تتوالى الأخبار عن إغلاق المساجد ودور العبادة أمام المصلين لتلافي انتشار العدوى بفيروس كورونا، وهذا أمر يقره العقل والشرع في مثل هذه الظروف، ولكن لا نجد في المقابل نشاطا دعويا دينيا مكثفا يقود الناس إلى الطريق الصحيح من وجهة النظر الدينية في مثل هذه الظروف، فالبلاءات الكونية لا تواجه فقط بالإجراءات الطبية الاحترازية أو العلاجية أو الوقائية رغم أهميتها وضرورتها، ولكنها تواجه أيضا بالتطهر الروحي للبشر، فالكوارث والأزمات الكبيرة التي تهدد سلامة الناس وأمنهم لها وجه آخر وهو مساعدة الناس على مراجعة أنفسهم والاستبصار بأخطائهم وخطاياهم ومظالمهم وتجبرهم وطغيانهم، وبمعنى آخر تسهيل عمليات التطهر الروحي للبشر.
وهذا نفهمه من الآيات الكريمة : "ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون * فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون * فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون * فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين" (الأنعام 42-45)، هذه الآيات في مجموعها تشكل فهما عميقا لمعنى الابتلاءات والأزمات.
لذا نحتاج من علمائنا الأجلاء الخروج إلى الناس عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي ليأخذوا بأيديهم في رحلة تضرع إلى الله وتطهر روحي وانضباط سلوكي، وخاصة أن نفوس الناس تكون مهيأة لتلك الرسائل الروحية وهم تحت تأثير الخوف وتحت تأثير الحجر والحظر والعزل الاجتماعي، وهي فرصة ذهبية للتغيير النفسي والاجتماعي والروحي، لأن الناس وهم في حالة الرفاهة والسلام والأمن لا يستمعون إلى تلك الآيات والمواعظ والتوجيهات بل يكونون في حالة كبر وغرور وإنكار لذيذ ولا يهمهم إلا اغتراف الملذات والسعي نحو المزيد، وتسكرهم مكاسب الدنيا وشهواتها، أما الآن وهم جالسون في بيوتهم حذر الموت فتكون أفئدتهم أكثر قبولا للموعظة وعقولهم أكثر قبولا للتغيير. وإذا نجحنا في ذلك فسنتجاوز الأزمة بإذن الله ونخرج منها بعائد سلوكي أيجابي عظيم، وتتحول المحنة إلى منحة.
وهناك آية أخرى في سورة البقرة تساعدنا في اجتياز المحن والأزمات، يقول تعالى : "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون" (البقرة 155-157)، وفي هذه الآيات أدوات تأكيد عديدة على حتمية البلاء في الكلمة الأولى "ولنبلونكم" وفي تفصيل مواطن البلاء، أما كلمة "بشيء" فهي تحمل بشرى أن الابتلاء يكون جزئيا، وهذا يعطي أملا في السلامة، فالأصل في الحياة السلامة وليس الهلاك، ثم تأتي البشرى للصابرين على البلاء، الذين يسلمون أنفسهم لله ويوقنون بالرجوع إلى رحابه الطيبة، هنا تتنزل صلوات ربهم ورحمته وهدايته عليهم. من هنا يأتي الصمود ورباطة الجأش في وجه الكوارث والمحن مهما عظمت.
واقرأ أيضًا:
قلق المرض / يوم الطبيب / نوبات الهلع