الأمومة علم وفن: مشاركة 2
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
أنا صاحبة استشارة الأمومة علمٌ أم فطرة؟: مغامرة د. وائل، أعتذر منك يا دكتور أحمد على تسرعي بالظن بأنك أهملت رسالتي في مشاكل وحلول, بينما رسالتي كُرمت وسافرت معك وأخذت من وقتك وتفكيرك، أشكرك لأنك لا زلت على عهدك تحاور وتناقش وتغوص في الكلمات لتكشف النقاب عن المستور، للأمانة, أنا أفكر كثيرا كيف كانت حياتي قبل أن أقرأ لك ولباقي المستشارين. أي ظلام سحيق كنت أغرق فيه وأي غمامة سوداء كانت تغلف عقلي؟
تستغرب مني سؤالي عن تعامل المستشارين مع أبنائهم, و لكن ضع نفسك مكاني, فتاة لا تعرف شيئا, القدوة المتوفرة لديها هي أمها ولكن كل ما رأته من أمها هو البعد وعدم الارتباط العاطفي. وفجأة تجد نفسها مسئولة عن زوج وبيت وطفل. ماذا تفعل؟ إلى من تلجأ؟
لا أبالغ حين أقول بأني ارتبطت بكم جميعا وجدانيا وأصبحتم بالنسبة لي الأسرة البديلة، ألا تنصحون كل من يفتقد الأسرة الحقيقة على المستوى العاطفي بأن يجد أسرة بديلة؟ بالنسبة لي أحس بالراحة عندما أقرأ لكم وأتخذكم قدوتي لذا ألوذ بكلماتكم وأرشف منها لأبني عقلي وروحي اللذان طال خواؤهما، لا تستغرب سؤالي عنكم ولا تستغرب غيرة زوجي منكم وخصوصا أنت يا دكتور لأنه يراني أقرأ لكم بنهم وأحاول التطبيق قدر استطاعتي، أعلنها صريحة أحبكم في الله.
أعود لرسالتي ولردكم عليها:
موضوع الأمومة شغل بالي مع بدايات صفحة مجانين وذلك بسبب بعض رسائل القارئات اللواتي يعانين بين ظهراني أسرهن وردودكم التي تحدثت عن دور الأم وعن ضرورة تعليم النساء أصول التربية جعلتموني أفكر والتفكير أول خطوة في الحل، بدأت أسأل نفسي هل أصلح أما؟ هل لدي المهارات المطلوبة؟ هل سأظلم أبنائي؟ هل سأتسبب بضياعهم بسوء تربيتي؟ هذه الأسئلة قادتني لصفحة معا نربي أبناءنا.
وأظن أن بتلك الصفحة من خبرات ومناهج علمية في التربية ما يغني الدكتور وائل عن خوض مغامرة إنشاء قسم لخبرات الأمهات، ولكن الأمومة أكبر من أن أستقيها من كلمات.. الأمومة فن يحتاج للمهارة التي تحتاج بدورها للتدريب العملي. وأنا هنا لا أنتقص من جهد العاملين في معا نربي أبناءنا.
بل بالعكس مجهودهم رائع ولكني أشبه ما حصل لي بمن قرأ كل شيء عن الحاسوب ويعرف تركيبه الدقيق ولكنه لم يلمس حاسوبا قط لذلك عندما يرى الحاسوب أمامه يخشى إن هو حاول ضغط أي زر خطأ أن ينفجر الحاسوب في وجهه.
التدريب هو ما أحتاجه ولن أتدرب على أبنائي حتى لا أسبب لهم عقدا نفسية. التدريب دائما يكون على صورة تحاكي الأصل قبل الوصول للممارسة العملية حتى تكون الخسائر أقل ما يمكن وأحسب أن هذا ما يدرسونه في كلية الطب.
أعلم بأنني أثقل عليكم فكيف يتسنى لكم مساعدتي بينما تفصل بيننا جبال وصحاري؟ كل ما أردته هو مشاورتكم في الموضوع كأسرة لي وسماع رأيكم في هذا الموضوع، فكرت باللجوء للجمعيات النسائية المنتشرة هنا ومع أنهم يعنون بأمور مهمة إلا أن الأمومة ليست من ضمن أولوياتهم وكما قلت من قبل فكرت بدراسة علم نفس الطفل ولكن بعد التفكير وجدت أن الدراسة أيضا نظرية إلا إذا درست بالخارج وهذا ليس متاحا الآن، ربما توجد حلول أخرى لم أنتبه إليها أرجو أن تدلوني إليها.
