استفسار عن موضوع الزواج والإنجاب
أرجو إرسال الرسالة التالية إلى الدكتورة/هالة مصطفى.
السيدة الفاضلة الدكتورة/ هالة مصطفى، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا شاب عمري 31 سنة، مصري أعيش في مصر، أعزب وأرغب في الزواج، ولكن عندي تخوف من الإنجاب بعد الزواج، وذلك لأني أرى نفسي غير مؤهل لعملية تربية الأبناء، وأيضا بسبب السلبيات الموجودة في المجتمع والتي قد تؤثر عليهم، وأود أن أعطي لحضرتك نبذة سريعة عن نشأتي، فقد تساعدك في تفهم موقفي وظروفي.
الوالد والوالدة كان عندهما ظروف منعتهما من تربيتنا أنا وإخوتي التربية الصحيحة، ومنذ صغري وأنا منطوي وساكت وخجول جدا، والوالدان عزلانا عن الحياة ولم يكن لهما اختلاط بأحد، وكذلك فقد كنا في بيئة غريبة عن ثقافتنا (عشنا في السعودية 14 سنة، ذهبنا إلى هناك وأنا صغير لم أدخل المدرسة بعد)، وكان الوالدان يخافان علينا جدا (حماية زائدة)، والآن أنا عندي31 سنة ولا أفهم شيئا في الحياة ولا زلت منطويا ومنعزلا عن الناس ولا أعرف أن أتكلم أو أعبر عن نفسي أو أدافع عن نفسي، وهناك من هو أصغر مني بكثير ويفهم الحياة أكثر مني.
ولا أستطيع أن أندمج مع الناس، وعندما أجلس أحيانا مع زملائي في العمل أجلس مثل الأطرش في الزفة، ولا أفهم الكلام الذي يقوله من حولي، ولكن لا أنكر أنني أفضل حالا مني وأنا صغير فرغم انعزالي إلا أنني اندمجت قليلا في المجتمع أثناء دراستي الجامعية وما بعدها، وفهمت القليل عن الحياة، ولكن لا يزال والدي يخاف علي إلى الآن ويقوم بتوجيهي إلى ما أفعل وأترك، فلست أنا من يتخذ الكثير من قراراتي وإنما أمي وأبي، أمي اختارت لي دراستي الجامعية وأجبرتني عليها، والآن تحاول إجباري على الزواج من فتاة أرفضها أنا وتنهي عملية الارتباط إذا اخترت أنا العروس بنفسي ولم تعجب أمي لأسباب غير مقنعة مثل أنها ترتدي نظارة طبية،(والدتي حاليا مطلقة وهي تعاني من مرض عقلي بناء على تشخيص الطبيب النفسي)، وحاليا أنا أعالج عند الطبيب النفسي من الوسواس القهري.
وتخوفي من عدم قدرتي على تربية الأبناء نابع من أنني نشأت هذه النشأة غير السليمة التي لا تؤهلني لتربية أبنائي التربية التي يحتاجونها في العصر الحالي الذي نعيش فيه والذي يتطلب أن يكون الإنسان مؤهلا تماما لتربية أبنائه تربية صحيحة وأن يتمتع الإنسان بشخصية قوية لينقل لأبنائه صفة قوة الشخصية ويكون قدوة لهم في هذا العصر الذي لا مكان فيه للضعفاء، ولمواجهة تحديات العصر الصعبة، وأيضا مجتمعنا في مصر به سلبيات عديدة يمكنني تقسيمها إلى قسمين:
1- مشاكل يمكن للإنسان المستكمل لمؤهلات تربية الأبناء تربية أبنائه على مواجهتها، وهذه المشاكل هي:
أ- السلبيات الموجودة في المجتمع مثل: الفساد، انهيار الأخلاق، أصدقاء السوء.
ب- وسائل الإعلام المليئة بالفن الهابط.
ج- قصور أداء الأفراد والمؤسسات القائمين على التنشئة الدينية.
2- مشاكل ستقابل الأبناء وليس لتربيتهم تأثير في مواجهتها، أي مهما ربى الإنسان أبناءه فستكون هذه المشاكل مؤثرة عليهم، وهي:
أ- قصور أداء المؤسسات القائمة على التعليم وعلى تدريب الأفراد وتنمية مواهبهم ليكونوا نافعين لمجتمعهم.
ب- التكدس السكاني وما ينشأ عنه من مشاكل مثل تحشر النساء والرجال في المواصلات.
وأنا ليست لدي المؤهلات اللازمة لتربية الأبناء التربية السليمة، وفاقد الشيء لا يعطيه، وأعتقد أنني أحتاج لمن يقوم بعملية تربية لي أولا، أي يربيني على أخلاق وآداب الإسلام، وأن يعلمني فنون الحياة وأساليب التصرف في المواقف المختلفة وطرق التعامل مع الناس كما ربى الرسول(ص) أصحابه وكانوا كبارا.
فهل بإمكاني أن أجد فتاة تقتنع هي وأسرتها بموضوع منع الإنجاب إلى أن تتحسن ظروفي وأجد من يقوم بعملية تربية لي، وتتحسن ظروف المجتمع، أم أنه من الصعب أن أجد مثل هذه الفتاة في مجتمعنا الشرقي؟ وأنا لا أستطيع الامتناع عن الزواج، وإذا امتنعت عنه فقد أقع في المحظور.
