السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحاول اختصار موضوعي قدر المستطاع، مشكلتي بكل بساطة هي أني منذ الصغر أعاني مع أبي وأمي؛ لأنهما دائما يحملاني متطلباتهم ومتطلبات المنزل كمثل أي أب وأم يكلفان أبناءهما متطلبات.
وليست هذه المشكلة، وأنا مستعد أن أجلس تحت أقدامهما لخدمتهما، ولكن المشكلة أنهما يحملاني أكثر من إخوتي؛ فإخوتي يقضون وقتهم كما يحلوا لهم من مذاكرة وترفيه كما ينبغي لهم، وأمي وأبي يكلفاني أكثر منهم دائما؛ فصدري منذ الطفولة يشتعل بالنار من هذا الأمر.
كبرت الآن ولم أعد أحتمل هذا الوضع، كان أبواي دائما ما يقولان لنا إنهما أصدقاؤنا، وصدرهما واسع للكلام معنا، فذهبت لأجرب هذا معهما، وأتحدث معهما عن هذا الموضوع الذي أعاني منه منذ الطفولة، وأفاجأ بهما يثوران عليَّ ويتضح العكس تماما، وأن صدرهما أضيق ما يكون، ولا بد من خروجي مخطئا في النهاية.
ويكون رد أبي دائما أنه يقوم على طلباتنا، ولا يقول شيئا؛ فأحاول أن أحدثه وأتفاهم معه أن هذه ليست هي المشكلة، وأني مستعد أقوم بكل الطلبات، لكن يجب أن يقوم إخوتي بفعل ما أفعل؛ لأن هذا يشعل صدري بالنار ولا أحب هذا.
المهم أن هذه المشكلة لم تنته دائما وأنا والحمد لله أسعى لأن أرضي ربي في كل حياتي، لكن أبي وأمي دائما هما العقبة التي توجد كل مرة أمامي.
وحاولت بكل الحلول أن أحل هذه المشكلة وإشراك خالتي فيها، ولكن كانت المحاولات كلها تزيد المشاكل؛ فكان أبي وأمي يتهماني بإفشاء أسرار البيت، وبدل أن تكون المشكلة معي وحدي تكون مع خالتي أيضا. والله ما أقوله هو الحق فإن هذا لا يهيأ لي ولا أكذب حتى إن خالتي وأقاربي الذين كنت أحاول إدخالهم لحل المشكلة أجد أنهم يلاحظون نفس المشكلة وأن أبي وأمي يفعلان هذا.
كل مرة أدخل فيها بنقاش هادئ ومؤدب مع أبي وأمي ينتهي بالثورة منهما؛ لأنهما لا يعجبهما أن أقول هذا، ودائما يقولان إني على خطأ وسوف ينتقم الله مني، ويجعلاني أفقد صوابي وتنطلق مني عبارات بصوت عال نتيجة النار التي بداخلي غصبا عني، والله لا يقدر أحد ما بداخلي مع أني دائما والله أحاول أن أرضي ربى، وأحاول لأن أصبر نفسي على هذا الوضع الخطأ ولكني بشر لي طاقة على التحمل، ولا أحتمل أن أرى هذا طوال حياتي.
والآن ما الحل حتى لا يغضب الله عليَّ ولا يؤدي هذا الوضع إلى مرض نفسي؟ إن من أصعب الأشياء والله المرض النفسي، والنار التي تشتعل غيظا داخلي.. فهل ينفع أن أقوم بخدمتهما ولكن إذا وجدت ما يغضبني من إخوتي أتوقف عن القيام بأي طلب يريدانه وبمنتهى الأدب؟ فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، فإن نفسي لا تطيق.
والحقيقة أن هذه ليست المشكلة الوحيدة معهما، ولكنها الأكثر تأثيرا على الإطلاق والتي تؤثر في نفسي
والحمد باقي المشاكل يوفقني الله لأن لا تؤثر عليَّ.. ماذا أفعل؟.
15/9/2024
رد المستشار
لا أشك في صدق كلامك، يحدث أحيانا أن تبني الأسرة استقرارها على أساس التضحية بمصلحة أحد أفرادها وتحميله ما لا يطيق. ومن قال بأن العدالة هي الأساس؟ إذن ما الداعي لقول رب العالمين إنه أرحم الراحمين، وتذكيره بأنه حرّم الظلم على نفسه وجعله بيننا حراما لأن التعرض للظلم متوقع.لست أهلا للإفتاء من الناحية الشرعية، ويمكنك أن تقرأ من على الموقع عن حدود بر الوالدين.
