منذ أكثر من عام ولا يوجد حديث في الإعلام ومن رجال السياسة في العالم الغربي سوى الحديث عن الذكاء الاصطناعي. حاولت أمريكا احتكار تصنيع وسائل الذكاء الاصطناعي في عهد رئيسها السابق بايدن وفرضت القيود على الصين. إن تحدث زعيم بريطانيا عن النمو الاقتصادي وتطوير الخدمات الصحية والاجتماعية فلا تسمع إلا عن دور الذكاء الاصطناعي، وإن تحدث أصحاب المال عن الاستثمار فلا يوجد غير الاستثمار في شركات الذكاء الاصطناعي. كل هذه الإثارة انتهت يوم أمس مع إصدار الصين آلية الذكاء الاصطناعي البحث العميق Deep Seek بتكاليف زهيدة جدا دفعت الأسواق المالية العالمية إلى محو ترليون دولار من قيمة آليات الذكاء الاصطناعي الأمريكية خلال ساعات.
ولكن الأهم من ذلك ما هو أثر الذكاء الاصطناعي وخاصة الذكاء الاصطناعي التوليدي، على التطور المعرفي البشري والتعليم؟ هذا ما لا يستطيع الإجابة عليه أحد إلى الآن. كذلك لا أحد يستطيع التصريح بصراحة ووضوح عن الفوائد والمخاطر المحتملة لإدماج الذكاء الاصطناعي في النظم التعليمية والحياة اليومية.
يقدم الذكاء الاصطناعي بلا شك إمكانات هائلة لإحداث ثورة في التعليم من خلال التعلم الشخصي، والمهام الآلية، وزيادة إمكانية الوصول إلى المعرفة. ومع ذلك، فإن الإفراط في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى انخفاض التفكير النقدي، والإبداع، ومهارات حل المشكلات، مما قد يعيق التطور المعرفي. وهذا بالضبط يشبه الأثر السلبي للثورات الصناعية السابقة على الأنظمة البيولوجية البشرية. التي تحدث عنها الكثير.
هناك مخاوف عدة من تأثير الذكاء الاصطناعي على المهارات المعرفية. الكثير يتحدث عن إمكانية تقليل الذكاء الاصطناعي للتفكير النقدي، وحل المشكلات، والإبداع. وقد يؤدي الإفراط في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الذاكرة والحسابات إلى إضعاف هذه الوظائف المعرفية. ولكن على النقيض من ذلك، يمكن أن يحرر الذكاء الاصطناعي الموارد العقلية للتفكير على مستوى أعلى، والإبداع، وحل المشكلات المعقدة. لم تصل البشرية إلى تقاطع الطريق هذا.
بطبيعة الحال قد يختلف أثر الذكاء الاصطناعي بين الأجيال، حيث قد يطور الأفراد الأصغر سناً مهارات معرفية مختلفة لا نعرفها الآن وقد تختفي مهارات أخرى. هناك الحاجة لعمل بحوث نفسانية في هذا المجال.
التخفيف من الآثار السلبية
هناك عدة استراتيجيات للتخفيف من الآثار السلبية المحتملة للذكاء الاصطناعي، بما في ذلك تعزيز التفكير النقدي، والمحو الحاسوبي، والاعتبارات الأخلاقية في التعليم. ما يجب أن تدركه المؤسسات التعليمية هو أن يُعزز الذكاء الاصطناعي القدرات البشرية، وليس أن يحل محلها. كذلك على الجيل الجديد إدراك هذه الحقيقة.
هناك الحاجة إلى الانتباه إلى الموازاة التاريخية حيث أن هناك أوجه تشابه بين الجدل الحالي حول الذكاء الاصطناعي والمناقشات السابقة حول استخدام الآلات الحاسبة في التعليم، والحل هو الإدماج الدقيق، وليس الرفض الصريح، هو المفتاح.
ولكن ماذا عن الآثار طويلة المدى: يبقى الأثر طويل المدى للذكاء الاصطناعي على التطور المعرفي البشري غير مؤكد. وهناك الحاجة إجراء المزيد من البحوث والتفكير بعناية في الآثار المترتبة على التعليم والمجتمع.
هناك حاجة إلى منظورً متوازن حول الدور التحولي للذكاء الاصطناعي في التعليم، مع الاعتراف بفرصه وتحدياته. هناك الحاجة إلى اتباع نهج حذر ومدروس لإدماج الذكاء الاصطناعي في النظم التعليمية لتعظيم فوائده مع التخفيف من مخاطره المحتملة على التطور المعرفي البشري.
واقرأ أيضًا:
العلاج النفساني: العلاج السلوكي المعرفي ع.س.م1 CBT / العلاج بالتنويم المغناطيسي بين العلم والدجل1