السلام عليكم
منذ فترة عرفت أن ابنتي سرقت مبلغا بسيطا من المال لا يكاد يذكر بجانب مصروفها الذي أعطيها إياه علما بأن معظم طلباتها مجابة وعنفتها على هذا وعرفتها أن هذا السلوك حرام وكذلك من الناحية الاجتماعية غير مقبول
ومنذ شهر اكتشفت أنها سحبت من محال البقالة الذي نتعامل معه بمبالغ كبيرة جدا واعترفت بذلك بعد مجهود وكانت تتظاهر بأنها تدخر مصروفها وعاهدتني بدون عقاب على ألا تفعل ذلك ثانية
ولكن بعد20 يوم فقط فوجئت بها قد سحبت من الحساب بدون إذن مرتين صرخت فيها وكنت طلبت منها في المرة السابقة أن تختار لنفسها عقاب إذا فعلت ذلك ثانية فقالت أن أحرقها بالنار وفعلا سخنت الملعقة هذه المرة ولسعتها بها ولكنها لم تبكي ولم تتألم
مع العلم أن العقاب البدني لا يأتي بنتيجة معها
وأنني إذا ضربتها تظل واقفة كما هي ولا تتحرك
11/9/2019
رد المستشار
الأم الفاضلة أهلا بك وشكرا على ثقتك، الحقيقة أن ما يفهم من إفادتك ليس نزوع البنت للسرقة بقدر ما هو احتمال سقوطها في فخ عدم التحكم في سلوك الشراء، والذي سقط فيه كثيرٌ من أطفالنا فهي ليست ابنتك وحدها التي تسحبُ من محل البقال المقابل أو المجاور للبيت، وعدم التحكم في سلوك الشراء.
وعدم التحكم في سلوك الشراء يمتد على متصل سلوكي من ما بين الشراء الانفلاتي أو الاندفاعي الخالص Impulsive Buying إلى الشراء القهري الخالص Compulsive Buying ويتأرجح بينهما ما أصبح يعرف في أدبيات الطب النفسي وأدبيات السوق الاقتصادي بإدمان الشراء Buying Addiction وهو مفهوم جديدٌ نوعا ما في الطب النفسي، فهناك مشكلةٌ تعاني منها نفوس أعداد كبيرة من البشر في تعاملها مع الرغبة في الشراء، ولذلك أسباب كثيرةٌ لا نستطيع أبدا إغفال دور المجتمع المُحَدَّثِ فيها، ذلك المجتمع الذي تحول إلى سوق كبير للاستهلاك.
ولكي أوضح لك الأمر فإن ما يحدثُ عندما يتعرض الإنسان لإغراء بضاعة ما (هي الحلوى أو أنواع الشطائر والمحمصات والمملحات المختلفة في حالة الأطفال) هو الشعور بالرغبة في الحصول على تلك البضاعة، والتعامل مع هذا الإغراء يحتاج إلى ضبط النفس والقدرة على الموازنة بين ما أستفيده وما أخسره، وتتداخل عوامل كثيرةٌ في تحديد السلوك الذي سيلجأ الطفل إليه استجابة لذلك الإغراء من بينها طريقة العرض وتوفر النقود وخبرة الطفل المسبقة مع الخواص الحسية للمنتج الذي يشتريه كالرائحة والملمس والمذاق، ومن المهم طبعا أن نعرف أن ما يتعرضُ له أطفالنا من إغراءات يفوق طاقاتهم بكثير، وأنا حتى الآن أتكلم عن طفل طبيعي في ظروف غير طبيعية كالتي نعيشها جميعا في مجتمع السوبر ماركت الكبير الذي أصبحنا نعيش فيه.
لكن الأمر لا يقف عند هذا الحد مع الأسف الشديد، فما يحدثُ لكثيرين من أطفالنا ليس فقط أنهم يسرفون في شراء الحلوى وغيرها من المنتجات المخصصة للأطفال، وليس أنهم يدمنون الشراء لميزة فيما يشترونه، وإنما تتحول العلمية بالتدريج إلى إدمان لعملية الشراء نفسها بغض النظر عن أهمية أو قيمة ما يشترون !!!
