أنت وماما.. التسلط لا يبيح العقوق
السلام عليكم..
أنا صاحبة استشارة.. "أنت وماما.. التسلط لا يبيح العقوق".. جزاك الله خيرا يا دكتورة على ردك، وعلى تفهمك أيضا.. وإن كنت أرى أنه قد حدث سوء فهم؛ فتلك القصة التي تروينها لي، قد رأيت مثلها أكثر من مرة؛ فنموذج الأم العصبية، وخلاف الأم والابنة قد صار شائعا، ولكن أؤكد لك أن ظروفي تختلف.
أعتقد والله أعلم أن الأم التي تذكرينها، كان يمكن أن تهدأ مع الزمن، خاصة مع فرحتها بزواج الابنة الوحيدة، وعندما ترى أن البنت قد كبرت وأصبحت صديقتها، وسلواها الوحيدة. وكان يمكن للابنة أن تحاول مع الأم؛ لتغيير طباعها، وكان يمكن للعلاقة أن تنصلح.
يا سيدتي هناك عدة نقاط يجب وضعها في الاعتبار:
•نموذج الأم العصبية موجود، ولكن بصورة متفاوتة، وقد يمر ما دام الأمر لم يتجاوز حدا معينا.
•ليس من السهل أن تضرب الابنة بإرادة الأم عرض الحائط، وتتزوج رغما عنها، وتحرمها الفرحة بزواج الابنة الوحيدة. إن عصبية الأم ليست مبررًا كافيا؛ فما الذي دفع الابنة لمثل ذلك؟ هل كانت الأم متعنتة مع الخطاب؟ هل كان هناك حب في حياة الابنة؟ في كل الأحوال هل بذلت الابنة المجهود الكافي مع الأم لإقناعها؟ هل استعانت عليها بإخوتها البنين وبمن يهتم بأمرها من الأقارب وأولياء الأمر؟
•وماذا كان رد فعل الأم على زواج الابنة برغم إرادتها؟ هل كانت أمًّا صعبة فعلا؛ فقاطعت الابنة وأعلنت البراءة منها؟ أم اكتفت بإبداء السخط والغضب، وهذا أمر متوقع؟
•وماذا كان رد فعل الابنة؟ هل حاولت إصلاح الأمر، وتعويض أمها عن ذلك الموقف؟ أم تمادت في النكاية بأمها، ثم أخرجتها من حياتها تماما؛ فما كل هذا العداء؟
•ولم أخرجتها من حياتها تماما؟ ولو كانت الأم صعبة المعشر؛ أفلم يكن هناك حل وسط للتفاهم؟ إن قصتي يا سيدتي أراها تختلف؛ فحياتي كانت فعلا جحيم. وإن كنت في الطفولة تغلب علي طبيعة الأطفال التي ينسيها المرح واللعب متاعبها لكن مع اقترابي من المراهقة بدأت أفكر، وأشعر بالتعاسة، بينما اتجهت معاملة الأم إلى الاضطهاد، وتحولت حياتي مع الوقت إلى جحيم، وبدأت أتمرد على الأهل وعانيت منهم الأمرين، وأتعبتهم معي أيضا كرد فعل، وعقابا لهم؛ فكان منهم أن حاولوا السيطرة علي بمختلف وسائل البطش والظلم؛ فلم يفلحوا، ولو استرسلت لرويت أشياء تجعل الحجر ينطق.
وعشت في تعاسة شديدة؛ فلم يكن هناك من أحبه في الأسرة، وقد حل البغض والشجار في المنزل بدل من السكينة والرحمة، وعانيت أهوالا لا يتخيلها أحد. المهم إني بدأت أتعرف على الله تعالى، وألجأ إليه؛ ليخفف من عذابي، وبدأت أصلي، وتولدت لدي النزعة الدينية، وراحت تكبر معي؛ حتى تخليت بإرادتي عن مناطحة أهلي، وتوقفت عن التسلط على إخوتي، وتحولت إلى إنسانة مسالمة جدا.
لكن بقيت المشكلة في أنه ازداد تسلط الأهل بطريقة لا تحتمل، وصرت أتلقى الإهانات والإساءات من الجميع، لكني لم أعد أصد ولا أرد، وتحولت إلى إنسانة ضعيفة هشة، شديدة الحساسية؛ فكان رد فعلي هو الكتمان والحزن في داخلي، وأحيانا كنت أنفجر وأتشاجر، وغالبا كنت أكتم في قلبي.
