الألم يتصدر الأعراض الطبية التي ترسل المريض نحو الخدمات الطبية المختلفة ولا يمكن الاستهانة به لأنه واحد من الأعراض التي تحمل علماً أحمر اللون ينذر باحتمال وجود مرض خطير حاد أو مزمن قد يقضي على المريض. المريض يطالب بزوال الألم ومن ثم تفسيراً لوجوده والطبيب يسعى أولا لتشخيص المرض الذي يسبب الألم والتخلص منه. هذه العملية الطبية التي يتفاعل فيها المريض مع الطبيب هي ممارسة يومية، ولكنها تتعثر أحيانا وتستمر معاناة المريض من الألم ومعاناة الطبيب من جراء فشله في معرفة سبب الألم والتخفيف منه ويغادر المريض عيادة الطبيب حاملا معه وصفات من عقاقير فعاليتها موقتة على أفضل تقدير وتفسيراً لا يقتنع به هو ولا يقتنع به طبيبه أيضا وهذا ما نسميه بمتلازمة الألم المزمن.
الألم المزمن هو متلازمة يتم تعريفها بألم يستمر أو يتكرر حدوثه لفترة زمنية طويلة وأحيانا لأجل غير مسمى. رغم أن الألم يصاحبه أعراض طبية أخرى قد تشير إلى مصدر الألم وسببه، ولكن شريحة الألم المزمن تتميز بطغيان الشكوى من ألم لا تفسير له رغم جهود طبية لاكتشاف سببه.
جهود الطب للبحث عن سبب لوجود الألم لا نهاية لها أحيانا وقد تكون هذه الجهود بحد ذاتها مصدر ألم جديد للمريض والطبيب على حد سواء. النتائج الطبيعية للفحوص قلما تجيب على سؤال المريض والذي هو: ما هو السبب ومتى سينتهي هذا الألم؟ القاعدة العامة هي أن تدمير أي نسيج في الجسم يؤدي إلى تحفيز مستقبلات الألم وتنقل إشارات عبر الألياف العصبية ترحل عبر النخاع الشوكي نحو الدماغ ليستقبلها المهاد Thalamus. عند المنطقة الأخيرة التي تقع تحت القشرة المخية يتم الإحساس بالألم ويتم إرسال إشارات عبر ألياف عصبية نحو القشرة المخية لتحديد موقع الألم ومن ثم رد فعل الإنسان لهذا الإحساس. على ضوء ذلك يتم تقسيم الألم1 هذه الأيام إلى ثلاثة أنواع وهي:
١- ألم مستقبل الأذية Nociceptic pain وهو جسدي سهل التحديد ومصدره بالكامل وجود ضرر أو التهاب موضعي ويتم علاجه بمضادات التهاب ومسكنات ألم.
٢- ألم اعتلال عصبي Neuropathic Pain ومصدره تلف في الأعصاب الذي يولد إحساساً بالألم الذي يتبع عادة توزيعاً جلديا يمثل منطقة العصب. يصاحب هذا النوع من الألم أعراض أخرى مثل الخدر والوخز، ويتميز كذلك بكونه انتيابي المسار.
٣- ألم مركزي Central وهذه الأيام يتم استعمال مصطلح ألم اللدونة العصبية Nociplastic pain وما يعنيه ذلك بأن هذا الألم مصدره الجهاز العصبي المركزي ويصاحبه في الكثير من الحالات مشاكل في النوم، الذاكرة والشعور بالتعب المزمن. الكثير من المراجعين يشكون من الحساسية المفرطة للضوء الساطع، الضوضاء، والروائح. العديد منهم يعانون أيضا من الصداع، القولون العصبي، التهابات مثانة، وآلام أسفل الظهر2.
يتم استعمال مصطلح الألم العضلي الليفي Fibromyalgia لوصف حالات ألم اللدونة العصبية، وهذا المصطلح لم يكن معروفاً قبل التسعينيات من القرن الماضي وكان تفسيره دوماً بأنه ناتج عن التهاب وكان يسمى سابقاً التهاباً ليفياً Fibrositis ولكن الآن لا يوجد دليل على وجود عملية التهابية3,,4. يمكن مقارنة تطور مفهوم الألم المؤلم بالقولون العصبي الذي كان يدعى سابقاً بالتهاب القولون التشنجي.