ويحدثُ ذلك لأن نشاط الشراء يتحول بالتدريج إلى نشاط يتعامل الطفل به مع أي مشاعر سيئة يتعرض لها، فهو يكتشف بالصدفة أن التجول في السوبر ماركت وشراء كل شكل جديد من أشكال المنتجات إنما يرفه عنه ويقلل من توتره أو قلقه أو خوفه أو أي من المشاعر الطفولية، بل ويحوله من ذلك الشعور غير الطيب إلى شعور متعاظم باللذة والانتعاش يتصاحب معه ويتلوه الاستمتاع بالخواص الحسية للمنتج الذي يراعى فيه تبعا لخواص "الأيزو" !!! أن يكون غير مشبع لكي يضمن شراءً أكثر كما بينا في مقال حول الجوع والشهية ومعامل الشبع على الموقع، ويضاف إلى ذلك طبعا ما يقدمه تجريب كل جديد من وسيلة للتفاخر ومادة للحديث مع أصدقائها وصديقاتها من الأطفال إلى آخر ما هو معروف من سلوكيات طفولية.
قصدت من كل هذه المقدمة أن أبين لك فقط أن علينا أن نسمي الأشياء بأسمائها فمشكلة ابنتك هي الانفلات في الشراء والمطلوب هو أن نعلمها كيف تنضبط تجاه ذلك الإغراء الذي لا ينتظر أن يقل تعرضنا جميعا له، مع ملاحظة أن حسابات العقل والمنطق وحدود الملكية بالنسبة لطفلتك (أي ملكيتي وملكية بابا وماما وأخوتي) ما تزال في طور التشكل والتبلور، ليس الحل إذن أن نعاقبها جسديا خاصة وأن من الواضح أن ابنتك تعرضت للضرار الجسدي أكثر من مرة حتى وصل رد فعلها تجاهه إلى ما ذكرته لنا في إفادتك حين قلت : (وفعلا سخنت الملعقة هذه المرة ولسعتها بها ولكنها لم تبكي ولم تتألم مع العلم أن العقاب البدني لا يأتي بنتيجة معها وأنني إذا ضربتها تظل واقفة كما هي ولا تتحرك)، فهذا رد فعل يدل على التحدي والاعتراض، والذي لا يصل إليه الطفل إلا بعد تعرضه للضرار لجسدي بصورة متكررة.
ما نحتاج إليه إذن هو الشرح والتوضيح لها في غلالة من الاستعداد للإجابة على كل أسئلتها، والأكثر أهمية من ذلك هو إيجاد نوع من التحكم الخارجي كأن ننبه على صاحب البقالة ألا يعطي أطفالنا ما يطلبون دون مقابل مالي يقدمه الطفل له، وألا تترك النقود ملقاة في أي مكان ظاهر من البيت، وفي نفس الوقت علينا ألا نحرم الطفل من مصروف يومي مناسب، وأن لا نتدخل في تصرفه فيه، كما يفضل أن نعلم الطفل تنظيم ميزانيته مثلا بعد كل عيد من أعيادنا تتجمع مع الطفل كمية جيدة من المال وعلينا مثلا أن نقول له : هذا المبلغ سيضاف إلى مصروفك الشخصي في الفترة من كذا إلى كذا وهو مدخر لك حتى شهر كذا ويمكنك التصرف فيه كما تشاء في نفس الوقت الذي نكف نحن فيه كأب وأم عن شراء الشيكولاتة والشيبسي وغيرها ونترك للطفل حرية تنظيم ميزانيته وهذه الطريقة تجعله أكثر قدرة على النضج.
ويمكنك إن لم تتمكني من إتمام ذلك بنفسك وبمساعدة زوجك، أن تستعيني في التعامل مع الموقف بإعداد برنامج سلوكي يساعدك فيه أحد اختصاصيو التربية وعلم النفس وهم موجودون بكثرة في دول الخليج وأهلا وسهلا بك دائما فتابعينا بأخبارك.
واقرئي على مجانين:
إدمان الشراء أو التسوق أم الشراء القهري؟ تقديم
إدمان الشراء أو التسوق أم الشراء القهري؟ مشاركتان
الطب النفسي واضطراب الشراء القهري
السرقة في الأطفال