وساءت نفسيتي جدا، وعشت حياتي في حزن وانكسار، وعندما دخلت الجامعة اختلطت ببعض أصحاب النشاط الإسلامي، لكني حددت العلاقة معهم؛ مراعاة لمشاعر أهلي. واستسلمت للحزن، وساءت نفسيتي، وأهملت نفسي، ومظهري، ودراستي؛ فكان أهلي يتشاجرون ويشتكون لإهمالي مظهري، وأن ذلك يحرج مظهرهم الاجتماعي، وكان هذا ما يهمهم ويلفت نظرهم..!
يا سيدتي حينما كنت فتاة أخطب، كان مما يثلج صدري، ويملؤني سعادة وفخرا أن أجد أمي ترفض خاطبا لي لضيق ذات يده؛ لأن ذلك كان يعطيني الشعور بأن أمي تحب لي الراحة، وتكره لي التعب.
وأعتقد أني لو كنت في موقف تلك الابنة لقدرت لأمي حرصها على راحتي، ولاجتهدت حتى أقنعها بما أراه صالحا لي، وعموما فحينما تزوجت لم أفكر يوما واحدا في تحدي إرادتهم، ولا الزواج رغما عنهم، برغم الاختلاف في وجهات النظر بيننا، والحمد لله أن وفقني لمن أرضى به ويرضون هم أيضا به.
بل أقول إن الأم هي التي تجاهلت إرادتي وليس العكس.. تقولين لي إن الابنة تنازلت عن حفل الزفاف توفيرا للنفقات ونكاية في أمها التي كانت تتمنى أن تراها عروسا وتفرح بها..!!
أذكر لك موقفا مخالفا حدث بيني وبين أمي: كان والدي يريد إقامة حفل خطبة صغير في المنزل؛ فغضبت أمي، أوهمته أني أرغب في حفل في قاعة خارجية، وأنه يريد التقصير معي لتوفير النفقات، وما إلى ذلك.
وفي نفس الوقت رجتني أمي أن أوهم أبي أن هذه رغبتي أنا؛ وذلك لأنها لا تريد أن تتعب في الإعداد لحفل بداخل المنزل. وإكراما لخاطرها كذبت على والدي وأوهمته أني أريد ذلك الحفل، برغم أني كنت أبعد ما يكون عن مثل هذه الاهتمامات. وبدأ تحضير برنامج الحفل، وكان كل طلبي أن نبتعد عن المخالفات الشرعية التي لا تخلو منها تلك الحفلات.
فضربت الأم بمشاعري عرض الحائط، وعندما اعترضت على بعض الأمور؛ ثاروا في وجهي، وأسمعوني كلاما جارحا، ومضت الأمور وفي نية الأم أن تضعني أمام الأمر الواقع؛ بأن أشعر بالحرج أمام الناس في الحفل؛ فأضطر للإذعان.
والنتيجة أنني أمام الناس في الحفل قاومت واعترضت؛ فكان منظرنا مضحكا في مواقف مختلفة؛ فمثلا في أثناء تصوير العروس مع العريس، أو في أثناء تلبيس الدبل، وغير ذلك؛ فكانت مشاهد مثيرة للضحك، وتساءل الكثيرون لِمَ أقيم حفلا في قاعة فندقية طالما أني أرفض مثل تلك الطقوس، ولم يتخيل أحد ما حدث.
وكان تعليق أمي في النهاية أنه لولا "تدخلاتي"، على حد قولها، لمضى الحفل على ما يرام. وفي حفل الزفاف كذلك، وإن كان الأمر أكثر تنسيقا بعد أن تعلمنا من تجربة الخطبة.
بل وأقول إنه حتى ملابسي جهزت أمي معظمها بدون أن تأخذ رأيي، أو حتى تعترف لي بهذا الحق؛ فكانت ترى أنها تفهم أكثر مني، وإني لن أفهم مثلها، على حد قولها.
فأين هي هذه الأم المتسلطة التي تحكين لي عنها يا سيدتي، ومن الذي تسلط على الآخر في القصة التي رويتها لي..؟ الأم أم الابنة؟
سافرت بعد زواجي مباشرة، وحمدت الله لابتعادي عن الجو المشحون، ولكن بقي التأثير السيئ للماضي يلازمني. كنت شخصية ملغاة ومهزوزة، ولا أعرف ما هي معالم شخصيتي بالضبط.
