حكايتي مع الوسواس
السلام عليكم، الإخوة الأفاضل القائمون على صفحة مشاكل وحلول، في البداية أوجه إليكم شكري الكبير على جهودكم الكبيرة؛ فصفحتكم صفحة متميزة في موقع فريد، وفقكم الله.
الدكتور القدير وائل أبو هندي الذي أرجو أن تكون أنت المجيب على مشكلتي، وإنه ليشرفني ذلك.
أنا فتاة في العشرينات من عمري، متزوجة ولدي طفل، بدأت مشكلتي وأنا في الرابعة عشرة من عمري.. كنت فتاة ملتزمة، بل ومتشددة، كنت متفوقة دراسيا أحظى بعلاقات اجتماعية واسعة في أوساط مدرستي وحارتي، أعشق الدعوة إلى الله، أحب الروحانيات كثيرا، شغوفة بقيام الليل، نشيطة صاحبة همة وطموح لا حدود لهما.
وبرغم صغر سني فقد كان الجميع يحترمني ويعاملني على أنني كبيرة، لكن كل ذلك لم يدم طويلا؛ حيث إني للأسف الشديد كنت أمارس العادة السرية، لا أدري كيف عرفتها ولا من أين تعلمتها! وكأنها خلقت معي، وذات مرة وقع في يدي كتاب يتحدث عن العادة السرية وحرمتها وأضرارها فدب خوف كبير في قلبي لم أستطع التخلص منه؛ فلجأت إلى أمي علها تخفف من روعي، وحاولت أمي بشتى الطرق إقناعي بأنها ليست بهذا الحجم الذي أضعها فيه وأن الكثير يقع في هذا الذنب، وبعد جهد جهيد اقتنعت.
وما أن هدأت حتى داهمني وسواس آخر، وهو أنني ربما أكون مصابة بمرض خطير. حاولت أمي معي لإقناعي بعدم وجوده دون فائدة، كنت أقرأ كل شيء يتعلق بهذا المرض، كنت إذا ذهبت إلى عيادة للعلاج أتمنى أن يطلبوا مني فحص دم حتى أتـأكد من عدم وجود هذا المرض، وبعد اقتناعي بعدم إصابتي به توالت الوساوس دون نهاية، حتى دخلت في أمور العقيدة، كلّت أمي وملت من كثرة وساوسي وقلقي.. يوما تبكيني ويوما تبكي نفسها.
أوهمت أمي وأهلي بأنني قد تعافيت، وتزوجت بعد إصابتي بالمرض بسنة تقريبا، أي إنني تزوجت وأنا داخلة في سن السادسة عشرة، ولم أكن أعلم بأنني مريضة وإنما كنت أعتقد أنه بسبب ذنبي، وأنه يستحق كل هذا العذاب، فكنت أحاول ألا يلاحظ علي أحد شيئا، زوجي كان سعيدا معي للغاية وقد كنت زوجة مثالية بالنسبة له، وهو إنسان رائع جدا.
بعدها داهمني وسواس بأنني أصبحت كافرة والعياذ بالله، وأثر ذلك على دراستي؛ حيث إني أكملت تعليمي وأنا متزوجة، وحصلت على معدل جيد جدا، وكنت سأحصل على أفضل منه لو لم يصبني ما أصابني. ثم قررت أن أجد حلا لما أنا فيه؛ فاستمعت إلى شريط يتحدث عن القلق وعلاجه، ومما ذكره قراءة القرآن بخشوع وتدبر؛ فقرأت القرآن وصببت كل تركيزي عليه، وفعلا خرجت من حالتي في نفس اللحظة وعدت إلى حالتي الطبيعية بعد عذاب دام 4 سنوات، وظللت على حالتي الطبيعية سنة ونصف السنة، حيث كنت أستمع إلى محاضرة تتحدث عن الأعمال الصالحة فدب الخوف في قلبي كيف أعمل الصالحات ولست مسلمة والعياذ بالله.
وبدأ الخوف من جديد، أخبرت زوجي بذلك فحاول تهدئتي وإقناعي، واقتنعت أخيرا، وحاولت أن أعود بنفسي إلى حالتها الطبيعية حتى لا يداهمني وسواس آخر، وفعلا شعرت بنقلة في نفسيتي واختفت الوساوس، وظننت أني قد عدت إلى حالتي الطبيعية، لكنني كنت أشعر بأني لا أستطيع أن أشعر بالسعادة رغم توفر أسبابها.. لا أستطيع البكاء في حالات ربما تستوجب النحيب.. ضاعت الروحانيات التي كنت أتمتع بها خلال السنة والنصف وخلال فترة ما قبل مرضي، وهناك شيء غريب فيّ.. لست في حالة وسواس قهري وأيضا لست في حالتي الطبيعية، إذن ما الذي أنا فيه؟
بعدها قرر زوجي السفر إلى الخارج لإكمال دراسته واصطحبنا معه فقلت ربما لتغيير الجو دور في نفسيتي وربما أتحسن، لكن الغربة لم تزد الأمور إلا سوءًا، كنت أشعر بضيق وكانت ترتجف ركبتاي وساقاي حتى يؤلمني أسفل ظهري، ويزيد ذلك عند تعرضي لموقف محزن، وبعد متابعتي لموقعكم عرفت أنني مصابة بالاكتئاب، وربما الجسيم.