قد تعكس كلماتك أعراض "الاضطراب الزوراني"، والذي من الواضح أنه طرح للنقاش فأراك تنفي أن يكون شعورك بالظلم غير طبيعي بدليل تفهم وتصديق من حولك لكلامك؛ فيبقى أمامنا أن نتناول الأمر بعقلانية ولو من جانبك فقط.يجب أن تحدد هدفك.. فهل تريد أن تعرف السبب وراء تصرفات والديك؟ أم أنك تريد حلا فقط لمعاناتك؟ ورغم حرصي على بر الوالدين أعرف أن من واجب الوالدين إعانة أولادهما على برهما وهو ما قد يغفله الوالدان.
قد يساعدك معرفتك بدورك في حياة والديك ونفسيتهما أن تتحمل المزيد من المسؤولية، وحتى التمييز في المعاملة. تبدأ الأسرة بالوالدين اللذين قد يصدمهما كم المسؤوليات التي عليهما، وعندما يكتشفان عدم أو ضعف قدرتهما على الاضطلاع بهذه المسؤوليات يبحثان من بين الأولاد عمن يستطيعان الاعتماد عليه في القيام بأدوارهما كلها أو بعضها.
وتستقيم بذلك الحياة الأسرية ما لم يحاول هذا الطفل مقاومة أو الاعتراض على القيام بهذه الأدوار، وفي حال اعتراضه يواجه بالرفض ويستخدم الوالدان ما لهما من سلطة فعلية ومعنوية لإجباره على الالتزام بها، ويعتبر هذا من عيوب تفاعل بعض الأسر لم تكمل أنت صورته بأنه يشمل أحيانا عدم المساواة بين التكاليف والمكافآت؛ فبينما يكلف أحدنا بالعمل يحصد آخر الدلال ويزيد التميز في الدلال من صعوبة الالتزام بهذه التكاليف، وإن كنت أرجو الله ألا تشمل معاناتك الصورة الكاملة.
ابدأ بتصديق نفسك بأنك مكلف أكثر من غيرك، وأنك لست وحدك؛ فهذا نمط سائد من التفاعلات، ولكن انظر لقيمة دورك في استقرار الأسرة، قد تشعر في لحظة غضب أنها لا تعنيك شيئا، ولكن تذكر أنها كانت سياجا آمنا في لحظات ضعفك؛ فاشعر بالفخر أنك كنت يدا بناءة في مجهود العطاء لا طرفا سلبيا متلقيا.استشعر ما أكسبتك المسؤوليات الزائدة عن غيرك من خبرات وثقة في نفسك وقدرة على القيام بما تريد باستقلالية عن الآخرين؛ وهذا لأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا؛ فمقابل عونك لأسرتك يسر لك الله فرص تعلم أكثر من غيرك سوف تسعد بها إن شاء الله في حياتك القادمة.
فكر أن القدرة على العطاء ميزة لا تتوفر للجميع؛ فلا تقارن نفسك بمن هم أقل منك عملا وعطاء، ولكن احرص على بذل المزيد، وفي كل مرة توقف واسأل نفسك لو فوت أجر القيام بهذا فمن أي باب آخر يمكنني الحصول عليه؟، واسأل نفسك من أحق مني بهذا الأجر ومن يستطيع أداءه أفضل مني؟ العلاقة بالوالدين ليست علاقة ندية من الناحية النفسية والشرعية، فقدرتك النفسية الآن على تحمل الضغوط أعلى من قدرة والديك.
أما من الناحية الشرعية فلدينا ما يعرف بـ"فقه الأولويات" وبر الوالدين من الأولويات، حتى وإن ميزا بينك وبين إخوتك في المعاملة، فمن يحاسبهما هو الله فلا تحاسبهما أنت، ولكن اعمل كما تحب أن يحاسبك الله، وتذكر أن الحياة أيام معدودات والسعيد هو من استزاد للآخرة.
تجنب كثرة النقاش بما أنك لا تملك زمام غضبك فتنفلت منك كلمات نرجو الله ألا تكون في ميزان سيئاتك، وجرب أن تجعل بينك وبينهما مسافة ما من خلال انشغالك الفعلي بحياتك الخاصة من دراسة أو عمل، ولن يسعدا بهذا في البداية ولكن كلما كان لديك مبرر مقنع للاعتذار عن القيام بما لا تطيق من الطلبات زاد تقبلهما لاعتراضك، ولا بأس بأن تعتذر عما لا تطيق أنت القيام به بغض النظر عما يكلف به غيرك؛ فكل يعمل لنفسه وحسب مبادئه لتحقيق أهدافه، وتذكر لا أحد يختار امتحانه؛ فلعل صبرك على والديك هو امتحانك.
وصية أخيرة لا بد في عمرك هذا تعرف ما اعتاد والداك تكليفك به فجرب أداءه قبل أن يطلباه فعندها قد يخف شعورك بالتمييز. مع دعائي بأن ينير الله قلبك ويعينك على بر والديك، وتذكر أنك تعمل لله ولنفسك وأن الله ينظر لأعمالنا.
اقرأ أيضًا:
المفاضلة بين الأبناء… محاولة للفهم
عقوق الآباء
التفريق في معاملة الأطفال!