لقد تزوجت وأنا إنسانة منكسرة تمامًا، وشخصية سلبية؛ فكان لذلك تأثير سيئ على حياتي الزوجية؛ وذلك لأني لم أكن أعرف أن أعبر عن رغباتي؛ فاعتقد زوجي أني لا أريد شيئا، وبدأ يقصر في حقوقي بطريقة تلقائية، وكأنه يمارس سلوكا عاديا، رغم أنه كان يحبني فشعرت بالظلم والحزن في داخلي، وساءت نفسيتي أكثر، ولكني كنت أكتم كل شيء في قلبي.
وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير، حينما حدث أول احتكاك بينه وبين أمي؛ فقام سوء تفاهم بينهم، وراحت أمي تفضحني؛ حيث تقول للآخرين إني بلا شخصية؛ فوضعتني في حرج بالغ، وكنت أتعجب؛ إذ من الذي ألغى شخصيتي؟ وبعدها انهارت أعصابي، وغضبت من زوجي؛ لأنه كان قد أخطأ فعلا، ونسي حقوقي، وظلمني؛ فانصب كل غضبي عليه.
وقد واجهته بكل شيء؛ فكان يرى أني محقة، لكنني كنت أوافق منذ البداية، ولا أعترض، ولا ألفت نظره؛ فكان يرى أني سعيدة. ولم أقتنع بحجته إذ إن الصمت لا يبرر الظلم؛ فالحق واضح، والباطل واضح.
وتغيرت علاقتي به تماما من بعدها؛ فقد كنت أرى أنه قد سبب لي حرجا بالغا، واحتار هو معي لإصلاح الحال، ولكني صرت أقضي معظم وقتي في البكاء، واستمررت شهورا طويلة على ذلك الحال، ثم تطور الأمر إلى عصبية، وصرت أثور وأحطم وأمزق الأشياء من حولي.. ولا أدري ماذا كان أصابني، إلا أني أشك في حقن منع الحمل التي كنت أتعاطاها.. وعموما لقد كنت أحاول دائما أن أعامله بما يرضي الله، وأعترف أنه تحملني كثيرا، وكان يحاول إرضائي بشتى الوسائل. ولقد بدأت أهدأ مع الوقت؛ خاصة بعد أن توقفت عن تلك الحقن، كما أتاحت لي سنوات الغربة والبعد عن أهلي بأن أستعيد توازني، وتهدأ أعصابي، وبدأت أشعر بالاستقلال، وأقرر أمري بنفسي، وأتيح لي التعرض لتجارب الحياة، والمزيد من الفهم للدنيا، ونضجت شخصيتي، وصارت أقوى وأهدأ.
وكل هذه التغيرات لم تكن تحدث لي لو كنت بقيت تحت سيطرة الأهل. وعدنا للوطن بعد سنوات الغربة، وانصلحت علاقتي مع زوجي، وعرفت السعادة معه، وعرف هو طباعي، وتعلمت الكثير من وسائل التعايش، والحمد لله، ووجدت حال أسرتي قد تغير، وأن الله تعالى قد أحق الحق؛ فحاولت أن أنسى الماضي، وأفتح صفحة جديدة مع أهلي، وقد كنت في حاجة إلى الشعور بأن لي أسرة أحبها وأنتمي إليها.
لكن بقيت المشكلة في طبع الأم الذي لا يحتمل، وفي نفس الوقت كنت أنا قد تغيرت، ولم أعد أتحمل أن يسيطر علي أحد، بعد أن تغيرت شخصيتي في الغربة، كما أني كنت أشعر أني أم لأطفال لست فتاة صغيرة؛ لأتحمل المعاملة السيئة.
في البداية كانت لا تزال سعيدة بي، ولكني كنت متوجسة منها، ومتذمرة لتدخلها خاصة في أمور الأطفال، بعد أن اعتدت على الاستقلال في الغربة.
ثم بدأت ألمس اهتمامها وسعادتها بي، ورأيت أن أروض نفسي على التحمل رفقا بها. لكنها سرعان ما بدأت تعود للإساءة إلي بطريقة مهينة ومستفزة، وقد حاولت في البداية تحملها والصبر عليها إلى أبعد حد، وسأذكر مثال واحد حتى تكون الأمور واضحة:
مثلا مرة وجدتني أرتدي ملابس لا تعجبها؛ فصاحت أن اذهبي والبسي شيئا غير ذلك.. فحاولت إقناعها أني متعبة وغير قادرة على تغيير الملابس بعد أن فرغت من اللبس؛ فأصرت؛ فوافقتها؛ فأعقبتني برغم ذلك بشيء من السباب..! هل هذه معاملة تليق بفتاة صغيرة؛ فضلا عن أم لأطفال..؟!
هكذا كانت تتدخل في أبسط الأشياء إلى جانب المعاملة السيئة.. هي دائما عصبية وتلقي بالإهانات، وتجرح ببساطة وبتلقائية شديدة.. ولم أعد أتحمل؛ فصارت المشاحنات عنصر أساسي في أحاديثنا.
وبرغم أن كلا منا يقيم في مدينة مختلفة، إلا أن الشجار كان متواصل على التليفون، وعلى الفارغ والمليان. ومع ذلك فلم أحاول إخراجها من حياتي، بل حاولت التقرب إليها، وإشراكها في مشاكلي، وكنت أواظب على الاتصال بها رغم المشاحنات.
وكنت أزورهم زيارات قصيرة متباعدة، وأقيم عندهم عدة أيام؛ لأني كنت أكون قادمة من سفر، وكانت تكون سعيدة جدا بنا، ومع ذلك كانت تسيء إلي أيضا، خاصة إذا أفسد أحد من أطفالي شيئا في المنزل؛ فهي تنزعج من لعب الأطفال في منزلها، برغم أن أطفالي هادئين بالنسبة للآخرين، وهذه طبيعة الأطفال.
ولا أنسى ما فعلته معي ذات مرة حينما سكبت ابنتي ذات العام والنصف بعض العصير على سجادة لها، ولدرجة أني كنت أشمت فيها حينما يزروها أطفال آخرين، وألاحظ انزعاجها منهم؛ لتعرف قيمة أطفالي.
وفي النهاية صرت أباعد بين زياراتي لهم، وأذكر مرة أساءت إلى إساءات بالغة أيضا؛ فانهرت أبكي، وصممت على الانصراف؛ فاتصلت بي بعد عودتي، لا لتعتذر، بل من أجل مزيد من المشاكل.. ومع ذلك فمنذ اليوم التالي عدت أنا أتصل بها؛ فكانت ترد على بجفاء؛ فتوقفت عن الاتصال لعدة أيام؛ حتى سمعت أنها تشكو لانقطاعي عنها؛ فعدت بعدها أتصل وأتحمل وأفوض أمري لله.
وفي النهاية بدأت أفقد صبري؛ فمثلا كنت أرى أنه لا حق لها في التدخل في شؤون حياتي، وهي لا تقتنع بذلك، وترى أن هذا حق لها، وغير ذلك يعتبر عقوقا مني. فصرت أشعر أن الأمر خانقا؛ إذ إني لا أريد العودة إلى الشخصية السلبية التي كنت عليها، وأفضل أن أتعرض لتجارب الحياة، وأفهمها عن مسلك الانقياد لها الذي تريده.
ثم بدأت مشاكلها تدخل في منحنى جديد؛ فبدأت أنفر منها، وأفضل الابتعاد عنها؛ إذ كانت مرة في منزلي، وحدثت منها تصرفات بايخة؛ فأبديت لها الاعتراض وأن تلك الأمور تضايقني؛ فإذ بها تغضب، وتبكي، ثم تنصرف من المنزل.
وعلمت بعدها أنها غضبت لأني تركتها تنصرف، ولكن ماذا كنت أفعل لها؟ بل أنا الأولى بالغضب لما فعلته. وفي اليوم التالي قابلتها مصادفة؛ فوجدتها لا تزال غاضبة، وألقت بكلام لا يحتمل؛ فشعرت بإهانة بالغة، وانهارت أعصابي، وشعرت بالكره لها.
ووجدتها قد انقطعت تماما عن التعامل معي، وإذا أرادت أمرا هاما؛ تفوض من يخبرني به بدلا منها؛ فانقطعت أنا أيضا عنها. ولكن بعد حوالي أسبوع رأيت أن ذلك الحال لا يرضي أحد، واتصلت بها، وعاتبتها إذ ما حدث من أجل كل هذا الغضب؛ فأسمعتني كلاما سخيفا؛ فأنهيت المكالمة وأنا غاضبة، وانهرت أبكي، ثم هدأت بعدها، وعدت للاتصال بها وأنا كارهة، ووضعت نفسي في البنج من أجل أن أتحملها، وتصالحنا، لكني بعدها لم أستطع العودة كما كنت؛ فقد خففت من التعامل معها، وإن حافظت على العلاقة الطيبة.