حاولت أن أتغلب عليه بنفسي؛ فلي أخ أصيب بالاكتئاب لكنه تغلب عليه بمفرده سريعا فلم يدم أكثر من شهرين، حاولت مقاومته من خلال بعض التوصيات التي أقرؤها على موقعكم. وفعلا كنت أشعر بتحسن كبير، لكن ما أن أشعر بأنني اقتربت من حالتي الطبيعية حتى يداهمني وسواس وخوف.. فمثلا قد كنت أرسلت مشكلتي إلى أحد المواقع بعد أن يئست من إرسالها إليكم، ولم يجيبوا على مشكلتي لفترة طويلة، فقررت أن أقاومه بنفسي لعل ذلك أفضل، وشعرت بتحسن كبير لكنه لم يدم أكثر من يومين حيث داهمني الخوف من كتابتي الرسالة، وكنت كلما ذكرت أنني أرسلت مشكلتي انتابني خوف وسيطرت الفكرة على رأسي فأحاول الخلاص منها فأعود إلى الاكتئاب، أي إنني أهرب من الوسواس القهري إلى الاكتئاب ومن الاكتئاب إلى الوسواس القهري.
ومن بعض أعراض الاكتئاب أن شهيتي تنعدم للأكل أحيانا بينما تنفتح أحيانا أخرى، وفي بعض الأحيان أشعر برغبة شديدة في البكاء وتذكر الماضي والتحسر عليه، كما أنني كذلك لا أريد أن أرى أحدًا يقوم الليل أو يقرأ القرآن بخشوع أو نشيطا، أشعر بأنني لا أملك ما يملك، لم أعد أستطيع مجرد أن أطمح بأن أكون مثله. ولي إلى الآن على هذه الحالة -أي الاكتئاب- 8 أشهر تقريبا.
دكتور وائل أرجو أن أكون قد أوفيت واستوفيت في طرح مشكلتي، ولي بعض الأسئلة والطلبات التي أرجو أن يتسع صدرك لها.. لقد ذكرت أنت في بعض ردودك على بعض الاستشارات أن وجود الاكتئاب في مرضى الوسواس القهري بشارة خير، لكن إذا كان الاكتئاب جسيما فهو إما أن تكون الاستجابة كاملة أو غير كاملة، ما معنى هذا الكلام؟ وكيف تكون الاستجابة كاملة وكيف لا تكون؟
كذلك أرجو أن ترشدني وتوضح لي ردك على استشارة أخرى، وهي أن الوسواس القهري ينقسم إلى قسمين؛ الأول ما تحت سن العاشرة وهو الذي ربما لا يشفى، والآخر ما بعد سن السابعة عشرة وهو ما يكون فيه الشفاء تاما بإذن الله؛ فهل أفهم من كلامك أن الوسواس القهري إذا كان بعد سن العاشرة وقبل سن السابعة عشرة يظل بين الشفاء والانتكاسة؟
هل هناك أمل في الشفاء التام؟ إن كان هناك أمل فما مقداره؟ أرجو أن تجيبني يا دكتور وائل بما يطمئن قلبي ويريح بالي الذي طال به الأمد ولم يذق طعم الراحة، لم أكن أتخيل نفسي يوما من الأيام أن أكون في هذا المقام، لم يخطر ببالي أنني يوما ما سألجأ إلى طبيب نفسي، كنت دائما أحلم بأن أكون طبيبة نفسانية فأصبحت مريضه نفسانية، هذا قدر الله، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.
لكنني خائفة على نفسي؛ فلي إحدى عماتي -أدخلت الآن المصحة- تسمع أصواتا وترى جثث قتلى. خائفة على أولادي، هل سيتأثرون بهذا المرض؟ هل سيصابون به؟ هل قطع الإنجاب خير من أن أنجب أطفالا يتلظون بنار المرض النفسي؟ وكيف أحمي طفلي من هذا الكابوس؟
وطلب أخير أرجو أن تكتب لي أسماء الأدوية التي تلزمني وكيفية استخدامها بتوضيح كبير إذا سمحت؛ لأنني لا أستطيع اللجوء إلى طبيب نفسي في هذا البلد لصعوبة اللغة وفوارق الدين والعادات، أرجو أن تساعدني يا دكتور وائل، ولن أنسى لك هذا الجميل. مع خالص تقديري ودعائي.
