القلق ظاهرة طبيعية يمكن استيعابها كنظام إنذار مبكر يوفر الاستعداد الجسدي والنفساني لأي خطر حقيقي أو كما يتصوره الإنسان، وهذا ما يتم تسميته باستجابة القتال أو الهروب Fight-or-Flight. في غالبية الحالات يكون القلق شعورا مناسبا قصير الأمد لا يصعب السيطرة عليه، ولكن في بعض الحالات يكون القلق عير مناسبٍ وأعراضه شديدة بشكل غير طبيعي ومستمرة تؤدي إلى تدهور الأداء الوظيفي والبدني والاجتماعي والمهني وعندها يتم استعمال مصطلح اضطراب القلق Anxiety Disorder أو اضطرابات القلق التي يتم تصنيفها كالآتي:
Anxiety Disorders | اضطرابات القلق |
Separation Anxiety | قلق الفراق |
Selective Mutism | الصمات الانتقائي |
Specific Phobia | الرهاب النوعي |
Social Anxiety | القلق الاجتماعي |
Panic Disorder | اضطراب الهلع |
Agoraphobia | رهاب الساحة |
Generalised Anxiety. | القلق المُعمم |
الدماغ والقلق
يمكن اعتبار القلق بمثابة توقع تهديد في حين الخوف هو تجنب التهديد أو الاستجابة الفورية له. لذلك نرى بأن الدوائر الدماغية التي تتعامل مع القلق غير الدوائر التي تتعامل مع الخوف.
اللوزة Amygdala هي المنطقة الأساسية التي تتعامل مع القلق في الدماغ. واللوزة هي بنية معقدة تحتوي على نوى فرعية وهي جزء من الجهاز الحوفي Limbic System وموقعها أمام الفص الصدغي الذي يتعامل مع الذكريات، ولها وظيفتان في معالجة القلق وهما تحديد التهديد المحتمل وتنسيق الاستجابة له. تستلم اللوزة واردات حسية Sensory afferents من منطقة المهاد Thalamus وقشرة الترابط الحسي Sensory Association Cortex التي تتصل بالمنطقة القاعدية الجانبية للوزة ومن هنا يتم تواصل متبادل مع منطقة القشرة الحزامية الأمامية Anterior Cingulate والقشرة قبل الجبهية Pre-frontal Cortex حيث يتم ترتيب المحفزات واحتمال التهديد1.
تتميز الاستجابة للتهديد بوساطة اللوزة بمشاعر مرتبطة بالقلق مثل الخوف والشعور بالضيق ولذلك يكاد يكون هناك إجماعٌ بأن اللوزة تلعب دوراً مهما في اضطراب القلق المعمم حيث استنتجت دراسات الرنين المغناطيسي الوظيفي ارتفاع فعالية اللوزة استجابةً للمنبهات التهديدية في المصابين بهذا الاضطراب مع ضعف السيطرة على استجابات اللوزة من قبل القشرة الحزامية الأمامية والقشرة قبل الجبهية الإنسية.
الناتج الرئيسي من اللوزة يتوجه صوب منطقة تحت المهاد Hypothalamus وجذع الدماغ مثل منطقة المادة الرمادية حول القناة Periaqueductal grey matter. الفعالية في هذه المناطق تتميز بالخوف والرغبة في الهروب مع استجابة جسدية مثل سرعة التنفس وارتفاع ضغط الدم. لذلك فإن هذه المناطق لها أهميتها في الاضطرابات المتعلقة بالخوف مثل اضطراب الهلع ورهاب الساحة2.
الناقلات العصبية الكيمائية والقلق
يلعب سيروتونين دوره في منع استجابة القتال أو الهروب عن طريق المادة الرمادية حول القناة ولذلك فإن العلاج بعقاقير مثبطات استرداد سيروتونين الانتقائية SSRI يقلل من الخوف وكذلك يحسن الأعراض عن طريق تغيرات عصبونية طويلة الأمد في اللوزة عن طريق مستقبلات سيروتونين 5-HT2C. أما دور نظام نورأدرينالين فهو أقل وضوحاً في اضطرابات القلق ونتائج الدراسات3 تشير إلى أهميته في اضطراب الهلع فقط.
حمض أمينو بيوتريك GABA هو الناقل العصبي الكيمائي المثبط الرئيسي ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بآلية القلق وبالذات مستقبلات GABA-A m بدوره في التثبيط السريع للشعور بالقلق. موقع هذه المستقبلات قريب من موقع مستقبلات بنزودايازابين الكثيرة الاستعمال في علاج سريغ مؤقت للقلق4. أما الناقل العصبي الكيمائي الرئيس المثير في الدماغ فهو حمض غلوتاميت Glutamate ويعتقد بعدم وجود توافق ما بين هذا النظام والذي قبله في اضطرابات القلق5.