وبعدها بحوالي أسبوعين فقط، كنت أحدثها عن رغبتي في أن أصنع عشاء عائليا يضم بعض أفراد الأسرة؛ فحدث بيننا خلاف في الرأي؛ فوجدتها تحمل كلامي معاني أخرى، وتغير الموضوع، وانقلب الأمر إلى مشكلة اختلقتها من العدم، وطلبت مني أن أقاطعها؛ فوافقتها ببساطة، وأنهيت المكالمة؛ فجن جنونها، وراحت تتصل كل دقيقتين لتتشاجر؛ حتى أخرجتني عن وعيي؛ فألقيت بالسماعة، وتركتها. ورحت أبكي في حالة عصبية.
وقد بقيت عدة أيام في حالة نفسية سيئة، ثم بدأت أهدأ، وأراجع نفسي؛ ففكرت إذ ما الذي يجبرني على كل هذه المتاعب؟ الله تعالى لا يكلف الإنسان فوق طاقته، وقررت أن أنسى أمرها، ولا أفكر فيها؛ فهي التي تريد أن تقاطع؛ فكما تشاء.
هل يتخيل أحد ما حدث بعدها؟ لقد شعرت بالراحة، وكأن عبئا كبيرا قد انزاح عن قلبي، وتمكنت من نسيان التوتر والنكد، والانشغال بحياتي، وأطفالي، وتغيرت حياتي. وحاول زوجي بعد فترة أن نتصل بها، فرفضت واعترضت، وقلت له ألا يذكرني بهذا الأمر. وفعلا لأن مجرد ذكر هذا الموضوع، كان يجعلني في حالة نفسية سيئة، ويعيدني إلى ما كنت عليه من نكد، بعد أن ارتحت منه.
قد يبدو كلامي خياليا لكني صادقة؛ فهذا ما كنت أشعر به، أنا لا أطيق التعامل معها، وأشعر بالكهرباء لمجرد أن أسمع صوتها. وهي الآن غاضبة لأني لم أتصل بها، ويحاول الكثيرون أن يجعلوني أتصل بها وأراضيها؛ لكني أرفض؛ لأني لم أفعل شيئا، ومن غير المعقول إن تظل تغضب بين الحين والآخر، وتقاطع بلا سبب يستحق، ثم يكون مطلوب مني أن أرضيها وأصالحها، وإلا أكون أنا المخطئة؛ فهل أعيش طوال عمري أرضيها، وتغضب، ولا أخرج من هذه الدائرة؟
إن هذا ضغط عصبي كبير علي. لقد كنت أتحمل حبها للمشاكل، وكلامها الجارح، وإلقاءها بالإهانات في بساطة، ومحاولتها لفرض رأيها في حياتي. لكن ليس إلى درجة أن تظل تقاطع ويكون مطلوبا مني أن أراضيها، وأتحمل إهاناتها، ثم تعود وتقاطع بلا سبب، ويصبح الموضوع قصة مكررة، وكلها مشاكل من العدم.
إنها استسهلت الأمر ليس إلا ولكن أعصابي لا تتحمل، إنها تجعلني في حالة عصبية؛ فأهمل أولادي، وأتشاجر مع زوجي، وهذا ليس إضرار بي أنا وحدي، بل بالزوج والأطفال أيضا. فهل أدع الدنيا كلها، وأتفرغ لمشاكلها. أنا أؤكد أن ذلك التوتر يجعلني أقصر مع الأطفال؛ فما ذنب هؤلاء الصغار؟
أرجوك أن تحكمي يا سيدتي؛ هل تقارن ذلك بالقصة التي رويتها لي؟ لا أنا تزوجت رغما عنها، بل هي التي كانت تتحكم، ولا أنا أخرجتها من حياتي من البداية، بل صبرت عليها ورأيت منها الأمرين؛ حتى أجبرتني هي على ذلك، وهي التي اختارت وأرادت المقاطعة، وليس أنا.
ولو كنت مهددة بعقوق الأبناء؛ فلتذهب الدنيا إلى الجحيم، لعل ما ذكرته مما عانته تلك الابنة أرحم مما أعانيه مع أمي. ما يهمني هو رضا الله تعالى، وأنا آمل في رحمته، وفي عدله ألا يكلفني ما فوق طاقتي.
