أرجو أن ترسلوا رسالتي هذه إلى صاحب مشكلة: "حبيبتي ليست في مدينة الرسول"، ولا أمانع من نشرها على الموقع.
قد يبدو في مشكلتي شيء غريب، ولكن دعوني أقص عليكم هذه الحكاية، فربما عبرت كلماتي عن بعض ما في جوفي، ولن تكون إلا غيضاً من فيض.
أنا فتاة نشأت في بلد عربي -وما زلت فيه-، وترعرعت وسط عائلة نصرانية غير متدينة، واعتنقت الإسلام وأنا في الخامسة عشرة من عمري.
ظروفي في المنزل كانت قاسية لدرجة كبيرة؛ حيث إنني بدأت في الصوم منذ العام الأول لإسلامي، وبسبب عادتي في الطعام -حيث كنت أتناول وجبة واحدة خلال النهار -تمكنت من الصيام، ثم بدأت الصلاة بعد تحسن الأحوال، وبالتحديد بعد 6 سنوات.
وكنت خلال تلك الفترة أقرأ ما تيسر من كتاب الله، وعلى ما أعتقد فإني -إلى الآن -قرأت كتاب الله على ما يربو من ثلاثمائة مرة، وأقرأ في تفسيره، وقرأت مئات الكتب الدينية والأدبية الإسلامية، وابتعدت عن كثير من المحرمات.
لم يشأ القدر ولم تحن الظروف الملائمة لإعلان إسلامي وارتداء الحجاب حتى هذه اللحظة، وفي شهر رمضان من هذا العام تمكنت من إقناع أهلي بأنني في رحلة سفر؛ حتى أتمكن من قيام الليل والتعبد كما أشاء، وساعدتني الظروف حيث إني مسؤولة استيراد وتصدير في شركة تجارية، وكنت دومًا على سفر.
واشتاق قلبي وحن لأداء العمرة، وتمنيت أن أزور قبر الحبيب المصطفى، وأن أرى الكعبة بأم عيني، ولكن الظروف حالت بيني وبين ذلك، فدعوت ربي في جوف الدجى بكثير من الدموع أن يأجرني في مصيبتي، وأن يبدلني خيرا منها، فشاءت الأقدار أن أستطيع إعلان إسلامي عن طريق إحدى المحاكم الشرعية، ولكن لم أعلنه بعد إلى المجتمع، ثم أغدق علي ربي برحمته وشاء لي أن أرتب لكي أذهب للحج وأكون ضيفة له، وفعلا ذهبت بعد أن علم أهلي بأنني في رحلة إلى دبي.
ذهبت إلى مدينة الرسول، ورغم همومي وكثرة مشاكلي فإن للمكوث هناك طعما آخر، وللحياة لونا أجمل من كل الألوان.. كنت أتجول في المسجد النبوي، أصلي وأتعبد، وأشعر بمعية الله، كنت أتجول في الشوارع؛ وأحمد ربي، ولربما صادفت خطاي مرة مكان خطا حبيبي رسول الله، أو أحد صحابته، ولربما وافق موضع سجودي مرة موضع أحد من هؤلاء.
كم كان جميلا أن أمشي في مكان الكل فيه يردد لا إله إلا الله محمد رسول الله، حتى إنني عندما أطلق العنان لأفكاري أتمنى أن أملك الكثير من المال حتى أشتري أرضا كبيرة أبني عليها بلدة صغيرة للمسلمين. كم هو جميل أن تعيش في مدينة الرسول، وأن توافق الخطا الخطا!.
ورغم أنني لم أنهِ رحلة العمر، وعلم الأهل بالأمر واضطررت للعودة ليلة عرفة، ورغم أنني ما زلت أعتصر ألما، فإن اللحظات التي عشتها في مدينة الرسول كانت هي الدواء للقلب المعتصر.
أخي، لا تترك مدينة الرسول مهما كان السبب، فإن كانت تحبك فلترحل هي ولتعش أنت في مدينة الرسول.
ومن الله التوفيق
1/1/2024
رد المستشار
الأخت المشاركة
أرجو أن تكون إجاباتي السابقة عليك قد وصلتك، بخاصة إجابتي: "أسلمت وتعاني: قاطعي حزب "كلام الناس"، وأنت اليوم تثيرين ما يستحق التعليق، فكلنا يحب المكوث في جوار الحبيب، وشأننا في هذا شأن محب صادق، وكلنا يحب أن يمشي هناك أو يسجد أو حتى يرقد، فقد توافق الخطا خطاه، وقد تتلاقى مواضع الجباه.
ولقد نمت في المدينة نوما هادئا لم أذق مثله في غيرها.. إنها حضرة الحبيب، ولكن دعينا نتأمل في فلسفة التقديس والنشاط الروحي في الإسلام وارتباطه بالمكان، والأحوال، والأشخاص، فالإسلام في هذا متميز كما سأحاول التبيين، وعلى الله التفهيم.
للمدينة المنورة فضلها المعروف، ولكن ديننا لا يعرف فكرة البقاع المقدسة على النحو الذي تعرفه بعض الشرائع الأخرى؛ فليس للمكان قداسة في ذاته أبدا، وليس لشيء أو موضع فضل إلا في حدود ما أوجبه وحدده الله سبحانه، وقصة الفاروق عمر وقولته الشهيرة للحجر الأسود تدل على ذلك، حيث قال: "والله، إنني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أنى رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -يقبلك ما قبلتك".
وذكرت في إجابة سابقة لي قصة الرسالة التي وصلت سلمان الفارسي -فيما أذكره- من صديق له يدعوه للقدوم إلى المدينة والمكوث بها حيث الأرض المقدسة المباركة -على حد تعبير صاحب سلمان، ويرد عليه سلمان الذي كان يجوب الأرض مرابطا على الثغور ومجاهدا في سبيل الله، يرد بما معناه أنه وبقية الصحابة قد أدركوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتعلموا منه أن عمل المرء وجهاده هو الذي يقدسه، وليس المكان الذي يمكث فيه؛ فلو مكث الصحابة جميعا إلى جوار الحبيب لما خرج الإسلام من جزيرة العرب؛ ولبقي هناك منزويا؛ وربما تآكل وانتهى، ولكنهم رضوان الله عليهم خرجوا مجاهدين في أرجاء الأرض؛ حتى وجدت في رحلتي الأخيرة لآسيا الوسطى قبورا منسوبة لصحابة في أماكن تبعد عن الجزيرة العربية آلاف الأميال.
فليذهب من شاء وساعدته ظروفه ليزور الحبيب ويبكي بين يديه، ويجدد العهد والنشاط، ثم يعود للعمل والجهاد في أي مكان؛ فبهذا يرضى الرسول؛ لأنه لا كنيسة في الإسلام، ولا بقعة مقدسة بالمعنى النصراني، ولا رهبانية تقطع المسلم عن الدنيا من أجل الدين، ولا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية