توجهات جديدة في الت.م.ا الانطفاء المعزز عرضيا (5)
5) منع وسائل أو سلوكات التأمين Removing Safety Signals :
وسائل التأمين Safety Aids أو سلوكات التأمين Safety Behaviors هي مثبطات مشروطة (محفزات مثبطة مشروطة) تنبئ بغياب المحفز غير المشروط (الم.غ.م). وسلوكيات التأمين شائعة جدا في مرضى اضطرابات القلق، وتشمل الإجراءات الظاهرة أو المستترة التي يتم اتخاذها لمنع أو الهروب من أو تقليل من أثر الكوارث المخيفة و/أو الضيق المرتبط بها (Telch & Lancaster, 2012) وهي -كما عرفناها سابقا-استراتيجيات يستخدمها مرضى اضطرابات القلق بوجه عام قبل القيام ببعض الأفعال التي تعقبها معاناة بالنسبة لهم، أو قبل التعرُّض مضطرين للمواقف التي تثير مخاوفهم؛ بهدف منع حدوث تلك المعاناة أو المخاوف أو التخفيف من شدتها، كما يستخدمها مرضى الوسواس القهري قبل بعض الأفعال التي تعقبها الوساوس؛ وتعرف سلوكات التأمين في أدبيات العلاج السلوكي المعرفي بـأنها من "عمليات الإدامة الرئيسة" Key Maintaining Processes للاضطراب النفسي، لأنها تخفض القلق وتجعل التعود على الم.م معتمدا على وجود المثبط، أي أنه لا يحدث التعود المطلوب حسب القراءة الكلاسيكية للت.م.ا، ومن المعروف تجريبيا أن هذه المثبطات المشروطة تخفف من الاستجابات الشرطية على المدى القصير، لكنها تبقي المحفز الاستثاري المشروط قادرا على إثارة استجابة مشروطة عند اختباره لاحقًا بدون المحفز المثبط المشروط. ويتم تفسير هذا التأثير من خلال الآليات الراجعة إلى نموذج الترابط Associative Model ليسكورلا فاجنر أو نموذج العزو، إذ يفترض النموذج الترابطي أن القوة الترابطية السلبية للمنبه المثبط تلغي أو تقلل من القوة الترابطية الإيجابية للمحفز المثير، بحيث لا يكون هناك تغيير عما تنبأت به جميع الإشارات. بينما يشير نموذج العزو Attributional Model إلى أنه عندما يُعزى عدم وجود النتيجة المكروهة المتوقعة إلى وجود محفز مثبط، فلا يوجد سبب لتغيير الحالة السببية للمحفز المثير. لكن طريقتي التفسير تتفقان على أن إشارات أو سلوكات التأمين تتعارض مع تطوير ارتباطات جديدة مثبطة..... وهو ما يعني أنها تفسد العلاج بالت.م.ا. سواء كنا نعمل من منظور التعود أو منظور التعلم المثبط، كما يعني أيضًا أن استراتيجية المنع البات أو الإزالة التدريجية لوسائل أو سلوكات التأمين ليست إضافة من إضافات نظرية التعلم المثبط للت.م.ا التقليدية.