26/12/2003
رد المستشار
الأخت العزيزة أهلا وسهلا بك، وشكرا على ثقتك، كما أشكرك على إطرائك الطيب الذي أسأل الله تعالى أن يعينني لأكون على قدره، ولا يفوتني هنا أن أؤكد لك أننا في مشاكل وحلول للشباب كما في استشارات مجانين، نهتم بكل الرسائل التي تصلنا، ونحاول قدر إمكاننا أن نشير على الجميع، ومرحبا بك في عالم الإنترنت الجديد عليك، أكسبك الله منه كل طيب ووقاك من كل مساوئه.
بدأت مشكلتك كما ذكرت وأنت في الرابعة عشرة من العمر، في شكل شعور شديد بالذنب والخوف والوسوسة بسبب اعتيادك ممارسة الاسترجاز دون أن تعرفي كيف تعلمته ولا أنه حرام، وهذا شائع بين الفتيات، ولكنك تصرفت بشكل يدل على سلامة علاقتك بأمك بارك الله فيها حيث لجأت إليها وسألتها وهذا ما تحرم منه كثيرات من بناتنا مع الأسف.
إلا أن وجود استعداد لديك للوسوسة جعلك تتقلبين من وسواس إلى وسواس، فمن الخوف من تأثيرات الاسترجاز إلى الخوف من أمراض معينة ثم إلى الوسوسة الدينية ظللت تتقلبين وتعانين ولم تدركي بعد أنك مريضة بالوسواس القهري، إلى أن تزوجت ودخلت في دورةٍ أخرى من دورات الوسواس القهري، ويبدو أنك من النوع الصبور الذي يقبل المعاناة صامتا دون أن يرهق أهله معه، وهذه سمة مخيفة أدعو الله أن يخلصك منها، فقد تظاهرت أمام أهلك قبل الزواج بأنك تعافيت من اضطرابك رغم عدم صحة ذلك، فقط من أجل تهدئتهم، وأحمد الله الذي هداك إلى مصارحة زوجك حين بدأت معاناتك الأولى بعد الزواج؛ لأن السكوت عن الشكوى ليس سمة مطمئنة خاصة حين يكون هناك اكتئاب.
وعندما عرفت أنك مصابة باكتئاب حاولت علاج نفسك بنفسك، ورغم أنك تقولين إن أخاك قد استطاع التغلب على الاكتئاب فإن المكافحة الشخصية للاكتئاب.. كثيرًا ما تخدع!، ولذلك لا ننصح بها، وأما أن تحاولي التغلب على المشاعر الاكتئابية باللجوء إلى القرآن الكريم والأذكار فإن ذلك يفيد جدا في حالة الأشخاص المتدينين ولكن في درجات الاكتئاب الخفيفة ومتوسطة الشدة وليس الشديدة، بل إن المستوى الشديد من الاكتئاب الجسيم يسلب المرء إيمانه كما بينا في إجابتنا السابقة: الاكتئاب الجسيم: عندما يسلب الإيمان.
وأما سؤالك عن كون ظهور الاكتئاب الجسيم بشرى خير في مرضى الوسواس القهري فهذا ما عرفته ولمسته في خبرتي العملية، وهذا كلام يختلف عن حديثنا عن الاكتئاب الجسيم وكون العلاج منه تاما أو غير تام فما ذكرناه على موقع مجانين في إجابتي : الاكتئاب المتبقي أم العلاج المنقوص؟
وعلاج من العلاج المنقوص !
هذا الكلام ينطبق على حالات الاكتئاب الجسيم التي لا يكمل صاحبها علاجها، ولا أظن لذلك علاقة بحالتك، وأما سؤالك عن الفرق في المآل المرضي لاضطراب الوسواس القهري الذي يبدأ بعد سن السابعة عشرة وقبلها، فإنني أود تنبيهك إلى أهمية قراءة ما أقوله ليس كحقائق مؤكدة وإنما هي نتائج دراسات علمية ليست نهائية التأكيد على أي نتيجة، ولم يكن الأمر أكثر من محاولة لتقسيم مرضى اضطراب الوسواس القهري إلى نوعين على أساس سن بداية الأعراض.
وأما سؤالك عن مآل حالتك فهو خير إن شاء الله حسبما تفاعلت سطورك الإلكترونية القلقة مع خبرتي في علاج صنوف شتى من مرضى الوسواس القهري، وأرى أنك محاطة بأفراد أسرة وزوج يمكن الاعتماد عليهم (والآن بالزوج الفاضل فقط ما دمت في الغربة) وكلها إشارات إلى مآل طيب لاضطرابك النفسي، ولكن من المناسب أن أحيلك إلى ردنا السابق تحت عنوان: مآلات علاج الوسواس: المستقبل غيب.
