السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
مشكلتي هي أني الآن أقف في مفترق طرق لا أعرف أين أذهب؟؟ ولا أطيل عليكم المقدمة وأصل المشكلة أني رسبت للسنة الثانية في الجامعة وهذا يسبب لي مشكلة نفسية لأن دفعتي ستتخرج هذه السنة، والسبب الأول لرسوبي السنة الأولى أنني كنت مهتم بالشغل؛ فقد دخلت مجال العمل بالفعل من سنتين؛ ورغم ذلك لم أحقق ربحاً ملموساً حتى الآن على الرغم أني أكسب مبالغ كبيرة؛ إذ أعود وأخسرها في نفس المجال بسبب قلة الخبرة، وقد كونت خبرة في مجال المقاولات لا بأس بها، وبدأ اسمي يعرف.
أي تستطيع أن تقول أني كونت علاقات وخبرة في هذا المجال ونقودا قليلة جداً. أما عن السنة الثانية التي رسبت بها، وهي التي نحن بها، فقد ظهرت نتيجة الفصل الأول ورسبت بكل المواد!، وهذا لم يكن بسبب عملي، وإنما بسبب حادث حدث لي في بداية الفصل الدراسي، وأقعدني في الفراش أكثر من ثلاث أشهر وحتى الآن لم تتحسن صحتي تماما.هذا وقد خسرت نقوداً وتراكمت علي الديون بشكل لا يصدقه أحد لشخص في سني (عمري23 سنة)، لكن الحمد لله بدأت تنخفض هذه الأيام لأني أبذل ما تبقى لي من جهد للتخلص من هذه المديونات،
وتبقى مشكلة الدراسة هي المشكلة التي لا أستطيع النوم منها بعد ما ظهرت نتيجة الفصل الأول الذي يحدد مصير الفصل الثاني وحياتي كلها، لكن ليست هذه هي كل المشكلة؛ إذ يوجد أمامي عرض للسفر إلى بلد أوربي للعمل والعيش هناك وقد سبق أن زرت هذا البلد من قبل سياحة في الصيف الماضي؛ لذا فقد قررت في خاطري أن أعيش هناك لأنها جنة الله في أرضه، كما يوجد أشخاص مخلصين أعرفهم هناك مستعدين لخدمتي ورعايتي حتى أكوّن حياتي هناك، وأنا الآن محتار: هل أسافر وأبدأ من هناك حياتي حيث النظافة والرعاية الصحية والآداب العامة والنظام وإتاحة الفرصة.. وهو ما نفتقده في بلادنا الحبيبة التي لا أستطيع أن أكتسب لقمة العيش بسهولة فيها؛
خاصة وأنا مازلت في مقتبل العمر ويوجد في هذا البلد جامعات تدرس بالغة العربية لأبناء الجاليات العربية هناك وتعطي شهادات معترف بها دوليا في مجالات كثيرة؛ أم أظل في بلدي وأعافر مع الحياة وقد أصل يوما ما (والعلم عند الله طبعا) وأكمل دراستي التي قد تبقي منها الآن سنتين ثم أقضي سنة في الجيش أي ثلاث سنوات ثم أبدأ حياتي العملية وفي هذا الوقت سيكون أصدقائي وزملائي قد أنهوا جميعا الدراسة وبدأوا في الحياة العملية..مع العلم أني مجتهد جدا في العمل فكل جزء في جسمي يعشق الكفاح والعمل، ولكن تعرفون أنه من المستحيل تحقيق الأحلام في بلادنا إلا بالمعجزات وحتى إذا تحققت فتتحقق لبعض الناس الذين لهم طرق ملتوية وأنا لا أجيد هذه الطرق مع أني أعرفها، لكن حاشا لله أن أبدأ حياتي بالنفاق والنصب.
أرجو منكم الاهتمام بمشكلتي فهي مشكلة مصيرية، ويعلم الله أن ما دفعني لعرضها عليكم هو إحساسي أنكم من الممكن أن تساعدوني، وهذا ما اتضح لي من حلكم للمشاكل التي تعرض عليكم، وقد قرأت منها الكثير .
وفقنا الله وإياكم…
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
22/01/2019
رد المستشار
أخي العزيز: ثقتك فينا ألقت علينا عبء جعلني أعرض مشكلتك على أكثر من عضو في فريق المستشارين، وأرى أنك يا أخي تقف فعلاً على مفترق طرق، وهو أمر عادي بالنظر إلى ظروفك وسنك، وهذا المفترق يستحق منك وقفة متأنية للمراجعة وتحديد الأولويات والاتجاهات، وأرجو أن تكون ملاحظاتي هنا مما ينفعك في هذه الوقفة.
