التَّفرِيق بين الوساوس والحقيقة
السلام عليكم. كنت مُصابَةً بالوسواس من قَبل، وكان شديدًا، ثم تَعافَيت منه بشكل شبه تام، ولكن بَقِيَت هناك بعض الأفكار الوسواسية، ولكنها لم تَكُن تُؤَثِّر على حياتي.
خلال الفترة الأولى كان يُقال لي بأنَّ عليَّ التجاهل وعدم الاسترسال مع الوساوس، وأنَّ كل ما يَعتَرِيني ليس مِنِّي حقيقةً، لكنّي بدأت أُطَبِّق ذلك على كل شعور بالذنب تجاه أي عمل أقوم به، فإذا اغتبت أحداً أشعر بالضيق والخوف لارتكابي ذنباً، وكنت أُفَكِّر أنَّ هذا رُبَّما من الوساوس وليس عليَّ شيء. فاستشرت مُفتِيَةً وقالت أنَّ هذا ليس وسواسا، بل ذنب، ويجب علي التوبة منه. فبدأت أحاول التَّحَرُّز من لَوْمِ الوسواس على أخطائي، وأُحاوِل التَّفريق بينهما، ولم تكن مشكلةً كبيرةً آنذاك.
الآن أشعر بأن الأمر اختلف، فكُلَّما أراني ارتكبت ذنبًا أبدأ بالتوبة والاستغفار، وأقضي فيها ساعات طِوَال قد أُعَطِّل فيها القيام بأي شيء آخر، فأتأخَّر عن النوم، ويُؤثِّر ذلك على دراستي، ولا أستطيع ممارسة الرياضة بشكل فَعَّال لأنه عليَّ التوبة، فأقضي معظم يومي في ذلك إلَّا أوقات تناول الطعام وهكذا. مثلًا: وجدت في منزلنا ورقة تَمَائِم مكتوب فيها كلام، وكنت أخاف أن أُمسِكَها فأُصَاب بِعِلَّة أو أقرأها فيَتَسَلَّط عليَّ الجن، أو حتى أنظر إليها، ففَكَّرت أنَّ هذا من خوف السر الذي يُعَدُّ شِركًا أكبر، حيث الاعتقاد بأنَّ هناك من له القدرة على جَلْبِ النَّفع والضُّر غير الله، فالتميمة لن تنفع ولن تَضُر، وخوفي منها غير مُبَرَّر وغير منطقي. وحاولت كذلك التَّخَلُّص من هذا الخوف، وأَظُنُّني نجحت، ولكن ما زال شعور الخوف يُراوِدُني كُلَّما رأيتها، فبدأت بالتوبة والاستغفار، وكُلَّما أحسست بأني تمَكَّنت من التوبة أشعر بأنَّها ناقصة لأنِّي أحاول التوبة فقط لأستطيع العودة لِمَا كنت أقوم به قبل الآن سواء كان النوم أو أي شيء آخر، فعُدْتُ للتوبة، وبعدها تذكرت أنه كانت تأتيني رَهْبة أو خوف كُلَّما رأيت أصنامًا أو أوثانًا. وتعلَّمت بعدها أن هذا يُمكِن أن يكون خوف شِركٍ أكبر لأنَّ الله _سبحانه وتعالى_ وحده يَملُك جلب النَّفع والضُّر. وحاولت التَّخَلُّص منه، وتذَكَّرت قبلاً أنِّي استَغَثت بشَخْصٍ مَيِت، وأدركت أن هذا حرام أيضًا، وقد يكون شِركاً مع الاعتقاد بقدرة الميت على جَلبِ النَّفع، ولا أدري ما كان اعتقادي حين فعلت ذلك، فبدأت بالتوبة والاستغفار، وحين أحسست أني تمَكَّنت من التَّخَلُّص من ذلك الخوف شعرت أن اطمئناني ليس ناتِجًا عن صِدقِ الاعتقاد بعدم قُدرَة المخلوقين على جلب الضُرّ، وإنَّما رغبةً مِنِّي بالشعور بالاطمئنان فحسب. ثم استفتيت وقيل لي أنَّه من الوساوس وليس عليَّ الالتِفَات لذلك.
وأرتَكِبُ خلال اليوم ذُنُوبًا أخرى فأتُوبُ مِنها جميعًا. وقد شعرت بشيء من التعب واليأس، فما أَلْبَثُ أن أتوب من ذَنْبٍ حتى أَجِدُني شَرَعْتُ في آخر، فأترك كُلَّ ما أفعل وأبدأ بالتوبة. لكنّي أشعر بأنه لا يَحِقُّ لي التفكير بذلك، فالذنوب هو شيء جَنَيْتُه على نفسي وعليَّ أن أُكَفِّر عنها، ولكنّ الطريقة التي أتوَقَّف فيها عن ممارسة أيَّ شيء وأقضي وقتي في التوبة فقط تُشبِهُ ما كنت أفعله سابقًا مع الوسواس، ولكنّي لا أستطيع ألَّا أتوب، فأنا ارتكبت ذنبًا. وكُلَّما وَقَع لي أن فعلت ذنبًا أشرح ما حصل لأحد المُفتِين عن الواقعة، فيقول لي أنه ليس علي شيء بل هي وساوس فاطْمَئِن، ولكن أرتَكِبُ ذنبًا آخر وأبدأ في الاستغفار، ثم أسأل مرَّةً أخرى وأُجَاب بأنها وساوس. الأمر أنَّه ليس طبيعيًا أن أُراسِل مُفتِيًا كُلَّما طَرَأ عليَّ أمر. أحتاج إلى طريقة أُفَرِّق فيها بين ما هو حقيقي أم لا. وأخاف من أن أبدأ بتَعْلِيق كل فعل خاطئ أقوم به على الوساوس كأنّني بريئة من كل تُهمَة.
