الرهاب الاجتماعي
أنا عندي الآن 18 سنة، منذ أن كنت طفلًا تعرَّضت لأشياء كثيرة سيِّئة مثل التحرُّش، وأُمِّي كانت تضربني عندما لا أقوم بالواجب وما إلى ذلك... كنت أتبَوَّل على نفسي لسن 12 مثلًا.
الآن أشعر أني أخاف أن أمشي في الشارع، أخاف أن أُرْجِع الأشياء للبائع، أخاف من الاجتماعات حتى لو على برنامج "الزوم"، لا أستطيع حضورها، لا أستطيع إرسال رسائل صوتية حتى لا أشعر بالإحراج، أظن أن الناس سيضحكون على صوتي أو ما إلى ذلك، مع أني طبيعي أقوم بالمراسلة فقط، ولا أُسَلِّم على الضيوف أبدًا، حتى عندما كنت طفلًا صغيرًا كنت لا أُسَلِّم على أحد، ولكني عندما أصدِّق وأشعر بالثقة معهم أستطيع أن أُحَدِّثَهم بشكل طبيعي وأطلب منه المساعدة في أن يستفسر لي عن شيء في المحل مثلًا لأني لا أذهب إلى مكان إلَّا إذا كنت مُتَيَقِّنًا بوجود الأشياء عنده.
أنا شاطر جدًّا دراسيًّا، ولكن لا أرفع يدي لأجاوب في الفصل مثلًا، وأحب فقط الامتحانات الكتابية... لا أرتدي أي لبس قصير، لا أعرف لماذا!..
إذن هل أحتاج الذهاب لطبيب نفسي؟ أم يمكنني أن أعتاد على هذا?
19/2/2021
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ذكرت في رسالتك تعرُّضَك للكثير من التجارب السيئة في سن مبكر من عمرك، وهذا شيء مؤسف حقًّا إذ أنه من الواضح أنك لا زلت تعيش تحت ظلال هذه الذكريات، ولازلت أسير الماضي، ولكن الجانب المشرق هو رؤيتك الواضحة للأمور، ورَبْطُك لما حدث في الماضي بما يحدث في الحاضر، وهذا مؤشر جيد بأنك سوف تستطيع خَلْعَ غَلَّة الماضي والتقُّدم قُدُمًا مع المساعدة المناسبة.
مما ذكرت في رسالتك ما أراه هو أن نمط الحياة التي عشتها أدَّى إلى تدَنِّي واضح في تقديرك لذاتك، ومن ثَمَّ تطوَّر عندك القلق الاجتماعي.... الأشخاص المصابون باضطراب القلق الاجتماعي عادةً يكونون تعرضوا للإحراج أو الإذلال في الماضي، أو حتى للتنمر، وهذا يقودهم إلى الخوف من أن يحدث نفس الشيء مرة أخرى.
وهنا يدخل الشخص في دائرة مُفْرَغَة، حيث يؤدي سوء تقدير الذات إلى اعتقاد الشخص بأنه غير محبوب أو غير قادر على الأداء الجيد في المواقف الاجتماعية، وقبل التواصل الاجتماعي مع الآخرين قد تكون لديه أفكار سلبية مثل "لن أكون قادرًا على التأقلم"... وغالبًا ما يكون لدى الأشخاص الذين يعانون من اضطراب القلق الاجتماعي توقُّعات سلبية حول ما سيحدث في المواقف الاجتماعية كالأفكار الشائعة "لن أكون قادرًا على التفكير في أي شيء أقوله"، "سأجعل نفسي أضحوكة" و"سيرى الناس أنني قلق"... كما أنها تميل أيضًا إلى الحصول على معايير أداء عالية بشكل استثنائي يصعب تلبيتها مثل "لا يجب أن أكون قلقًا أبدًا" أو "يجب أن تكون جميلًا وذكيًا حتى تكون محبوبًا" أو "من الضروري للغاية أن أحصل على موافقة الجميع".... عادةً ما يكون لديهم معتقدات سلبية عن أنفسهم مثل "أنا ممل" أو "أنا غريب" أو "أنا مختلف عن الآخرين".
نعود إلى حلقتنا المفرغة: ستجعلهم هذه الأفكار يشعرون بالقلق عاطفيًا، وسرعان ما يُدْركون الأعراض الجسدية الناتجة عن القلق مثل جفاف الحلق والتعرُّق والارتعاش واحمرار الوجه.... هذا قد يُقَوِّي اعتقادهم السلبي بأنهم غير قادرين على التأقلم.
خلال المواقف الاجتماعية يكونون عادةً على وعي تام بذاتهم، وهذا سينتج عنه أفكار مثل "أنا متأكد أن الناس يمكنهم رؤية مدى احمرار وجهي" على سبيل المثال، أو "أبدو غبيًا" أو "أنا متأكد أن الآخرين يلاحظون كم أبدو تائهًا"، وهذا لا يؤِّدي إلَّا إلى زيادة مستويات القلق والأعراض التي ينتج عنها.
عندما يشارك الناس أحيانًا في المواقف الاجتماعية قد يقومون بأشياء معينة لمحاولة تجنُّب إحراج أنفسهم مثل عدم طرح الأسئلة أو الإمساك بكوب بإحكام حتى لا يرى أي شخص مصافحة يده، وهذه تسمى "سلوكيات الأمان" ولكنها تحجب عن الأشخاص أيضًا تقييم أنفسهم في المواقف الاجتماعية بشكل واقعي.... غالبًا ما يتجنب الأشخاص المصابون باضطراب القلق الاجتماعي المواقف التي تجعلهم خائفين، وهذا يساعدهم على الشعور بقلق أقل على المدى القصير، لكن على المدى الطويل يمنعهم التجنُّب من معرفة أن مخاوفهم الاجتماعية مُبالَغ فيها، مِمَّا يجعلهم يشعرون بالقلق.
كذلك يلجأ المصابون بالقلق الاجتماعي ما بعد التواصل مع أحد، إلى إجراء تحليل دقيق لأدائهم الاجتماعي بالتفصيل، وانتقاد أنفسهم بقسوة.
للأسف هذا لا يؤدي إلَّا إلى تقوية المعتقدات السلبية لديهم عن أنفسهم، والتي ستغذي كيفية تفكيرهم في أنفسهم في المرة القادمة التي يواجهون فيها موقفًا اجتماعيًا، وبالتالي الحفاظ على هذه المشكلة في حلقة مفرغة.
إذن مُلَخَّص الكلام هنا أن مَرْبَط الفرس ومَكْمَن الداء عندك أن ثقتك بنفسك ضعيفة جدًّا، وبالتالي أصبح القيام بأي نشاط يتطلب تعامل واحتكاك مع الآخرين يُسبِّب لك قَلَقًا
لذا الحل أن تبدأ بمعالجة نفسك إذا استطعت، أو اطلب المساعدة من مختصين في مجال علم النفس.
ذكرت لك هنا بعض الخطوات التي يمكنك أن تبدأ بها، ولكن قبل كل شيء تذكر أنك بإدراكك مكان المشكلة وماهِيَّتها وتقبُّلِها فقد مَشَيْت على الطريق الصحيح للعلاج.
واقرأ أيضًا:
نفسي عصابي رهاب اجتماعي Social Phobia