وساوس مختلفة، وعذاب نفسي من الرياء.
السلام عليكم وجزاكم الله خيراً. لقد عانيت من الوسواس القهري منذ حوالي ١٧ سنة وكان عمري وقتها حوالي ١٨ سنة، وكانت الوساوس في موضوع الطهارة والصلاة، والوسوسة بنزول المني وكثرة الاغتسال، والوسوسة في الاغتسال، وهل وصل الماء للعضو الفلاني أم لم يصل، ووسوسة تفقد الأبواب وغيرها من الوساوس. وبلغت بي الوساوس أني كنت أُحضر أحد إخوتي ليراقبني وأنا أتوضأ أو أصلي ليتأكد من تكبيري تكبيرة الإحرام وعدد الركعات وقراءتي للآيات.
وراجعت طبيباً نفسياً وأعطاني دواء للأسف لا أذكر اسمه، وبفضل الله بعد فترة تخلصت من هذا الأمر بنسبة لا بأس بها. لكن يبدو أن الأمر بعد ذلك تطور بشكل سيء فلم أعد أستطيع تلاوة القرآن أو الصلاة أو الوضوء إن كان هناك من يراني فقد كنت أشعر بالرياء، فكل حركة في الوضوء أشعر فيها شعوراً لا أستطيع مقاومته بأني مُرائي فأستمر بالإعادة لأشعر بأن العمل لا يصاحبه الرياء مع مكابدة شديدة وألم وغم نفسي شديد، وكل حكم تجويد آتي به أشعر أني مرائي لدرجة أني أعيد الكلمات مرتين وثلاثة وأتوقف وأعيد خوفاً من الرياء، أما الصلاة فإذا كبرت تكبيرة الإحرام أشعر بالرياء، وإذا قرأت في صلاتي حكم تجويد أشعر وأنا ألفظه بالرياء، وإذا قُدِّمت للإمامة في الصلاة وقرأت الآيات قراءة حسنة بالأحكام والترتيل أشعر بأني مرائي ولا أستطيع دفع هذا الشعور، وبعد انتهاء الصلاة يصيبني هم وغم لا يحتمل. ينتابني شعور بأني منافق ومرائي دائماَ عند أي عبادة أو طاعة، وهنا سؤال هل تقبل توبة من عاهد الله على ترك معصية إن ستره الله، فستره الله ولم يستطع ترك المعصية وارتكبها مجدداً ضعفاً منه أمامها؟ أو طلب ورجا من الله الستر فإن عاد فليعاقبه في النار؟
هذه أمور مع الأسف ارتكبتها وأنا في تلك السن تقريبا قبل نحو ١٨ سنة (عمري كان نحو ١٧ عاماً أو يزيد قليلاً) في ذروة الشهوة والمناظر التي تظهر في التلفاز، علماً أن أهلي ملتزمون وكنت أخشى أن يراني أحدهم. ولازلت إلى اليوم أعاني من وساوس الرياء والنفاق مع اختفاء كبير جداً للوساوس القهرية العادية.
أبذل جهدي في البعد عن المعاصي وإن كنت أقع فيها أحياناً ضعفاً مني بعد مقاومة شديدة تستمر أسابيع وأحياناً شهور، لكن تغلبني نفسي وأرتكب المعصية ثم أبادر بالتوبة وأبتعد أيضاً فترة طويلة وهكذا، وأسأل الله أن يعينني على الطاعة.
أبذل جهدي بالتقرب إلى الله والصلوات في وقتها جماعة في المسجد لكن شعور الرياء والنفاق يقتلني فلا أتلذذ بطاعة أو قربة لله. فبماذا تنصحونني؟ وهل انطبقت علي آية: "ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصّدَّقن ولنكونن من الصالحين" إلى قوله تعالى "فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون"؟ وهل من حل لموضوع الرياء الذي ذكرته؟ علماً أني أحياناً أقصد فعل الطاعة أمام الناس محاولاً أن أعرض نفسي لما أخشاه من الرياء لعلي أتغلب على هذا الشعور فأبدأ أحياناً بشكل جيد لكن سرعان ما يعاودني ذلك الشعور.
أعلم أني أثقلت عليكم، وأعتذر عن الإطالة.
