عدم الزواج الثاني
مشكلتي أعيشها داخل نفسي منذ سنوات، أنا لا أكره زوجتي، وإنما -ومن البداية- أقنع نفسي بأن العشرة الطيبة معها ستولد الحب بيننا.. فهي مؤمنة طيبة.. وتمر الأيام ويرزقنا الله بالبنين والبنات والحمد لله .. أحاول جهدي معها، ولكن لم يرتفع ترمومتر الحب بيننا.
مع العلم أني لا أشعرها بذلك وأعيش معها بالمعروف ولا توجد مشاكل في الأسرة بشكل عام.. ولكن يبقى داخلي فقط الصراع .. فهي حقيقة لا تشبع رغباتي النفسية والجنسية .. وحاولت معها بطرق شتى؛ ولكنها قدرات وأرزاق قسّمها الله على عباده .. هي حساسة جدًّا .. تمرض إذ لم أنتبه لها، فما بالك إذا تزوجت بثانية.
لا أريد الشقاء لها أو لأولادي .. أستعين بالله وأصبر وحريص على أن أرضي ربي .. فكيف أتغلب في نفس الوقت على الحاجات النفسية والجنسية التي تؤرقني.. أقع أحيانًا في خطأ عدم غض البصر!! فأحزن مرتين: الأولى لأن ذلك يغضب ربي والثانية لعجزي عن كبح رغبتي هذه حتى الآن ..
فهل أنا آثم لعدم زواجي من ثانية (الحمد لله أستطيع ماديًا) .
جزاك الله خيرًا.
1/12/2021
رد المستشار
أهلاً بك يا أخي، ومعذرة لأنني قد طال تأملي في قصتك، وأود أن أصارحك بأن المسألة ليست سوى "أزمة منتصف العمر" التي نمر بها جميعاً في سن معينة، ويحتاج الرجل فيها إلى تجديد مشاعره تجاه نفسه: ثقة في فحولته، وبحثاً عن اهتمام خاص به تعجز بعض الزوجات "الطيبات" عن تقديمه في حينه؛ فيتحول الزوج إلى النظر "في الخارج".
وانتهز فرصة سؤالك لأقول إنني لست مع أو ضد "الزواج الثاني"، وكما قلت من قبل إن الله قد أحله بمعنى أنه لم يحرمه، ولم يفرضه، وترك للإنسان المسؤول تقدير أعبائه وتبعاته، وأعتقد أن القيد الوحيد على تعدد الزوجات هو مبدأ وفلسفة التعدد ذاته، فهو يضع لك النهاية من أول الطريق حين يقول: إنه لا علاقة جنسية في الإسلام بين رجل وامرأة إلا بالزواج، وعلى كل من يهم بالسير في طريق الإعجاب بأخرى أن يعرف أنه مقدم على مسؤولية جديدة وأعباء جديدة، والقرآن ينبه إلى هذا. "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع"
.
فالزواج الثاني هو حل لمسألة محددة هي أن تطيب امرأة لرجل، ويطيب لها، وبعد أن سارا في طريق طويل بدأ بالتفكير، وانتهى بقرار واعٍ ومسؤول. أنا لست مع أو ضد هذا، أنا فقط أحب أن يكون الناس كباراً ناضجين على قدر مسؤولية حرية الاختيار التي منحهم الله إياها دون إلقاء التبعات أو تعليق الأخطاء على الآخرين، وهو ما يحدث حين يشير الرجل إلى أن زواجه الأول كان متعجلاً، أو أنه أخطأ الاختيار.. إلخ.
وحين يشير إلى أنه يريد الزواج الثاني، لأن زوجته كذا وكذا أي أن السبب منها.
أحب أن يكون الإنسان صريحاً مع نفسه، ناضجاً في تصرفاته، مسؤولاً عن اختياراته مسؤولية كاملة فيقول مثلاً: أشتهي النساء، ولا تكفيني زوجتي رغم اجتهادي، أو يقول: إنه محتاج لامرأة ذات حسب أو مال، وأمامي واحدة من هذا الصنف.. إلخ من حقائق الحياة المفهومة ومن هذه المصارحة ننطلق لنجيب على مسائل حقيقية بدلاً من مبارزة طواحين الهواء التي تدفعنا إليها الأسئلة الغامضة غير المباشرة.
