السلام عليكم
أنا فتاة سأبلغ الثلاثة والثلاثين بعد أشهر، مسلمة متحجبة ملتزمة، ولله الحمد، أؤمن بأن هذه الحياة طريق للآخرة، وأن كل ما عليها زائل. بدأت مشكلتي منذ طلقت أختي، عدت في ذلك اليوم إلى البيت سمعت أمي تقول وأنا أدخل البيت: ماذا سيقول الناس عندنا بنتان واحدة مطلقة والأخرى عانس.
شعرت وكأن الدنيا تدور بي لو كانت أطلقت علي الرصاص كان أهون علي من لقب عانس، الآن شعرت بما كانت تشعر به صديقتي، وأدى إلى انهيارها. وانهارت قواي، وأصبحت لا أطيق النظر في وجه أمي وأبي، لقد كرهت نفسي وكرهت كل شيء، أصبحت أحس بالفشل في كل شيء من الحياة: في العمل، في القدرة على الحفاظ على إيماني.
تذكرت كلام صديقتي: ما الفائدة من الصلاة والدعاء الالتزام الديني والأخلاقي؟ إذ يوجد فتيات منحلات لا دين لهن، ولا أخلاق متزوجات سعيدات في حياتهن، بينما نحن نعاني من نظرات الشفقة في عيون القريب والبعيد، ونصنف في المجتمع بفئة العوانس.
أين العدل في ذلك؟ من يعيد لي ثقتي بنفسي وبعدل ربي؟ لقد تزعزع كل شيء في داخلي.
هذه ليست مشكلتي أنا وصديقتي فقط،
بل هي مشكلة المئات مثلي ومثل صديقتي.
4/12/2021
رد المستشار
وهل العدل أن يحصل الإنسان على كل شيء في الدنيا ثم يدخل الجنة في الآخرة دون مكابدة أو ابتلاء أو تعب؟! وهل كل متزوجة سعيدة؟!، وهل الزواج هو الغنيمة التي إذا حرمها الإنسان نكص على عقبيه، وولى مدبرا يقول: يا ربي أعطيتهم ومنعتني؟! وهل المرأة مجرد مهبل ورحم فإذا لم تجد شهوة الجنس، وتحقق غريزة الأمومة ظنت نفسها مدفونة بالحياة أو ميتة تسعى بين الناس بلا دور؟!، ولا معنى، ولا وجود، ولا فائدة من صلاة أو دعاء أو التزام؟!
هذا الكلام يمكن أن يقال مثله للرجال سواء بسواء، وإنما أردت فيه أن ألفت نظرك للإدراك المختل الذي نعيشه كمجتمع لشأن هو في الأصل هام لقيام الحياة، ولكنه ليس كل الحياة، بل إن الحياة هي حسن إدارة الموجود، أكثر منها بكاء على المنشود المفقود.
أقول لك هذا، ونحن قد تعرضنا لقضية تأخر سن الزواج في إجابات سابقة لنا، وفي استطلاع رأي نشرناه على الموقع، وأنا أرى في الأمر ظلمًا اجتماعيًّا يعكس خللًا عميقًا في نواحي عيشنا، ويحتاج علاجه إلى خطوات كثيرة بعضها سهل على المستوى الأهلي، وبعضها على مستوى التشريعات والنظم، ولا أريد التكرار، وحتى يحدث ذلك تبقى الحلول فردية.
وأخشى أن الملتزمات يتعففن عن الخوض في حركة الحياة درءا لمفاسد الاختلاط بالناس أو زهدا في تبعات زيادة علم، أو صعوبة عمل رغم أن الحديث يقول: "من يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خير ممن لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم" وتساءلت إلى متى ينطلق جهدنا ورصاصنا في الاتجاه الخاطئ.
يا أختي الكريمة، ربما زهد الرجال في امرأة لقلة مالها أو جمالها أو لضعف شخصيتها أو اضطراب حالها، ولم يروا منها ما يدعوهم لنكاحها، فتذهب تقول أصبحت عانسًا لأنني ملتزمة ومتدينة، فهل هذا عدل أو إنصاف.
ووضع المسألة ليس هكذا من الطرفين، فعلى المسلمين أن يتكاتفوا لإعادة المناخ الملتزم للمجال العام بأنشطته الثقافية والاجتماعية، والرياضية وغيرها، وفي هذه الميادين، وفي غيرها من الدوائر العامة يتلاقى الرجال والنساء، ويتعارفون تبعا للحاجة، ومقتضيات الاندراج وأحوال المشاركة. وفي إطار هذا الجو العام الطبيعي الذي ذكرناه يجد الرجل ضالته المنشودة، وتجد المرأة كذلك ما تبحث فيه، وبعد ذلك فإن أدوار الوسطاء تأخذ مكانها لتسير عجلة الحياة، وتتكرر الحوادث السعيدة كما كانت منذ فجر التاريخ.
أوصيك بتوسيع دوائر حركتك ومعارفك، وأنشطتك واهتماماتك، فإن ذلك هام للخروج من ضعف الثقة بالنفس، ومجالسة الحزن، ومصاحبة الاكتئاب وهو ضمن الأخذ بالأسباب، والتعرض للقدر والنصيب؛ لأن الزواج بحق كما يقول المصريون: قسمة ونصيب.