بارك الله فيكم، وجزاكم الله خيراً.
19/6/2020
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته يا "صهيب"
تضمنت رسالتك سؤالين: الأول عن وسواس الرياء وحكمه وكيفية الخلاص منه. والثاني عن الوقوع في المعاصي بعد التوبة منها وأثرها على الإيمان.
أما السؤال الأول: فوسواس الرياء كسائر الوساوس، لا حكم له، أقصد لا يوصف بحل ولا حرمة، فهو فكرة تهجم على الإنسان خارجة عن إرادته، يكرهها ولا يستطيع الخلاص منها، وما كان هكذا لا يؤاخذ الإنسان عليه. ووسواس الرياء معروف منذ سنين طويلة، وقد تكلم عنه الفقهاء القدامى في كتبهم، كالفقيه الشافعي ابن حجر الهيتمي (909-974هـ=1504-1567م) في كتابه "تحفة المحتاج بشرح المنهاج" عندما تكلم عن العَذَبة (وهي قطعة القماش التي تنزل من آخر العمامة) فذكر أن أصل فعلها سنة ثم تكلم على الذي يخاف أن يرائي بها إن فعلها فقال: (ولو خشي من إرسالها نحوَ خُيلاء [أي كبر وفخر] لم يُؤمَرْ بتركِها -خلافاً لمن زعمه-، بل يفعلُها، وبمجاهدةِ نفسِه في إزالةِ نحوِ الخيلاءِ منها، فإن عَجَزَ [أي عن طرد وساوس خوف الفخر والرياء من نفسه] لم يضرَّ حينئذٍ خُطورُ نحوِ رياءٍ [يعني وروده على ذهنه]؛ لأنه قهريٌ عليه فلا يُكلَّف به كسائرِ الوساوسِ القهريّة، غايةُ ما يكلفُ بهِ أنّه لا يسترسل مع نفسه فيها بل يشتغل بغيرها ثم لا يضرّه ما طرأَ قهراً عليه بعد ذلك.......).
فمهمتك إذن ألا تلتفت إلى هذا الوسواس مهما أحسست بالغم والضيق، فكل ما أنت مكلف به ألا تسترسل مع الوسوسة وأن تتجاهلها.
وأما السؤال الثاني: فحالتك لا تدخل تحت قوله تعالى: ((وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ* فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)) [التوبة:75-77] هذه الآية تتكلم عن المنافقين الذين كانوا على عهد النبي عليه الصلاة والسلام، والذين أخبر الله عنهم أنهم يضمرون الكفر ويظهرون الإيمان، وقد كانوا كاذبين في عهدهم منذ البداية، أو لأنهم أصروا بشدة على نقضهم للعهد ولم يرجعوا عندما ذُكّروا بالله. والآية نزلت في ثعلبة بن حاطب الأنصاري، وقيل في غيره، وارجع إلى تفسير الآية واقرأ القصة كاملة.
أما نحن، فبشر ضعفاء تغلبنا نفوسنا، وواجبنا التوبة والإقلاع عن المعصية والندم والعزم على عدم العود، فيغفر الله لنا. لكن قد يغلبنا ضعفنا مرة أخرى فنعصي، وواجبنا مرة أخرى أن نندم ونقلع ونعزم ألا نعود وقد وعدنا الله الكريم بالمغفرة مرة أخرى، حتى لو غلبنا ضعفنا مئة مرة وعدنا إلى الذنب، ما دمنا بعد المعصية نندم ونقلع ونعزم على عدم العود.
وفي الحديث الصحيح الذي رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجلّ قال: «أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَي رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ». متفق عليه. وليس المقصود اعمل ما شئت من الذنوب لأنك مغفور الذنب، وإنما المراد: أنك ما دمت تستغفر بعد أن تعود إلى الذنب فالله يغفر لك.
فثق بربك، وحسّن الظن به، ولا تسترسل مع وساوس الشيطان بأنك مراءٍ، فهو يريد صدك عن الطاعة وتنكيدها عليك إلى أن تتركها نهائيًا.
عافاك الله وأمدك بعونه
ويتبع>>>>>: وسواس الرياء وتكرار الذنوب م