القهري. .... ومن أمثلة هذا النوع من الوسواس على مجانين:
وسواس التطهر القهري : رذاذ النجاسة الذي لا يرى !
رشاش البول ومقدار ماء الوضوء
رذاذ البول أو سيلانه للخلف : وسواس أم لا؟
والحقيقة أن الكيفية التي قد يدرك الموسوس بها وقوع التنجس الجسدي تختلف عن المعتاد أو عن ما اعتدنا فهمه من أن الوسواس يهيء له من خلال الفكر، فما يحدث في هؤلاء المرضى ومرضى خروج الريح (كما سيلي في المقال) هو على الأقل أحيانا إحساس جسدي جلدي أو بصري أو حشوي مشكل وسواسي المنشأ يجعلهم يشعرون حسيا بحدوث النجاسة بشكل أو بآخر من خلال حواسهم ولكن الظاهرة الحسية هنا تتميز بأنها يشوبها الشك فيها بحيث تجد المريض في وقت ما يبرر التكرار بعبارات مثل "رغم أني لست متأكدا تماما أو أشك لكنني لابد أعيد لأستريح" أو "لأحتاط وأستريح" .... ورغم أن من قواعد فقه الطهارة في الإسلام ألا تنجيس بالشك والأصل في الأشياء الطهارة فلا يصح إعادة التطهير أو الوضوء بناء على شك إلا أن الموسوس لا يستطيع منع نفسه من الحكم بالنجاسة وتكرار التطهير أو التطهر رغم علمه غالبا بما سبق من قواعد فقهية أو على الأقل يدعي فهم معناها لكن بطريقة الموسوسين... وهنا تكون أهمية العمل المعرفي الناجح في إعادة الهيكلة لمفهوم التطهر في الإسلام وحتى بشكل عام.
وساوس وقهور التطهر من المذي والودي
كثيرة كذلك أشكال الوسواس القهري المتعلقة بالتنجس بالمذي في الذكور وفي الإناث، وتبدأ بالإسراف في التطهر والتنظيف من المذي حال حدوثه، وفي تبديل و/أو تنظيف الثياب -ربما ساتر العورة فقط وربما ثياب النصف السفلي كله-... ثم يدخل المريض مرحلة أخرى يؤدي فيها طقوسه القهرية (تكرار استنجاءٍ أو تكرار وضوء) استجابة لا لخروج المذي وإنما لمجرد الشك في خروجه وبالتالي بتكرار الغسيل والوضوء ثم استجابة لصعوبة ذلك يلجأ المرضى لوساوس وقهور التحاشي لمثيرات الإمذاء كغض البصر واعتزال الذكور أو الإناث ولو من الأهل ... إلخ، والتي ربما في بداية الأمر تنجح في التقليل من معاناة المريض / ة لكنها نادرا لا تدوم طويلا حتى نجد من يتحرز لتنجس ثيابه الداخلية بالمذي باللجوء إلى الحفاضات اليومية خاصة في الإناث وإن بدأ تظهر حفاضات للذكور، ... فضلا عن وصول البعض إلى أن تمام التحاشي أو تأكيد النجاح في تحاشي احتمال الإمذاء لابد أن يشمل ولو مرة غسيل! ....
فإذا نظرنا إلى الرأي الفقهي فإن المذي متفق على نجاسته وإفساده الوضوء، ولكن المطلوب شرعا بعد خروج المذي ليس إلا غسل مكان خروجه وأثره المرئي على الثياب، فقد روي عن علي بن أبي طالب أنه قال: كنت رجلاً مذَّاء وكنت أستحيي أن أسأل النبي لمكان ابنته، فأمرت المقداد بن الأسود، فسأله فقال: "يغسل ذكره، ويتوضأ"، رواه مسلم، كما سُئل رسول الله عن الرجل يدنو من أهله فيمذي، قال: "يغسل ذكره ويتوضأ"، قيل: يا رسول الله، ما أصاب الثوب منه؟ قال: "يتحرى مكانه فيغسله" رواه الطبراني في الكبير.
وأما الوَدْي: فهو سائل أبيض كدر ثخين، يخرج بعد البول، وقد يخرج عند حمل شيء ثقيل، كذلك هو نجس باتفاق العلماء، ويجب فيه الوضوء فقط، كما يجب فيه تطهير المواضع التي أصابها من الجسم والثوب (رفيف الصباغ، 2011). وأكثر الوساوس المتعلقة بالودي تنتج غالبا عن الخلط بينه وبين المني أي هل يجب الغسل أم يكفي الوضوء؟!...... ومن الأمثلة على مجانين: وساوس التطهر من المذي
ويتبع >>>>>>>: وسواس التلوث والتنظيف علاج وسواس النجاسة القهري2
واقرأ أيضًا:
استشارات عن وسواس النجاسة / استشارات عن وسواس التطهر / استشارات عن وسواس الاستنجاء