ما لا يقل عن 40% من السكان يعانون من ألم مزمن من نوع ما وهناك 14% من الذين سيعانون من ألم مزمن ولأجل غير مسمى. تشير الإحصائيات العالمية إلى أن ما لا يقل عن 8% من السكان تعاني من ألم عصبي المنشأ وما لا يقل عن 5% يعانون من ألم عضلي ليفي وجميع الدراسات تشير إلى أن الألم المزمن أكثر انتشارا في النساء مقارنة بالرجال1.
الدماغ والألم الليفي العضلي المركزي
تم إجراء العديد من الدراسات التي كشفت مع استخدام الرنين المغناطيسي الوظيفي وجود تعزيز الألم والمعالجة الحسية بشكل موضوعي لدى المصابين بالألم العضلي الليفي. كذلك هناك تشوهات في تواصل مناطق الدماغ المسؤولة عن الألم بعضها مع البعض الآخر مقارنة بالأفراد الذين لا يعانون من الم مركزي أو عضلي ليفي. بعبارة أخرى إن المصابين بالألم المؤلم (العضلي الليفي أو الألم المركزي) يشعرون بالألم في الدماغ بصورة مكثفة وسريعة مقارنة بالآخرين، وهم أكثر حساسية لمختلف المحفزات الحسية الأخرى السمعية والبصرية5,6.
الاتصالات بين مختلف مناطق الدماغ تختلف في المصابين بالألم المركزي. هناك شبكة الوضع الافتراضي التي يجب أن تكون نشطة عندما يكون الدماغ في حالة راحة ونوع من الخمول، ولكن ما نراه في المصابين بحالات الألم المؤلم بأن هذه الشبكة متصلة بشكل أساسي مع شبكات البروز Salience Networks وشبكات أخرى لا تتصل بها عادة.
ولكن هناك أيضاً انخفاض في الاتصالات العصبية في الدماغ مثل المنطقة الرمادية المحيطة بالقناة Periaqueductal Gray Region التي هي منشأ بعض المسارات الهابطة للناقلات العصبية مثل السيروتونين النورأدرينالين التي ترسل إسقاطات إلى الأسفل مسكنة للألم7.
في جميع حالات الألم المزمن تقريباً تميل معظم مناطق الدماغ أن تصبح أصغر قليلاً إلا القشرة الحسية الجسدية الأولية والتي وظيفتها هي تحديد موقع الألم. حيث يزداد حجمها. التحسس المركزي بسبب الألم لا يقتصر فقط على المصابين بالألم العضلي الليفي وإنما يحدث كذلك في بعض المصابين باضطرابات المناعة المختلفة والتهاب المفاصل الروماتويدي8 Rheumatoid Arthritis.
مصادر للاطلاع استند إليها المقال
1- Fitzcharles M, Cohen S P, Clauw D J, Littlejohn G., Usui C, & Häuser W. Nociplastic pain: Towards an understanding of prevalent pain conditions. The Lancet 2021; 397(10289): 2098-2110.
2- Maixner W, Fillingim RB, Williams DA Smith S B., & Slade GD. Overlapping chronic pain conditions: Implications for diagnosis and classification. The Journal of Pain 2016, 17(9 Suppl), T93–T107.
3- Clauw DJ (2014). Fibromyalgia. JAMA, 311(15), 1547.
4- Wolfe F. Fibromyalgianess. Arthritis & Rheumatism 2009; 61(6): 715-716.
5- Gracely, RH, Petzke, F, Wolf JM, & Clauw DJ. Functional magnetic resonance imaging evidence of augmented pain processing in fibromyalgia. Arthritis and Rheumatism 2002, 46(5); 1333–1343.
6- Napadow, V, Kim, J, Clauw, DJ, & Harris, R E (2012). Decreased intrinsic brain connectivity is associated with reduced clinical pain in fibromyalgia. Arthritis and Rheumatism, 64(7), 2398–2403.
7- Apkarian, A V, Sosa, Y, Sonty, S, Levy, R M, Harden, R N, Parrish, TB, & Gitelman, DR (2004). Chronic back pain is associated with decreased prefrontal and thalamic gray matter density. The Journal of Neuroscience, 24(46), 10410–10415.
8- Lee, Y C, Frits, M L, Iannaccone, CK, Weinblatt, ME, Shadick, NA, Williams, DA, & Cui J (2014). Subgrouping of patients with rheumatoid arthritis based on pain, fatigue, inflammation, and psychosocial factors. Arthritis & Rheumatology 2014;66(8): 2006–2014.
ويتبع>>>>: الدماغ والألم 2- العلاج
واقرأ أيضًا:
اللوم بين الدماغ والعلاج النفساني.. Blame / الناصية قشرة المخ قبل الجبهية Prefrontal Cortex ق.ج(1-4)