ومن أشهر أمثلة سلوكات التأمين وجود شخص آخر أو معالجين أو أدوية أو طعام أو شراب (Barlow, 1988) أو مصحف صغير أو كتاب أدعية، أو وضع مناديل أو حفاضة لنقاط البول أو الإفرازات.... ويوضح الجدول التالي عددا من أشهر سلوكات التأمين في الاضطرابات المختلفة باستثناء اضطراب الوسواس القهري واضطرابي الهلع والرهاب الاجتماعي فقد كتبناها من قبل، ومن الجدير بالذكر أن هناك عددا من محاولات تصنيف سلوكات التأمين الشائعة إلى سلوكات تأمين ظاهرة مباشرة (أي سلوكات ظاهرة للعيان وواضحة الهدف مثلا كالسؤال للطمأنة أو تحاشي التقاء العيون) وسلوكات تأمين مستترة أي غير مباشرة (مثل الإفراط في ذكر التفاصيل)، وتصنيف آخر (Goetz, 2013) إلى سلوكيات تأمين وقائية Preventative وأخرى إصلاحية أو ترميمية Restorative فأما الوقائية فهي التي تمنع حصول المخشي منه من الأصل؛ كالتحاشي الكامل لِلَمْس النجاسات أو المبيدات.. إلخ، فهي محاولات للحدِّ من شدَّة التعرُّض للمثير المحتمل، ومنها التحقُّق القهري، والفحص المتكرر، وشتى عمليات التحييد المعرفية؛ ومنها قمع الأفكار؛ وذلك لمنع حدوث زيادة في القلق، وكذلك محاولة الإلهاء لصرف الانتباه عن المثير، وأما سلوكات تأمين الإصلاحية فهي التي تسمح بإصلاح أثر المخشي منه بعد وقوعه، وهذه كثيرًا ما نراها في مرضى الغسل القهري، ويمكن أن تشمل الغسيل أو المسح بمنديل مطهِّر أو شتى طقوس التنظيف، كما يمكن أن تشمل أيضًا عمليات التحييد العقلية التي تُستخدم للحدِّ من القلق؛ مثل التسبيح أو الصلاة أو الدعاء، وكذلك قمع الأفكار، وغيره من السلوكيات القهرية الأخرى لخفض القلق؛ مثل الهروب من موقف معين، لكن الواقع أن كثيرا من "سلوكات التأمين" التي يلجأ إليها المرضى تضمُّ جوانب وقائية وأخرى إصلاحية، بما يجعل من الصعب أحيانًا تصنيف السلوك واعتباره مختلطًا بالتالي.
أمثلة على سلوكات التأمين أو احتياطات السلامة Safety Behaviors | |
1- حمل السلاح، السكين غالبا (للدفاع عن النفس) | كرب ما بعد الرضح |
1- الهاتف المحمول (للاطمئنان على ذويهم) 2- تركيب كاميرا في المنزل (للاطمئنان على ذويهم) أثناء عدم تواجدهم 3- الأدوية والرموز الدينية ..إلخ | القلق المتعمم |
1- تطبيقات المحمول الطبية (للتحقق المتكرر من الأعراض و / أو الحصول على طمأنة طبية) 2- معقم اليدين (لتنظيف اليدين) 3- منتجات التنظيف (لتعقيم الأسطح) | قلق المرض |
1- مصدر ضوء ليلا (للتخفيف من الظلام) | الرهاب المعين |
ومن منظور التعلم المثبط يؤدي وجود وسائل أو اللجوء إلى سلوكات التأمين إلى خلل في التعلم المثبط لثلاثة أسباب هي منعها أو إضعافها لخرق التوقعات ومنعها تعميم الارتباطات التثبيطية، ومنعها تعلم تحمل الضيق، وكل منهم مهم لإحداث تعلم الانطفاء وتسهيل استرجاعه بعد العلاج بالت.م.ا. وتحديدا هي تضعف التعلم المثبط عن طريق تخفيف التناقض بين ما يتوقعه المريض أثناء التعرض (أي توقع كارثي) وما يحدث بالفعل (نتيجة غير كارثية)، ونتيجة للإخفاق في انتهاك الحد الأقصى للتوقعات السلبية للمريض، لا يتم تحسين التعلم المثبط (Craske et al. ، 2014)... كما يمكن أن يؤدي استخدام وسائل أو سلوكات التأمين إلى إضعاف التعلم المثبط من خلال وضعه في سياق محدد مرتبط بالوسيلة أو السلوك كمثل الإمام المصاب باضطراب الرهاب الاجتماعي والذي يستطيع الصلاة إماما فقط إذا ارتدى الجلباب (وليس البنطال) ليخفي رعشة رجليه، وأخيرا فإن استخدام إجراءات التأمين يمنع المريض من تعلم تحمل الضيق المرتبط بالتعرض للمحفز المشروط، وتحمل الضيق هو أحد وسائل العلاج بالت.م.ا من منظور التعلم المثبط (Blakey & Abramowitz, 2016).