وللعلم إن روايتك عن تلك الابنة طمأنتني؛ فأنا لم أفعل مثلها، ولا يوجد مقارنة، ومع ذلك فالله تعالى عادل؛ فقد كان يعلم بمعاناتها مع الأم؛ فوفقها مع ذلك في حياتها، ورزقها بأبناء محبين بارين على خلق وأدب، وكفى بها نعمة.. ولا بد من بعض ابتلاءات الحياة، خاصة لإقامة العدل؛ فهناك أمور كانت الابنة هي الظالمة فيها؛ فكان لا بد أن تشعر بمشاعر أمها؛ فتحرم من الفرح بزواج الأبناء، ويتزوج ابنها بفتاة لا تقبلها، وتهاجر الابنة.. ولو أن كلها أمور شائعة؛ فالهجرة أو السفر حق لأي شابين يبحثان عن مصلحتهما، ومن واجب الأم أن تنظر لسعادة أبنائها.
والخلاف بين أسرتي العروس والعريس أمر وارد، ويحدث أكثر منه في مثل هذه الأمور، وبالنسبة لزواج الابن فهو أمر قاس، لكن شاع في هذه الأيام تصيد الفتيات للشباب الأفضل منهم ماديا واجتماعيا، وبحثا عن حياة أفضل، والمهم في النهاية أن تتقي الله في ابنها وتسعده.
وعمومًا الحياة ليست نعيما متواصلا، فلا بد فيها من الشقاء، لكن هناك أمور تحتمل، وأمور لا تحتمل.. وأن يقتصر الشقاء على أمور بسيطة خير من أن يصل لأمور كارثية؛ فهل تحزن الأم لهجرة الابنة؛ فماذا لو شقيت الابنة مع زوجها، أو مرضت، أو فقدت حياتها أو أي شيء من تلك الكوارث التي يبتلي بها الله العباد؟!
بالنسبة لعلاقتي مع والدتي فالمشكلة أني لا أقدر، وكأنما أسقط في يدي. أنا أعلم أنه لا يستطيع أحد إلا أن ينصحني بالصبر والتحمل؛ فهذا ما يحتمه عليه واجبه. لكني لو أستطيع لفعلت، ولكني فعلا أشعر كأن الأمر أسقط في يدي.
لا أقدر وكأنه موضوع خارج عن إرادتي، ويعلم الله ما في قلبي وأني لست كاذبة، أظن أن في كل ما رويته يشهد أني حاولت معها وصبرت عليها، وتعاملت معها وأنا كارهة، ولكنها تضع أمامي العوائق والعراقيل، ثم تريد مني أن أنفذ منها؛ فكيف هذا؟ أعصابي لا تتحمل، وإني عندما اتخذت القرار بنسيان الأمر، شعرت بعبء انزاح من على قلبي. ولا أقول إني سعيدة بذلك الحال، بل يعلم الله أني تعيسة به، ولكنه أهون الضررين؛ فأنا بين نارين يا سيدتي؛ أحدهما أخف من الأخرى.
أنا غير قادرة على العودة إلى ما كنت فيه من عذاب؛ فماذا أفعل؟ أليس الله لا يكلف نفسا إلا وسعها؟ هل يجوز للوالدين أن يتخذا من أوامر الله سيفا مسلطا على رقاب الأبناء؛ يعذبونهم به كيفما يشاءون؟
وأخيرا أعتذر على الإطالة؛ فقد حاولت الاختصار، ولكن أطلت لمزيد من التوضيح،
وجزاكم الله خيرا.
26/8/2024
رد المستشار
ابنتي، برغم شرحك الطويل لأمور كثيرة وتصورك أنك تختلفي اختلافا كليا وجزئيا في ظروفك عن صاحبة القصة التي سردتها أقول لك: لا، لا يا ابنتي...
بكل بساطة هناك فرق في الشخصية وليس فرق في الظروف.. فهذه الإنسانة قوية منذ البداية.. ولم تتعلم القوة مؤخرا.. وهي قد قطعت على أمها كل طرق ووسائل التدخل بحزم وأدب منذ اللحظة الأولى؛ لأن لها نفس الأم المتسلطة المتدخلة، هكذا كانت تراها.
ربما لم أشهد من أمها سلاطة لسان أو سبابا بذيئا، ولكنى شهدت منها لابنتها وهي زوجة وأم كبيرة تقريعا وسخرية أمر وأسوأ من السباب.. تقريع وسخرية بصراحة أخرجوني أنا عن هدوئي وحياديتي واضطررت للدفاع عن صديقتي.
لن أزيد يا ابنتي، فما زلت أقول لا شيء يبيح العقوق والدعاء على الأمهات.. لا شيء ولا حتى الدعوة الصريحة للكفر وترك عبادة الله، وليس أسوأ من ذلك شيء.