بداية لكم الشكر والتقدير على هذا الموقع الذي يهتم حقا بمساعدة الناس، أنا فتاة لدي وساوس خطيرة تلازمني ولم أستطع التخلص منها، وهي تتعلق بذات الله، وتصل إلى درجة السباب، تعالى الله عن ذلك،
في البداية أحاول منع نفسي من ذلك، لكن بعد لحظات أفعل ذلك، وأيضًا أستهزئ بالدين، فمثلًا شاهدت مقطعًا يقول فيه شخص، إن الله ينظر إلينا، فقلت: لا أريد أن ينظر إليَّ، والعياذ بالله.
أصبحت لا أستطيع النوم بسبب ذلك، وأمتنع عن الأكل فلا أستطيع أن أعيش هكذا، أشعر بتناقض نفسي، فأنا كاذبة، ولا أعرف ما أريد، وكثيرًا ما أشعر بصداع شديد، وتهجم عليَّ كلمات بذيئة مع هذه الوساوس، ولا يتركني هذا الشعور لا في الصلاة ولا النوم.
من شدة معاناتي أصبحت لا أستطيع نطق: "إنا لله وإنا إليه راجعون"، أو "سمع الله لمن حمده"، أو "أستغفر الله" لو نطقتها تأتيني صور فظيعة لا تحتمل، وأتخيل أشياءَ قبيحة وأنا أُصلي، وإني لأكره أن أكتُب هذا الكلام، ولكن لا أَملِك غير ذلك، لذا أرجوكم تفهَّموا ما يجول برأسي؛ فقد أصبحت لا أستطيع النوم إلا إذا ألصقت ظهري بالحائط، وأخاف من السجود والركوع، ولكن عندما أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم تخف تلك الوساوس.
لا أعرف إن كنتُ أنا مَن أقول هذه الأشياء أم أنها وساوس؟ ولا أعرف ما الذي أشعر به، ولا أعرف من أنا، لا أعرف أأكره الدين أم أحبه، وإني خائفة فأحيانًا أخاف من النار، وأحيانًا لا أشعر بشيء، وأشعر أنه شيء عادي.
هل تلك وساوس أيضًا مع أني قلتها بإرادتي؟
أنتظر ردكم بسرعة من فضلكم
29/07/2021
رد المستشار
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ "سعدة" حفظها الله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: أهلا وسهلا بك على موقعك ونرحب دائما بأسئلتك واستفساراتك
ابنتي الكريمة: المشكلة الرئيسية التي تعانين منها هي الوسواس القهري الاضطراري، ويأتي دائمًا الوسواس القهري في أشكال عدة، منها: الأشياء الدينية، وأحيانًا أشياء جنسية، وأنت تعانين من الوسواس القهري المرتبط بالأشياء الدينية في المقام الأول
أمَّا بخصوص الصور الفظيعة وتخيلك لأشياء قبيحة، فهذا فأيضًا من أنواع الوسواس القهري الاضطراري، وأحيانًا قد تكون ذهانية، وتكون ذهانية إذا كان هناك اعتقاد جازم بوجودها، اعتقاد لا يتزحزح، ولا يتطرق إليه الشك، أمَّا إذا كانت ناتجة عن الوسواس والانشغال الزائد فهذا لا يكون ذهانيا.
على أي حال: العلاج المناسب لحالتك هو علاج وسواس للقهري، مثل السيرترالين، خمسين مليجرامًا، ابدئي بنصف حبة ليلاً لمدة أسبوع، ثم بعد ذلك حبة كاملة، ويجب أن تستمري على هذا العلاج لفترة لا تقل عن ستة أشهر، حتى بعد زوال أعراض الوسواس القهري، حتى لا يعود مرة أخرى، وبعد ذلك أوقفيه بالتدرج، بسحب ربع الجرعة كل أسبوع، حتى يتم التوقف منه تمامًا.