حتى في الأمور غير المُتَعَلِّقَة بالدِّين،فمثلاً كنت أَشُكُّ بإيصاد الباب من خَلْفِي في الحَمَّام كثيرًا، وأُكَرِّر التأكُّد من الأمر، فتذَكَّرت أنَّه عليَّ قطع الوساوس. المشكلة أنني عندما أتأَكَّد أكتشف أنِّي لم أُوصِدِ الباب فعلاً أحياناً، فاتَّبعت قاعدة أن أتأَكَّد مرة واحدة عند الشك ولا أكررها، وكان الأمر جيداً حيث توقَّفْت عن التَّصَرُّف القهري، وضَمِنْتُ ألَّا أترك الباب مفتوحاً. ولم يكن ذلك يُؤثِّر عليَّ، فَصِرتُ أتَّبِعُ هذه القاعدة حتى في أمور الدين، وعندما أَشُكُّ أتأكد مرة واحدة، أمَّا إذا شعرت بتفَاقُم الوضع أترك الشك، لكن كل الفقهاء (إلَّا واحدة منذ أكثر من 5 سنوات عندما استشرتها في أمر الصلاة نصحتني أن أَنصُبَ كاميرا فيديو وأُصَوِّر صلاتي لأتأَكَّد ما إذا كُنتُ أُوَسوِسَ من دون ارتكاب خطأ أو هناك أخطاء حقاً) قالوا لي أن هذا خاطىء ويجب ألَّا ألتَفِتَ إلى أيِّ شَكٍّ أبداً، وأنَّ هذا يجعَلُنِي أشعر أنِّي غير مسؤولة عن تَصَرُّفاتي حتى لو نَتَج عنها خطأ (وكأني مَرفُوعٌ عَنِّي القلم أو مجنونة).
نُصِحت بالذهاب إلى طبيب نفساني، ولكنّي لا أعرف كيف للطبيب أن يُساعِدَني في التَّفرِيق بين الذنوب والوساوس. وفي نفس الوقت لا يُمكِنَني شرح الأمر للفقهاء، فالجميع نصيحتهم واحدة هي التجاهل التَّامّ، فأرشدوني جزاكم الله خيراً.
17/5/2021
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته يا "دراق"، وأهلًا وسهلًا بك على موقعك مجانين
أهنئك يا عزيزتي على إبداعك في تجاهل الوسواس ومخالفته، وأرجو أن تبقي ثابتة على ذلك، وأن يعافيك الله تعالى في أقرب وقت
لا داعي يا عزيزتي للتفريق بين الذنب الحقيقي والوسواس! لأن الذنب سواء كان صاحبه موسوسًا أم لا، فالتوبة منه تكون بالندم ولو للحظة، وبالعزم على عدم العود. ثم ينبغي نسيان كل شيء، لأن الشيطان يفرحه أن تنشغلي بالذنب والتوبة عن ذكر الله، وعن الأشياء المفيدة في الحياة. نعم، حتى المذنب فاعل الكبائر عليه أن ينسى ذنبه بعد أن يتوب لأن الله محاه من صحائفه، فما ينبغي له أن يضيع عمره ويشغل نفسه عن ذكر الله بتذكر ذنبه.....
ثم ما قصة (كفرت لأني استغثت، أو لأني خفت، إلخ...)؟ وهل سمعت عن أحد من الصحابة أو التابعين أو سائر الصالحين، أمضى عمره في الدخول والخروج من الإسلام؟!! الإسلام عروة وثقى لا تنحل بهذه السهولة التي نسمعها هذه الأيام....
من قال إن خوفك من التمائم يعني أنك لا تؤمنين بأن الله هو الضار النافع؟ إذن لماذا أمرنا الله تعالى ألا نشرب السم؟ وألا نقترب من الوحوش الضارية؟ وأن نستعيذ من الحاسد، ومن الشيطان؟ لو كان الابتعاد عن الأمور المؤذية، والخوف منها من الشركيات والمكفرات لما أمر الله تعالى بذلك... من الطبيعي أن تخافي، ويلزمك أن تبتعدي، ومع هذا تستعيذين بالله وبقدرته ألا يجعل في هذه الأسباب المؤذية ضررًا لك...
قصة الكفر عند كل عطسة امسحيها من قاموسك، فالكفر لا يحصل إلا بأمر صريح واضح لا يختلف عليه اثنان في أنه مخرج عن الملة.
وبادري بالذهاب إلى الطبيب لأنك ستستفيدين جدًا فأنت ملتزمة أصلًا بالعلاج السلوكي، وتحتاجين إلى شيء من المعونة الاختصاصية فقط
وفقك الله ورعاك، وأبعد الوساوس عنك
ويتبع>>>>>: وسواس الشبهات : الشعور بالذنب ثقيل العيار م