أنا راض بقضاء الله وغير ساخط وأعلم أن هناك أناسا كثيرين ظروفهم أصعب كثيرا من ظروفي، وأريد من حضرتك إسداء النصح والإرشاد لي فيما يخص عملية إنجاب وتربية الأبناء، وعملية تربيتي أنا شخصيا إن كان ذلك ممكنا، وما العمل لمواجهة المشاكل من النوع الثاني (التي ستقابل الأبناء وليس لتربيتهم تأثير في مواجهتها).
وشكرا،
محمد
9/3/2006
رد المستشار
الصديق الفاضل، "محمد" شكرا لك على رسالتك وعلى طلبك مني إسداء النصيحة لك.
أولا: أشعر تماما بمعاناتك التي حاولت أن تسطرها من خلال رسالتك وأشكر لك صدقك وتفهمك لمسؤولية التربية والأبناء فكم من أناس يتزوجون وينجبون وليس في تفكيرهم ما يربون عليه أبناءهم بل يعتقدون آن الأبناء من ضمن الوجاهة الاجتماعية وحتى لا يتهمهم المجتمع بالتقصير فهم يمتلكون هذه المقتنيات والتي تسمى أبناء والذين يكونون بعد ذلك ضحايا مثلك لمجتمع لا يستطيعون أن يلاحقوا كل مستجد فيه من تغيرات ومستحدثات ليس لهم بها خبرة ولا أملك إلا أن أواسيك في تلك النشأة التي تركت في نفسك جروحا وشروخا ما زلت تعانى منها.
ثانيا: أنك أدركت تماما حجم الخطأ الذي كان في تربيتك وتحاول الآن أن تتغلب على تلك العيوب في شخصيتك من خلال الطبيب النفسي الذي أرجو منك إلا تتركه وإلا تخجل أبدا أو تشعر بالضعف وأنت تزوره كما يسود مجتمعنا من أفكار ساذجة عن الطب النفسي فتلك الزيارات آن شاء الله ستساعدك في فهم ذاتك وتصليح ما لديك من مشاكل لذلك تكلم مع طبيبك بلا خجل ولا تهمل أشياء حتى وإن كانت في نظرك بسيطة وكن على يقين انك تملك قدرات كثيرة سوف تكتشفها وتنميها بإذن الله وثق آن من يريد التغيير بصدق يساعده الله ويفتح له أبواب الخير من حيث لا يدري ولا يعلم فانطلق في الحياة وتعلم منها وستنجح مرة وربما تفشل مرات ولكن سيجعل منك الفشل أكثر قوة وثبات ولا تيأس أبدا.
ثالثا: حبك وحرصك على مستقبل من ستنجبهم وشعورك بالمسئولية لا ينبغي آن يتحول آلي عقبة أمام تلك المنح والهبات من الله بل يكون دافعا قويا في اختيار أم صالحة لهم, أم تحمل صفات الأمومة وتملك القدرات والمزايا آلتي تؤهلها لذلك ولهذا ربما ستحتاج آن تضع مقاييس أخرى للاختيار بعيدا عن تلك المقاييس التي يبحث عنها الشباب ويتجاهل أشياء أخرى هامة وتكون المحصلة مزيد من الأسر التعيسة و الأبناء التعساء.
اختر الزوجة ذات الشخصية المتفتحة والعقل الراجح والتي في ذات الوقت على دين وخلق يؤهلها آن تطيع زوجها وتتعامل معه بأدب ورقى حتى وان كانت هناك جوانب نقص أو ضعف في شخصيته وأظن أن هناك من البيوت الكثير يكمل كل من الزوجين نواقص الآخر فمتى وجدت تلك المرأة لا تتردد ولا تلتفت إلى انتقادات أمك والتي لا تؤهلها حالتها النفسية أن تساعدك في الاختيار السليم فحاول إقناعها باللين والتفاهم بمن تختار وتجد فيها الصفات التي تبحث عنها.
رابعا: يمكنك تنمية قدراتك ومهارتك الخاصة بتربية الأبناء مثل التواصل مع الأبناء وفهم المراحل المختلفة لكل سن واحتياجه سواء بالقراءة أو الدورات واعتقد أن الكثير يهتم ويقرأ وتوجد معاهد متخصصة لإعداد الدعاة برغم أن الأمة تحتاج إلي عدد محدود يكفى لهذه المهمة في حين أننا في حاجة إلى المعاهد والمؤسسات التي تعد آباء وأمهات يفترض أن بأيديهم مستقبل الأمة بأسرها.
خامسا: كن على يقين أن الدعاء يفتح أبواب الخير ويهيئ لك ما تريد وطالما تملك تلك النية الصادقة في آن تكون أبا صالحا أكثر من الدعاء ليرزقك الله بمن تعينك على ذلك ويفتح لك سبل التربية بل يلهمك الأسلوب الأمثل وذلك نجده كثيرا حولنا بصدق نوايا الآباء وحرصهم على تربية أبناءهم وصدق المثل القائل "ملك مربي من عند ربي" فحقا الله هو خير معين فثق به وتوكل عليه.
وأخيرا أرجو أن تكون رسالتي واضحة وأسأل الله أن يوفقك لكل خير وأن تخبرنا عن قريب بأخبار سارة.