وأصل بعد ذلك إلى اضطراب الاكتئاب الذي لا أستطيع رؤيته منفصلا عن معاناتك الطويلة مع نوبات الوسوسة المتكررة عليك على مدى ما يقارب العقد من الزمان، وأحيل هنا من لا يعرف من قراء صفحتنا علاقة الوسواس القهري بالاكتئاب لكي يقرأ: الوسواس القهري والاكتئاب.
وأعود إليك لنتفاهم معا، فأنت تسألين عن الشفاء التام، ونحن نسألك أولا ما هو الشفاء التام -من أي مرض يصيب الإنسان غير الأمراض الانتقالية Infective Diseases، وبعض الحالات النفسية والحالات الجراحية في حدود. أليس ما تقصدين هو أن يتناول المريض علاجا لمدة محدودة من الزمن فيشفى من الأعراض ويعود طبيعيا كما كان؟ هذا المفهوم يحتاج في توضيحه إلى مقال منفصل لعلي أكتبه يوما وأطلب شهادة الأطباء والمرضى معا.
ليس هناك تعريف محدد للشفاء التام كي نختلف عليه، ودعيني أحلل حكاية عمتك تلك، فأنت تكتبين لنا من بلد لا نعرفه، وإن خمناه فهو في الغرب، وتكتبين في الوقت ذاته عن عمة لك أدخلت المصحة لأنها تسمع أصواتا وترى جثث قتلى، وخائفة أنت على نفسك وعلى من تلدين، ولكنك لم تذكري لنا تلك العمة المسكينة أين تعيش، هل هي أمٌّ في فلسطين أو في العراق أو في لبنان أو أو.. ألا ترين جنونها اعتراضا على الواقع المعيش؟ بينما أنت في أمن الغرب -كما يظنون- (ويمكرون ويمكرُ الله والله خير الماكرين). المهم أنك أخرى تماما غير عمتك وظروفك غير ظروفها بفضل الله.
أصل بعد ذلك إلى قولك:
هل أقطع الإنجاب؟ قولي: أستغفر الله العظيم، وأعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إن كل ما يرد في النصوص العلمية فيما يتعلق بوراثة الاضطرابات النفسية مهما بلغت نسبة التأكد لا تزيد مصداقيته عن مصداقية الاحتمال، ولا شيء يغير قضاء الله فكيف تقولين ذلك؟ ليس شرطا أن يكون لمريض الوسواس القهري أو غيره من الاضطرابات النفسية قريب مريض يعاني من ذلك المرض، كما أن العكس صحيح، بمعنى أن من الوارد جدا أن ينجب الموسوسان ذرية ليس فيها أي مريض. وقد ناقشنا هذا الأمر من قبل على موقعنا مجانين تحت عنوان:
زواج موسوس من موسوسة: الطيب أحسن!
موسوس وموسوسة هل يتزوجان
زواج موسوس من موسوسة؟ هل يصح؟!وزوجك ليس موسوسا كما فهمنا، ولكن المهم هو أن تدركي جيدا وباختصار شديد أنك الآن نتاج معاناة طويلة دامت منذ كنت في الرابعة عشرة من عمرك وحتى بلغت الآن الثانية والعشرين من العمر، ولا بد من العلاج لكي تجنبي أطفالك ما ناقشناه تحت عنوان: تأثير الأم الموسوسة على الأطفال، وهذا هو ما تحولين به بينهم وبين المعاناة بعون الله ومشيئته سبحانه.
وأما اختيار علاج عقاري ينفعك فلا أظن أنني على استعداد لمثل هذه المخاطرة، وكل ما أملكه هو أن أعرفك بأنواع العلاج المختلفة لحالات الوسواس القهري، وهذا هو ما ذكرناه من قبل على الصفحة في إجابات عديدة منها:
الوسواس القهري: أنواعه وأعراضه وحكمه الشرعي م
(م.ا.س) و(م.ا.س.ا).. هل "يخربطوا" الدماغ
الماس والماسا واحتمال الخطأ
وسواس القولون عند المسلمين: نموذجٌ أوضحومن يصف علاجا عقاريا لا بد أن يقابل مريضه وجها لوجه؛ لأن هناك اعتبارات عديدة تجعل اختيار عقار معين أفضل من غيره لحالة بعينها، فلا بد أن تلجئي لأحد الأطباء النفسيين، ورغم اختلاف اللغة والثقافة فإنك ستكونين أكثر اطمئنانا إلى اختياره الذي سيكون أنسب مما قد نخاطر به على الإنترنت.. وفقك الله وتابعينا بأخبارك.
ويتبع>>>>>>>>: وسوسة واكتئاب وصمت طويل على العذاب م