أود أن أذكر شيئا يحز في قلبي. شاهدت مرة برنامجا أمريكيا يتحدث عن الدروس التي تعطيها الكنيسة للمقبلين على الزواج والتي جاءت لتخفف من حالات الطلاق المنتشرة هناك، لم يكن الأستاذ واقفا يحاضر المقبلين على الزواج بل إنه طلب من إحدى النساء الوقوف والتحدث عن خطيبها وما يزعجها في تصرفاته ثم نادى الخطيب وتحدث معه عن كيفية حل تلك المشكلات وتناقش معهما بأمور كثيرة جعلتني أحس بالأسى على نفسي وعلى باقي المتزوجين في بلادنا ممن استيقظوا فجأة ليجدوا مسؤوليات كبيرة على عاتقهم ولم يعلمهم أحد كيفية إدارتها، أين دور المسجد هنا؟
سؤال يحتاج لتحريك جبال التخلف من على رؤوسنا ولا أنسى أن أعتذر عن خطابي المبهم في الرسالة السابقة وعيني عليكم. ولكني أكرر بأنه عتب محبة ودمتم سالمين.
ملاحظة ما هو خفاض الإناث؟ لا أحب أن تبقى أي كلمة في موقعكم غير مفهومة بالنسبة لي.
لذا أرجو التكرم بشرح هذا المصطلح
1/11/2004
وبتاريخ 16/11/2004 أرسلت:
الأمومة علم أم فطرة متابعة ثانية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
هذه متابعتي الثانية لـ -الأمومة علم أم فطرة -كلما قرأت ما كتبته لكم من قبل شعرت بالخجل من نفسي. فكلامي يوحي بأني كدونكيشوت أصارع طواحين الهواء موضوع الأمومة سيطر على تفكيري ويظهر ذلك في تخبطي الملحوظ في رسائلي السابقة، ربما الأمر لا يعدو أن يكون رعبا أحمله بداخلي تجاه مسؤلياتي الجديدة التي وجدت نفسي فيها بدون تخطيط مسبق. أو ربما لأنني وحيدة في بلد غريب لا أجد فيه من ينصحني ويرشدني، بل قد يكون خوفي من أن أكرر أخطاء أمي في تربيتي.
أشعر بالوحدة الشديدة ولا أجد من أبوح له بما يعتمل عقلي غيركم بعدما سافرت مع زوجي وقدمت إلى هنا أصبحت علاقتي بأمي على الهاتف مما يعني أن الحديث أصبح سيد العلاقة. بعد السؤال المعتاد عن الأحوال لم أجد ما أحدث به أمي و اكتشفت أن علاقتنا لم تكن يوما مبنية على الحديث. بالرغم من أنني ثرثارة عندما أحادث صديقاتي بالساعات إلا أنني فقدت الكلمات عند حديثي مع أمي ومكالماتنا قصيرة جدا لا تتجاوز ذكر آخر الأخبار.
ربما هذا ما يقلقني أن أشبه أمي فيعاني أبنائي كما عانيت، لا تردوا على رسائلي لأن الرد ليس غايتي. وقتكم يجب أن يوجه لمن يحتاجه أكثر مني. ولكني أفضفض فقط وأنتم ملجأي الوحيد من بعد الله فليس لدي من أبثه همومي. وإن وجد هذا الشخص فلن يفهمني. أعتذر عن إقلاق راحتكم بأسئلة ليس لها أجوبة واعذروني على كثرة الرسائل.
ودمتم لابنتكم
16/11/2004
رد المستشار
الابنة الفاضلة؛
نحن سعداء بك آملين أن نكون عند حسن ظنك، وهي أمانة نرجو أن يعيننا الله على القيام بمقتضاها إنه أهل ذلك والقادر عليه، إذا كنا متفقين أن التربية مهمة أخطر من أن تترك للأسرة البيولوجية -أي الأب، والأم– وأخطر من أن تترك لطرف بعينه أو جهة تنفرد بها أحسنت "أو أساءت"، وإذا اتفقنا على أن المسلمين أمة واحدة يسعى بذقهم أدناهم، وهم يد على من سواهم، وهذا مقطع من حديث شريف معناه أن المسلمين كالبنيان يشد بعضه بعضا، وبالتالي فإن تقصير والديك مجبور بجهود غيرهما، كما نتوقع أن يجبر غيرنا تقصيرنا في حق أولادنا أو في حقكم، وحتى نحقق معنى الأمة الواحدة التي أرادها الله كذلك إذا اشتكى منها عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر.
وها نحن نبذل الوسع، ونستفرغ الطاقة في عنفوان سنوات العطاء آملين أن يرعانا الله عبر مشيئته، وبواسطة عباده إذا ما احتجنا لمثل هذه الرعاية، ولعلنا لا نحتاج.