وبالنسبة لموضوع الصور الفظيعة وتخيلك لأشياء قبيحة فلعلّ من المستحسن أن تُضيفي دواء (رزبريادون) واحد مليجرام، ابدئي بنصف حبة أيضًا لمدة أسبوع، ثم بعد ذلك حبة كاملة، وبمجرد اختفاء هذا العرض- عرض تخيل الأشياء القبيحة أو الصور الفظيعة - يمكنك أن تُوقفي الرزبريادون بعد استعماله لمدة شهرين إلى ثلاثة أشهر، واستمري على السيرترالين وحده، ويستحسن أن تُضيفي علاجًا سلوكيًا معرفيًا، إذا كان بالإمكان التواصل مع معالج نفساني، وإلّا فاستمري على هذا العلاج حتى تختفي هذه الأعراض، ويجب الاستمرار في السيرترالين ستة أشهر، والرزبريادون ثلاثة أشهر، حتى لا تعود الأعراض مرة أخرى.
أما بالنسبة للأفكار الوسواسية : فأنت لست مؤاخذة على هذه الأفكار الوسواسية، فهي قاهرة، مستحوذة، متسلطة، إذ أنى الإنسان مكره عليها لدرجة كبيرة، فلا تعنفي نفسك، ولا تعاتبي نفسك، ولا تحملي على نفسك فوق طاقتها، أبشري - أيتها الفاضلة الكريمة –هذه الوساوس نحن نرى أنها- إن شاء الله تعالى – دليل على صدق إيمان الناس، ومهما حاول الشيطان ومهما تحايل وحاول أن يتسلط على المسلم، - فإن شاء الله تعالى - هو مهزوم في نهاية الأمر.
المنهج العلاجي الصحيح، الذي يجب أن ينتهجه الإنسان هو أن يحقر هذه الوساوس، وألا يدخل في تفاصيلها، وأن يغلق عليها الباب، الوسواس مرض ذكي جدًّا، يحاول أن يفتح ثغرة هنا وهناك في فكر الإنسان ليستدرجه من أجل الاسترسال، لذا وصل علماء السلوك – ونحن كأطباء مسلمين – نرى أن هذا أفضل منهج، أن تحقري الوسواس، ألا تناقشيه، ضعيه تحت قدمك، عليك بإهانته، عليك بتحقيره، خاطبيه مخاطبة مباشرة (أنت وسواس حقير ولن أهتم بك أبدًا) اصرفي انتباهك عنه تمامًا.
وهنالك بعض الأمور السلوكية الجميلة التي رأينا أنها مضعفة للوساوس جدًّا، مثلاً اربطي الفكرة الوسواسية حين تأتيك بشيء قبيح آخر، أو أدخلي على نفسك فكرة مخالفة تمامًا، ويمكنك أيضًا أن تقومي ببعض التمارين السلوكية الممتازة، حين تأتيك الفكرة الوسواسية لا تناقشيها، لكن قومي بربطها مثلاً بأن توقعي الألم على نفسك، اضربي على يدك بقوة وشدة شديدة حتى تحسي بالألم، هنا الربط بين هذا المنفر وهو إيقاع الألم والفكرة الوسواسية، قطعًا سوف يحاول الوسواس يُضعفها. هذه التمارين يجب أن تُكرر باستمرارية.
كما أن سب العبادة أو سب الله تعالى أو سب دينه، إن كان مجرد خاطر وحديث نفس، فلا يؤاخذ به العبد ما لم يتلفظ به، أو يعمل بمقتضاه، أو يستقر في قلبه بحيث يصير اعتقاداً لا ينفر منه صاحبه ولا يكرهه.
إن كره العبد وخوفه ونفوره من هذه الخواطر والوساوس الشيطانية، علامة على صحة الاعتقاد وقوة الإيمان. فقد جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان. رواه مسلم.
قال النووي: معناه: استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه، ومن النطق به، فضلا عن اعتقاده، إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا وانتفت عنه الريبة والشكوك.
وفقك الله وسدد خطاك.
واقرئي أيضًا:
وسواس الكفرية : الوسوسة تسقط التكليف !
وسواس الكفرية : لا قرار ولا استقرار حتى السب المكرار
وسواس الكفرية : لا قصد ولا نية ولا أي مسؤولية !!
وسواس الكفرية: سب الدين والاستهزاء والردة
وسواس الكفرية : عرفت فأحسن التجاهل أسبوعين !
وسواس الكفرية : وهم استجلاب الوساوس ! م
وسواس الكفرية : لا شيء يؤدي للكفر !
وسواس الكفرية : يقول وعكسه أقول، فيزيد لا يزول !
وسواس الكفرية : طظ ولا تقولي العكس !
وسواس الكفرية : حتى النطق بالكفر ليس كفرا