السلام عليكم
المشكلة باختصار تتعلق بأخت لي بلغت من العمر 34 عامًا، وما زالت دون زواج مع أنها تتمتع بالأخلاق العالية، والروح الجميلة، وجمال الشكل، وفوق ذلك كله هي ملتزمة تمامًا بتعاليم ديننا الإسلامي، بل وتقوم بإعطاء الدروس والمواعظ، مع العلم بأنها ملتزمة منذ الصغر، وهي تعمل الآن.
الإخوة الأفاضل، ربما هي مشكلة عامة، وربما كان لديكم الوقت لطرح: لماذا معظم الشباب لا ينظرون للمحجبات، بل ينظرون لمن يظهرن زينتهن، ومفاتنهن، الإخوة الأفاضل، إن وضع أختي وأمثالها يؤرق الأهل ويجرح قلوبهم، فماذا عساها البنت أن تفعل بعد موت والديها وزواج إخوانها، كيف نعالج النفوس المكسورة؟ وما السبيل إلى حل أمثل للجميع خصوصًا إذا كانت البنت غير ملتزمة فماذا ستفعل؟
أرجو منكم إخوتي أن تعطوا الموضوع ما يستحق من الأهمية بالإجابة الشافية الوافية
شكرا لكم ...... وجزاكم الله عنَّا كل خير.
26/11/2021
رد المستشار
أخي الفاضل، تشغلنا مشكلة تأخر وارتفاع سن الزواج بين المسلمين نساءً ورجالاً، وسبق لنا نشر تقارير وإحصائيات تتابع الموضوع، وشغلتنا مشكلة أختك، وربما نطرح مشكلة مشابهة لها للحوار العام على موقعنا عسى أن نصل إلى حل أو برنامج بالحل.
والحق يا أخي، أن المسألة متشعبة ومتشابكة على المستوى العام، فنمط الحياة الذي نعيشه يبتعد في مقاصده وجوهره، وغاياته عن الإسلام شيئاً فشيئاً، رغم أنه في بعض النواحي الشكلية يبدو غير ذلك، حتى إنني لا أتردد في القول بأن المشكلة الكبيرة اليوم التي تواجه انتصار الإسلام، وسيادة شريعته، وعلو كلمته في الأرض هي ممارسات المسلمين أنفسهم فهم أكبر عقبة في طريق الإسلام ولا حول ولا قوة إلا بالله.
دعنا من هذا الآن، ودعني أقول لك ما يلي:
أولاً: رغم أن الزواج شيء جميل، وسنة الحياة، وسبيل لقضاء الوطر بالحلال، وإقامة البيت المسلم.... إلخ، مما تعرفه ونعرفه جميعاً؛ فإنه يظل خياراً وارداً كما يمكن أن يَرِدَ غيره، بمعنى أن الظروف قد تحول دون زواج امرأة أو رجل، ولا يَخِلُّ هذا بأهميتها أو دورها في الحياة، فهناك من الأنشطة الاجتماعية والإنسانية الكثير، وهناك من الأدوار التي يمكن أن يلعبها المرء العديد.
أقول هذا لا لأُبَرِّر هذه الظاهرة الواسعة السيئة المتمثلة في العزوف عن الزواج، أو تأخره، ولكن لأقول: إن عدم الزواج أو تأخره، لا يعني الموت المعنوي كما هو في إدراكنا، وتعاملنا مع من يتأخر زواجها، وقد عرف التاريخ نماذج لهذا في الرجال والنساء على حد سواء.
ثانياً: بناءً على ما تقدم، أعتقد أننا في حاجة إلى جهد كبير؛ للتخفيف من الضغط الاجتماعي الهائل الذي يمارس على الفتاة التي تأخر زواجها، وكأنها هي السبب وراء هذا التأخير، هذه النظرة التي تجمع بين الرثاء والاستخفاف من شأنها مضاعفة معاناة الفتاة وأهلها، والضغط الاجتماعي يتمثل في أشياء متعددة ينبغي محاربتها بدءاً من إطلاق وصف "العانس" أو الملاحظة المستمرة، والحديث حول هذا الشأن.
فلماذا لا نسمي مثل هؤلاء الفتيات بـ"البتول"، أو نَصِفُهُنَّ بـ"المقصورات في الخيام" مثل الحور اللاتي لم يمسسهن أنس ولا جان؟!!
ثالثاً: لا بد أن نفهم أن الزواج رزق وبلاء، كما هو الحال في كل شؤون الحياة "الَّذِيْ خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيْزُ الْغَفُوْر". والله وحده هو الذي يبعث الرزق، ويأتي بالبلاء أو الابتلاء في الوقت الذي يشاؤه، لو استقرت هذه المعاني في ضمائرنا لتغيرت كثير من معالم الصورة، والوحدة أفضل من جليس السوء.
رابعاً: نحتاج إلى المزيد من المرونة في أمور الزواج، فكما أن بعض الفتيات لا يعيبهن تأخرهن، فإن الشاب الأرمل ذات العيال، أو المطلق الذي لم يحالفه التوفيق في زيجة سابقة ينبغي أن تتغير النظرة إليه فيكون محل موافقة من أهالي الفتيات، وبالعموم نحتاج إلى تعامل أكثر مرونة بمسائل الزواج والطلاق وأوضاعهما، وقبول ورضا الناس بالحلال، وتحرِّيْه حيثما كان دون تغليب للأعراف الجاهلية من اعتبار المطلقة معيوبة، والمتأخرة في الزواج معيوبة، والأرمل ذي العيال معيوبًا... إلخ.
خامساً: لا أتفق معك في أن السافرات المتكشفات رائجات في سوق الزواج، فالمشكلة تلاحق الجميع، والتي تصطاد زوجاً بإظهار مفاتنها ما يلبث أن يهرب من الفخ بعد أن ينال من تلك المفاتن، أو بعد أن تذهب، ولا يُبْقِي الزمان مفاتن لأحد..... وكثير من الشباب الجاد يريد أن يرتبط بفتاة عاقلة ومنضبطة تحفظ له عرضه، وأولاده.
سادساً: لا أرى بأساً من أن نستعيد قيمة معتبرة ضاعت في خضم ما أصابنا من تغريب، ألا وهي جدية السعي لتوفيق الرؤوس في الحلال، وقد رأيت بالفعل نساءً من طبقات ومشارب مختلفة أخذن على عاتقهن تزويج البنات بما يناسبهن من الشباب، وواحدة من هؤلاء السيدات الفاضلات تساعدنا في الإجابات ضمن فريق مستشاري مجانين، فأين أنتم من هذا؟!
سابعاً: أعتقد أن حل المشكل على المستوى الفردي والجماعي يَكْمُن في تَفَهُّم ما قدمت من معاني، وتضافر الجهود، وتقديم بعض التنازلات الاجتماعية في الشكليات... والله أعلم.