ولن أضيف كثيراً على ما قلته في إجابة "سيكولوجية الرجل الشرقي" إنما أجمل لك القول بأن الزواج الثاني قيد على قيد، ومسئولية مضافة وعبء كبير ينبغي ألا يلجأ له الرجل الحكيم إلا مضطراً، حتى إذا قام بواجبه الشرعي كما أراد الله على الوجه السليم من عدل وخلافه، وتحمل مسئولية هذا الزواج وآثاره على الأسرة الأولى بشكل كامل.
وسيحتاج إلى مهارات عالية ليقود سفينتين، ويدير دفتين في بحر الحياة العاصف، وأؤكد أنني رأيت نماذج كثيرة خرجت من التجربة بأن العائد من الزواج الثاني لم يكن بقدر ما كان مأمولاً منه، وعليه فليس في المسألة صراع يا أخي العزيز إنما حسابات دقيقة، ومراعاة لله سبحانه في كل خطوة، وانتباه لتغيرات منتصف العمر بفهمها، والصبر عليها.
فإن كان اختيارك قد وقع فعلاً على امرأة أو قامت بينك وبينها علاقة فالله أحق أن تخشاه ـ من زوجتك ـ ولا سبيل أمامك إلا الزواج، أو قطع هذه العلاقة فوراً بحسب الظروف والأحوال والدرجة التي وصلت إليها العلاقة، واعلم أن قرار الزواج الثاني مثل قرار الزواج الأول له ما بعده مما ترى وتعرف فكأنك تريد علاج مشكلة ما بمشكلة أخرى، فيصير عندك مشكلتان ربما تبحث لهما عن ثالثة يكون فيها الحل!! والمصريون يقولون "التالتة تابتة"
أما إذا كان اختيارك أن تصبر وتضحي فإنما تنجح الأسرة بالتضحيات التي يبذلها الطرفان دون ضجيج، وليست الحياة يا أخي هي الدنيا فحسب، تلك الدنيا القصيرة التافهة التي يغرنا زخرفها فنتغافل عن حقيقتها، ونسعى لتحقيق الإشباع الكامل فيها، رغم أن فلسفة الإسلام في التعامل مع الدنيا هي الجد والسعي فيها مع تمام اليقين والإدراك أنها دار نقص ولو اكتملت.
ويبقي الزواج الثاني صمام أمن وضعه الشارع الحكيم ليس لحل مشكلات العنوسة، فالمجتمع الإسلامي أصلاً لا ينبغي أن تعنس فيه الفتيات، وليس لخرافة كثرة عدد النساء "في العالم" على الرجال، والهروب من مشكلات التقاليد البالية والأعراف الجاهلية التي أدت إلى الأوضاع الاجتماعية المقلوبة التي نعيشها لا يكون الحل الترقيعي المتمثل هنا في الزواج الثاني، وإنما يكون بمواجهة صريحة لعيوبنا، وشجاعة جسورة في التعامل معها.
أنا هنا أرد على بعض الأطروحات التي تدرك مسألة تعدد الزوجات على نحو تبريري مختل، الزواج الثاني والثالث والرابع حل محدد لمشكلة محددة راقت فيها امرأة لرجل بعينه بعد أن تجاوزا حدود غض البصر، وعدم الخلوة..إلخ. وأصبح أمامهما إما الزواج أو الزنا، كما يبقى صمام أمن للمحافظة على الأسرة الأولى ـ لا هدمها ـ بتكوين أسرة ثانية تدعمها، ولا تحذف منها، أو تقوم على أنقاضها، الثانية تدعم الأولى إذا كان فيها عيب قادح تجبره، أو خلل شديد تسد ثغرته.
والفيصل في القرار هو الزوج وتقواه وضميره، هو يتخذ القرار، وهو يتحمل مسؤوليته في الدنيا: أمام زوجته وأبنائه والمجتمع والناس، وفي الآخرة أمام الله سبحانه يوم يقوم الأشهاد والله أعلم.
يبقى شيء طريف أحببت أن أتركه لنهاية الإجابة، وهو قولك: "فهل أنا آثم لعدم زواجي من ثانية".
وأقول لك.. قال الله تعالى: "أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم" فهل يعد آثماً من لم يضاجع امرأته في ليالي رمضان؟!
إن المباح يا أخي لا يأثم الإنسان بتركه، كما لا يثاب بمحض فعله إلا بالنية منه والإحسان فيه.
واقرأ أيضًا:
سيكولوجية الرجل مشاركة