أولاً: أنت تخلط بين عدة أمور يستحسن الفصل بينها؛ فالبقاء أو السفر مسألة تختلف عن تعثرك في الكلية، أو دعني أسميها بالاسم الصحيح، عدم قدرتك على التوفيق بين الدراسة والعمل، وهذا وذاك يختلف عن مسألة نجاحك أو فشلك، كما يختلف عن مشكلات مجتمعنا، وإن كانت هذه المسائل تتداخل جميعها على أرض واقع حياتك.
ثانياً: بالنسبة للبقاء أو السفر فإن هذا قرار ينبغي أن يدرس من جهة سلبيات كل اختيار منهما أو إيجابياته، ولكل جانب في الحياة عيوب ومزايا، ولا توجد يا أخي جنة على الأرض، كل ما هناك أن مشاكل كل مجتمع تختلف عن الآخر، وعليك أن تحدد المزايا التي لا تستطيع الاستغناء عنها، والعيوب التي تستطيع أن تتحملها، وهذا يختلف من شخص إلى آخر.
ثالثاً: بالنسبة للدراسة في الكلية فليس المقصود من الشهادة -كما تعرف- أنها هي مفتاح الخلاص، أو حتى الطريق المضمون إلى الوظيفة؛ إن للشهادات عدة جوانب منها: العلمي بتحصيل المعارف، وهذا قد تجده في الخارج على نحو أفضل، ومنها جانب نفسي حين يشعر الإنسان بالتحقق والإنجاز، ومنها الجانب الاجتماعي حيث تمثل الشهادة الجامعية شيئًا يشبه الألقاب التي كانت موجودة أيام الملكية في مصر "بك، باشا، ..إلخ"، وتشبه الألقاب الموجودة في بريطانيا مثلاً حتى الآن، التعليم هو الأساس لتصنيف الناس وتحديد طبقتهم الاجتماعية، ولكنه بالطبع ليس الأساس الوحيد، بل لعله الآن ليس الأهم، ولكن يبقى له وزنه النسبي.
رابعاً: المقارنة غير منعقدة أصلاً بينك وبين زملائك لأنك خرجت مبكرًا للحياة العملية -على ما في هذا من مزايا وعيوب- وحققت إنجازات "عملية"، على حين بقى إنجاز الآخرين مجرَّد تجاوز الامتحان تلو الامتحان، النجاح نسبي، وله أشكال متنوعة، وأرى أنك قد حققت جوانب طيبة منه، وبعد عدة أشهر سترى أن العديد من زملائك "الناجحين" يجلس في انتظار الوظيفة المناسبة والمجزية، بينما أنت -ولله الحمد- لا تعاني من هذه المشكلة.
خامسًا: ينبغي الاهتمام بعدم الرسوب، وتجاوز الامتحانات بسلام ليس لأن "الشهادة هي الحل"، ولكن من أجل سلامتك النفسية من ناحية، وحرصًا على وقتك حتى لا يتبدّد بسبب التعثر الدراسي، وعليك أن تنهي هذا الأمر في أقرب فرصة حتى يتسنى لك أن تفكر بهدوء في اختيارات المستقبل.
سادسًا: دراسة مسألة السفر ينبغي أن تصاحبها استشارة لمن سبقوك من كل الأعمار -إذا كنت تفكر في الاستقرار بالخارج-، فالحاصل أن الشباب الصغار ربما يشعرون بمزايا الخارج في بدايات حياتهم ثم ينتبهون للمشكلات الاجتماعية والأسرية عندما يأتي الأولاد ويكبرون وسط مجتمع مختلف الطباع والتقاليد، وأرجو أن يكون السفر في حالة حدوثه على أساس من تخطيط مدروس وسليم، وليس مجرد هروب من شبح الفشل أو الإحباطات المعتادة التي تواجهنا في مجتمعنا، فالهروب لا يجدي في حل شيء، والتحديات توجد في الخارج أيضًا، ولكن من نوع آخر.
سابعًا: إذا أردت أن "ألخص لك "خطتنا" تصبح كالتالي:
1- إنهاء الدراسة الجامعية والجيش في أقرب وقت.
2- دراسة مزايا وعيوب كل من البقاء والسفر من واقع الحقائق على الأرض -هنا وهناك- وليس بناءً على وعود أو هواجس.
3- استعادة الثقة بالنفس، والنظر إلى ما تحقق من إنجازات عملية فاتت الآخرين في مقابل السبق الذي حققوه هم في مسار محدود، ربما تتساوى فيه الفرص بعد ذلك، ولا يمثل الفارق الذي تستعظمه اليوم، ولا يستحق من أجله أن تضع من قدر نفسك، وترفع الآخرين.
أرجو أن يكون في هذا الرد الكفاية، والله معك.