ورغم وجود بعض الآراء الحديثة التي تدعو إلى التريث في منع إجراءات التأمين ومحاولة استخدامها لتشجيع المرضى على العلاج بالت.م.ا (Rachman et al., 2011) وأيضًا (van den Hout et al., 2011) إلا أن الإجماع ما يزال ضد استخدامها وإن كان تحليل تلوي حديث لدراسات تأثير وسائل أو سلوكات التأمين على الت.م.ا خلص ميولدرز ورفاقه (Meulders, et al., 2016) إلى أن البيانات الإجمالية "كانت غير حاسمة ولا يمكن أن تقدم دليلًا قويًا يدعم إزالة أو إضافة تلك الوسائل أو السلوكات أثناء التعرض" وبالتالي فإن عدم السماح باستخدام إجراءات التأمين هو الأفضل، وإذا كان لابد من استخدامها فليحرص المعالج على أن تكون من النوع الترميمي ويكون استخدامها مرحليا فقط. وبشكل عام إذن يجب على الم.س.م (المعالج السلوكي المعرفي) تعليم المرضى كيف أن إجراءات التأمين لا تساعدهم على المدى الطويل لأنها تمنع حدوث التعلم الجديد، وتشجيعهم بالتالي على التخلي عن جميع سلوكيات التأمين في أسرع وقت ممكن. والقاعدة العامة الجيدة هي أنه لا يجب التسامح مع سلوكيات التأمين إلا إذا كان البديل هو رفض العميل تمامًا للعلاج بالت.م.ا، وفي نفس الوقت يجب التخلي عنها بمجرد تمكن العميل من ذلك، كما يجب على الم.س.م ألا ينسى التحقق أثناء العلاج بالت.م.ا من أن العميل لا ينخرط في التحاشي مثلا بسؤال العميل "هل تفعل أي شيء الآن لمنع وقوع الكارثة؟" ، "هل تفعل أي شيء في الوقت الحالي للتعامل مع ما تشعر به؟" إلخ.
المراجع:
1- Telch, M. J., & Lancaster, C. L. (2012). Is there room for safety behaviors in exposure therapy for anxiety disorders? In P. Neudeck, H. Wittchen (Eds.), Exposure therapy: Rethinking the model – refining the method (pp. 313-334). New York, NY, US: Springer Science + Business Media.
2- Barlow, D. H. (1988). Anxiety and its disorders: The nature and treatment of anxiety and panic. New York, NY: Guilford Press. Barlow, D. H., & Craske, M. G. (1988). Mastery of your anxiety and panic. Albany, NY: Graywind Publications.
3- Goetz, A R, (2013): "The Effects of Preventative and Restorative Safety Behaviors on Contamination Fear". Thesis and Dissertations. Paper 251.
4- Craske, M.G., Treanor, M., Conway, C., Zbozinek, T., Vervliet, B., (2014). Maximizing Exposure Therapy: An Inhibitory Learning Approach, Behaviour Research and Therapy 58: 10–23. (2014), doi: 10.1016/j.brat.2014.04.006.
5- Blakey, SM. & Abramowitz, JS. (2016).The Effects of Safety Behaviors During Exposure Therapy for Anxiety: Critical Analysis from an Inhibitory Learning Perspective. Clinical Psychology Review • November 2016 DOI: 10.1016/j.cpr.2016.07.002
6- Rachman, S. S., Radomsky, A. S., & Shafran, R. (2008). Safety behaviour: A reconsideration. Behaviour Research and Therapy, 46(2), 163-173.
7- van den Hout, M., Engelhard, I. M., Toffolo, M. B. J., & van Uijen, S. L. (2011). Exposure plus response prevention versus exposure plus safety behaviours in reducing feelings of contamination, fear, danger, and disgust. An extended replication of Rachman, Shafran, Radomsky & Zysk (2011). Journal of Behavior Therapy and Experimental Psychiatry, 42, 364-370.
8- Meulders, A., van Daele, T., Volders, S., & Vlaeyen, J. W. S. (2016). The use of safety-seeking behavior in exposure-based treatments for fear and anxiety: Benefit or burden? A meta-analytic review. Clinical Psychology Review, 45, 144-156.
ويتبع >>>>>> : توجهات جديدة في الت.م.ا التنوع والتباين (7)
واقرأ أيضًا:
علاج و.ل.ت.ق علاج الكمالية الإكلينيكية2 / علاج و.ل.ت.ق علاج التردد الوسواسي