المواد الأفيونية الذاتية الداخلية Endogenous Opioids تلعب دورها في اضطرابات القلق وخاصة الهلع والرهاب. هذه المواد تتواجد بكثرة في مناطق الدماغ التي لها وظيفتها في التنظيم العاطفي مثل المادة الرمادية حول القناة، وهي أيضا مرتبطة بنظم سيروتونين وأمينو بيوتريك6.
هناك بحوث7 تشير إلى أهمية ببيتيدات عصبية كذلك في اضطرابات القلق وتشمل أوركسين Orexin وأوكسيتوسن Oxytocin. يتم إفراز الأول من منطقة تحت المهاد ويؤدي إلى تحفيز الجهاز الحوفي وبالتالي تحفيز الخلايا المفرزة لنورأدرينالين ومن ثم تعديل الاستجابة العاطفية، وقد تلعب مضادات مستقبلات أوركسين1 دورها في المستقبل في علاج اضطرابات القلق في حين قد يكون دور أوكسيتوسن تخفيف القلق في اضطراب القلق المتعمم.
وراثة القلق
أظهرت الدراسات الحديثة وجود اعتلال مشترك واستعدادات وراثية، بين مختلف اضطرابات القلق وتم العثور على أليل rs1709393 على أترون موضع الحمض النووي الريبي غير المشفر Loc152225 في كروموسوم 3q12.3 المرتبط بتشخيص مختلف اضطرابات القلق مدى الحياة8.
كذلك تمت دراسة وراثة القلق من خلال دراسة أحد أبعاد الشخصية الخمسة وهي العصابية Neuroticism والتي تعرف بالميل إلى أفكار وعوطف سلبية. هذا البعد كثير الارتباط بتدهور الاتصال الوظيفي في اللوزة والقشرة الحزامية.. تشير الدراسات إلى أن بعد العصابية مرتبط باضطراب القلق المتعمم بمقدار 0.80 وما يعنيه ذلك هو أن الفرد يرث سمة العصابية ويصبح أكثر عرضة للإصابة بالقلق9.
كذلك قد يكون هناك دور لانتشار القلق مع تقدم العمر وتدهور الاتصال بين الخلايا العصبية المختلفة، وقد يكون هناك دور ما للالتهاب10.
مصادر:
1- Babaev O., Piletti Chatain C. & Krueger-Burg, D. Inhibition in the amygdala anxiety circuitry. Exp Mol Med 2018 50, 1–16 https://doi.org/10.1038/s12276-018-0063-8.
2- Shin L, & Liberzon I. The neurocircuitry of fear, stress, and anxiety disorders. Neuropharmacology 2010;35(1):169-191.
3- Liu Y, Zhao J, & Guo W. Emotional roles of mono-aminergic neurotransmitters in major depressive disorder and anxiety disorders. Front Psychol 2018; 9:2201.
4- Nuss P. Anxiety disorders and GABA neurotransmission: a disturbance of modulation. Neuropsychiatr Dis Treat 2015; 11: 165-175.
5- Nasir M, Trujillo D, Levine J et al. Glutamate systems in DSM -5 anxiety disorders: Their role and a review of glutamate and GABA psychopharmacology. Front Psychiatry 2020: 11:548505.
6- Nakamoto K, Tokuyama S. Stress-Induced Changes in the Endogenous Opioid System Cause Dysfunction of Pain and Emotion Regulation. Int J Mol Sci. 2023 Jul 20;24(14):11713. doi: 10.3390/ijms241411713. PMID: 37511469; PMCID: PMC10380691.
7- James MH, Campbell EJ, Dayas CV. Role of the Orexin/Hypocretin System in Stress-Related Psychiatric Disorders. Curr Top Behav Neurosci. 2017; 33:197-219. doi: 10.1007/7854_2016_56. PMID: 28083790.
8- Meier, S.M., Deckert, J. Genetics of Anxiety Disorders. Curr Psychiatry Rep 21, 16 (2019). https://doi.org/10.1007/s11920-019-1002-7.
9- Hettema J, Prescott C, Kendler K. Genetics and environmental sources of covariation between generalised anxiety disorder and neuroticism. American Journal of Psychiatry 2004; 161(9): 1581-1589.
10- Peirce J, & Alvina K. The role of inflammation and the gut microbiome in depression and anxiety. Journal of Neuroscience Research 2019;97(10): 1223- 1241.
واقرأ أيضا:
الدماغ المكتئب!2 / دماغ الثناقطبي Bipolar Brain