ومن نفس المنطلقات سيكون سهلا وواضحا أن أقول لك أن التدريب على الأدوار الاجتماعية -ومنها الأمومة– ينبغي أن يكون متاحا لكل أنثى بدءا من سن التكليف على الأكثر، وهو ما تغفل عنه الكثير من الأسر، وقد كان هذا الأمر مقضيا في الماضي عبر العيش في إطار الأسرة الممتدة متعاقبة الأجيال متعددة الفروع بحيث لا تبلغ الفتاة مبلغ الشباب إلا وقد رعت أطفالا، وتكلفت بشئونهم ولو لبعض الوقت، وهي تقوم بهذا الدور مع أخيها الأصغر أو مع أبناء وبنات الأخت أو الأخ، أو العم أو الخال أو الخالة.. الخ
ثم لما تقطعت الأسر الممتدة كما تقطعت أواصر الجيرة فقدنا أو فقدت نساؤنا فرصة التدريب العلمي على الأمومة، ومن هنا لم يبقى أمامك سوي نموذج الأم سلبيا ووحيدا كما في حالتك، وانعكاساته هي التي تتفاعل بداخلك وترعبك مما تجهلين وتخافين ونحن نحتاج إلى استعادة هذا كله على النحو الذي يناسب ظروفنا المختلفة الآن، ولعلك تقترحين في الجمعيات النسائية برنامجا يمكننا مبدئيا تسميته "أم لبعض الوقت"، ويمكن أن تكون فكرته باختصار أن تستضيف الأم المتطوعة طفلا أو أكثر لعائلة أو أكثر بحسب الاتفاق والطاقة، وسعة بيتها، وذلك لبعض الوقت والإيجابيات التي يمكن أن تنشأ عن برنامج كهذا متنوعة، وتستفيد منها كل الأطراف، والمسألة تحتاج إلى مبادرة بدء، ويمكن أن يترافق مع هذا البرنامج آخر يدعمه ويتضافر معه ويتضمن تدريبا للأم الأصلية والمتطوعة على بعض المواقف والمهارات المطلوبة لأمومة ناجحة.
ولا أريد الاستطراد في سرد فوائد تنفيذ هذا وذاك، وهنا التنفيذ قد يكون ممكنا في مسجدا ونادي، أو جمعية أو حتى في إطار اتفاق بين مجموعة، ولعل البعض ممن يسبحون في عالم الإنترنت يدلوننا على مواقع تتضمن مواد تفيد في هذا الصدد بمكوناته.
وفي عجالة أذكرك أن المسجد عندنا يمكن أن يستعيد دوره في خدمة المجتمع إذا ما أخرج نفسه من لعبة الشد والجذب بين الحكومات والحركات الدينية، وهي مرحلة عشناها وما نزال إلى حد كبير حيث أرادت الحركات أن تكون المنابر من مساحات المعارضة السياسية، ونقد الفساد والاستبداد، وأحيانا بديلا عن غياب القدرة أو الفرصة القانونية لمخاطبة الجماهير وقيادتها سياسيا وشعبويا، والنتيجة أن أجهزت الأنظمة على المسجد ليتحول إلى مجرد مبني لإقامة الشعائر في مواعيد محددة ثم ينغلق، والأفضل أن نستعيد أدوار المسجد الاجتماعي والثقافي والفقهي التعليمي، والسياسي العام إما ممارسة السياسة المباشرة بالمعنى الحزبي التنافسي فينبغي أن تنفتح أمامها الأبواب واسعة خارج مساحة المسجد، والحديث يطول.
أذكرك أن إعداد القساوسة، ورجال الكنيسة ممن يحتكون بالجمهور في الكنائس الأوروبية يختلف عن إعداده هنا في المسيحية الشرقية فضلا عن إعداد الشخص المقيم، ولا أريد توزيع الاتهامات، ولكن هذا ملف أعتقد أنه مسئوليتنا جميعا حتى يعود للمسجد دوره في المجال الأسري والاجتماعي، واستعادة دور المسجد ملف هام أيضا نعتز بمشاركتك فتابعي معنا الحديث ويمكنك البدء بالحركة كما أسلفت لك وأخبرينا بالجديد.
أما خفاض الإناث فهو التعبير الأكثر دقة فيما يخص استئصال بعض أو كل الأجزاء التناسلية الخارجية للإناث، وهو ما يسميه البعض ختانا، ويسميه آخرون تشويها.
ويتبع>>>>>> : الأمومة علم وفن: مشاركة2