السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعاني من الوسواس القهري من حوالي 18 سنة تقريبًا، وقد بدأ معي الوسواس بالشك في الطهارة، ثم في الوضوء والصلاة من حيث أني غسلت أم لم أغسل، وكذا في التكبير هل كبرت تكبيرة الإحرام أم لم أكبر، وصليت أربعًا أو ثلاثًا، كما أعيد الفاتحة والتشهد وغيرها، وأمكث في ذلك الوقت الطويل.
ثم تطور معي الأمر بأن أجعل أحد إخوتي يراقبني في الوضوء والصلاة لئلا يقع مني غلط، وإن صليت أو توضأت وحدي عندها تكون معاناتي بكثرة الإعادة، وبفضل الله تمكنت بعد مرور فترة من تجاوز هذه المحنة، لكن ظهرت لي مشكلة أخرى وهي الوسواس في موضوع الرياء، والغريب بالموضوع أني كنت أجعل إخواني يراقبونني في صلاتي، أما الآن فأنا أبذل جهدي لئلا يراني أحد، ومع ذلك فأنا دائما يراودني شعور بأن أحدًا ما يراني رغم استحالة ذلك، وإن رآني أحد كان الأمر أشد، فلا أستطيع أن أقوم بالوضوء، أو الصلاة، أو قراءة القرآن، أو الذكر دون شعور الرياء، وإعادة القراءة، أو غسل الأعضاء، أو حتى تكبيرة الإحرام، مع العلم أن الموضوع لا يتوقف على الإحساس بالمراءاة في الصلاة فقط، وإنما يتجاوزه لأي عمل صالح آخر.
وسؤال آخر: هل المقصود بالآية التالية: [ومنهم من عاهد الله] إلى قوله تعالى: [فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه...] أن من عاهد الله عهدا ونقضه أنه منافق؟ حيث إنني كنت قد عاهدت الله -قبل الوسواس أي قبل 18 سنة أو أكثر- ألا أنظر إلى ما حرم الله إن ستر علي، ولكني ضعفت ونقضت العهد، فلدي خوف أن ما يحصل معي بسبب هذا الأمر!
وإن كان كذلك فما العمل؟
جزاكم الله خيرا.
28/10/2021
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا "أنهار"، جعلك الله أنهارًا للخير والبر
أما وسواس الرياء، فهو وسواس معروف قديم، وذكر العلماء أنه لا يضر. فهذا الفقيه الشافعي ابن حجر الهيتمي، في كتابه "تحفة المحتاج بشرح المنهاج" عندما تكلم عن العَذَبة (أي قطعة القماش التي تنزل من آخر العمامة)، بعد أن ذكر أن أصل فعلها سنة ثم تكلم على الذي يخاف أن يرائي بها إن فعلها قال: ((...فإن عَجَزَ (أي عن طرد وساوس خوف الفخر والرياء من نفسه) لم يضرَّ حينئذٍ خُطورُ نحوِ رياءٍ (يعني وروده على ذهنه)؛ لأنه قهريٌ عليه فلا يُكلَّف به كسائرِ الوساوسِ القهريّة، غايةُ ما يكلفُ بهِ أنّه لا يسترسل مع نفسه فيها بل يشتغل بغيرها ثم لا يضرّه ما طرأَ قهراً عليه بعد ذلك.....)).
وعلى هذا لا داعي لإعادة الوضوء أو النية أو الصلاة وغيرها، لأن شعور الرياء قهري لا تستطيعين رده والخلاص منه. هذا هو الحكم، ويبقى عليك أن تقاومي الإعادة، عباداتك صحيحة مقبولة فلماذا الإعادة؟ إنها مجرد إضاعة وقت يشغلك بها الوسواس.
نأتي لسؤالك الآخر عن معاهدتك لله على ترك معصية، ونقضك لهذا العهد، وعلاقته بقوله تعالى: ((وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ)) (التوبة:76-87)
طبعًا ليس لفعلك علاقة بهذه الآية البتة؛ وإنما أنت داخلة تحت قوله صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: (أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِى ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِى أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِى ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ). رواه البخاري ومسلم
فطالما يعرف العبد أن له ربًا إن شاء غفر الذنب، وإن شاء عاقب عليه، واستغفر وتاب فإن الله يغفر له، مهما ضعف وكرر الذنب، ما دام يندم بعد كل زلة ومعصية.
وقد تتساءلين: ما علاقة هذا بالعهد؟! والجواب: إن التوبة في حقيقتها ليست إلا عهدا بينك وبين الله تعالى أن تتركي الذنب ولا تعودي إليه. فمن شروط التوبة: العزم على عدم العودة إلى الذنب، أي معاهدة الله تعالى على عدم إتيانه مرة أخرى. ومع هذا فالله يغفر للإنسان مهما كرر الذنب ما دام يكرر توبته وعهده، ولم يعده منافقًا يستحق الطرد من رحمته. وقال العلماء: إن إخوة يوسف عليه السلام عاهدوا أباهم فأخلفوه، وحدثوه فكذبوه، وائتمنهم على يوسف فخانوه وما كانوا منافقين.
أما الآيات، فلاحظي قوله تعالى: ((وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ)). أي مصرون على الإعراض مظهرون له، وأنت لست كذلك، فندمك ظاهر من كلماتك. كذلك قالوا إنَّ نقض العهد الذي هو من أعمال المنافقين، ما كانت النية عدم الوفاء به منذ البداية.
والوسواس ابتلاء من الله تعالى كسائر الأمراض، يكفر الخطايا، ويرفع الدرجات إن صبر العبد واحتسب، والدنيا دار ابتلاء لا يستثنى من ذلك أحد من الناس، بغض النظر عن الذنوب.
وأؤكد عليك أن تذهبي إلى الطبيب بالسرعة القصوى، فلن تحل مشكلتك هذه الإجابة، ولا غيرها...
عافاك الله وطمأن بالك
واقرئي أيضًا:
الرياء والوسواس القهري
مريم من الجزائر: وسواس الرياء
وسواس الصيام وسواس المذي وسواس الرياء
وسواس الرياء وتكرار الذنوب!
وسواس قهري يمنعني من الصلاة!